شووق قطر
¬°•| مراقبة عامة سابقة وصاحبة العطاء المميز |•°¬
الصلة بين الفكر الحر والإبداع صلة بين المقدمة والنتيجة؛ لأن الفكر الحر ينتهي إلى إبداع، ولكن لا بد من تحديد معنى "الفكر" في المنظور الإسلامي أولاً، فالفكر يعني حركة العقل الواعية حيال النص الإسلامي الأساس وهو القرآن الكريم مع شرحه الذي هو السنّة النبوية الثابتة.
فإذا ما اتجّه الفكر في غير اتجاه النص الإسلامي أخذ صفة المتجه إليه، فإن اتجّه إلى أدبيات الكنيسة كان الفكر مسيحياً، وإن اتجه إلى أدبيات الماركسية كان ماركسياً … وهكذا …
ينتهي الفكر الإسلامي إلى الإبداع ما دام مركز توجهه نصاً مفتوحاً ثريّاً مستوعباً متجدّد العطاء، لا تنتهي عجائبه كما وصفه النبي صلّى الله عليه وسلّم .
والإبداع: عطاءٌ جديد نافع في ميدان إنساني ما، ويتنوع الإبداع بتنوع المجالات الإنسانية.
وإذ نفصّل الآن أكثر في مجمل ما ذكرنا نقول : يدعو الإسلام إلى التفكر والفكر بقوة، وينادي الإنسان ليتدبَّر الكون تدبراً دقيقاً من سماواته إلى أرضه، ومن كواكبه إلى نجومه، ومن حيواناته إلى سائر المخلوقات القائمين عليه، وعلى الإنسان بعد التدبر أن يسجِّل النتائج ويقوّمها فيهمل ما يضرّ، ويحتفظ لنفسه ومن بعده بالنافع .
والإسلام لا يحجر على العقل أداة التفكير ولا يحدّده ولا يضيق عليه ، بل يطالبه بالتحرك والتجوال الهادف في هذا الكون؛ ليكتشف أسراره ، ويطلع على قوانينه ويَسْتَكْنِهَ علاقاته ومعادلاته ويسخِّر ذلك كله من أجل تعميق العبودية للخالق الحق ولخدمة الإنسان بتجلِّييه المادي والمعنوي . ولقد كرر الإسلام في كتابه الدعوة إلى النظر والتفكر كثيراُ وهذه الدعوة وذاك الطلب يصبّ في مصبّ الإبداع، فعلى الجميع أن ينظر ولكلٍّ مجاله وميدانه من أجل النظر، وعلى الجميع أن يعرفوا أنهم إذ يُدْعَوْنَ إلى النظر فمن أجل "الإبداع " والتجديد ، لا من أجل التكرار والتقليد والترديد، والإبداع والتجديد موقف إسلامي مطلوب، وقد تكفَّل الله ببعثِ مجدِّد على رأس كل مائة سنة كما جاء في الحديث الصحيح.
وأغتنم الفرصة هنا لأطلب من ذوي التّأثير الديني أن يركزوا في خطابهم على توسيع دائرة العبادة فلا تكون خاصةً بالعبادات المباشرة والصِّرفة من صلاةٍ وصيام بل تتناول وبقوة الزراعة والصناعة والطب والهندسة والصيدلة وصدق رسول الله القائل: ( الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان). رواه مسلم والنسائي .
وخير ما يتوجّه إليه دعاتنا في حديثهم : تفصيل هذه الشعب وإني لأعتقد أنهم حين يفصّلون فستدخل كل الميادين الإنسانية فيها.
ومن هنا: ندرك أن الإسلام يدعو إلى الفكر بعد التفكر … ويريد من الفكر أن يبدع … ويُعلِّم أتباعه أن هذا الفكر وذاك الإبداع من أهمّ مطالب الدين الحنيف