a picky girl
¬°•| مُشرِِفَة سابقة |•°¬
التدريس الجيد
لماذا يتعلم الطلاب من بعض المعلمين أكثر من غيرهم؟
للتدريس الجيد - والذي هو مزيج من ثقافة المعلم ونزاهته وتواصله مع طلبته
بقلم: ثيودور زايزر، العميد السابق لكلية التربية بجامعة هارفارد
ترجمة: عمر خليفة، مكتب التربية العربي لدول الخليج
يمر الطلاب في حياتهم بمئات المعلمين، لكن عدداً قليلاً من المعلمين يذكره الطلاب دائماً ولا ينسونه. فما هي الصفات التي تخلق معلماً جيداً لا ينسى بسهولة؟ لماذا يلهم بعض المعلمين طلابه للعمل الجاد ثلاثة أضعاف غيره من المعلمين بينما يهرب الطلاب من حصص البعض الآخر؟ بإختصار شديد: لماذا يتعلم الطلاب من بعض المعلمين أكثر من غيرهم؟
سأتحدث بإيجاز عن التدريس الجيد، لأنني أتوجس من ذلك كثيراً.. ذلك لمعرفتي التامة بأن المعلمين المميزين يختلفون فيما بينهم مثلما تختلف شخصياتهم وأساليب عملهم. لكن يمكنني القول بكل ثقة إن التدريس الناجح يعتمد في المقام الأول على شخصية المعلم، بل إنني أؤمن إيمانا جازماً بأنه يعتمد عليها بشكل كبير. إنني – وعندما أصف لكم نظرتي العامة للتدريس الجيد ربما - وعن غير قصد - أبدو لكم غير متسامح مع خصوصية المعلم، لكنني في الواقع لا أرغب في الظهور بذلك المظهر.
إنني أحس بالتوجس أيضاً لأنني ربما أعطي انطباعاً خاطئاً مفاده أنني أعتقد بأن التدريس شيء مهم في حد ذاته، وهو بالطبع غير ذلك. إن ما هو مهم فعلاً هو ما يتعلمه الطلاب بالفعل. وعندما أتحدث عن التدريس، فإنني أرجو ألا أشوش الحقيقة البديهية القائلة بأن عملنا كمعلمين يعدّ وسيلةً تؤدي في النهاية إلى غاية، وهي المعرفة التي يتلقاها التلاميذ، والتدريس بذلك لا يكون غاية في حد ذاتها.
وبعد هذه التحفظات التي أبديتها، أسمحوا لي بالمضي قدماً في هذا الحديث فأقول: إن التدريس الرائع والجيد في رأيي، يعكس في جوهره ثقافة المعلم واستقامته الشخصية ومقدرته على التواصل مع الطلاب.
فثقافة المعلم تعني سيطرته على المادة التي يقوم بتدريسها . والمعلم الفاعل هو من يثير هذا العنصر لدى طلابه، لكن الثقافة ليست شأناً يخص حجرة الدرس فقط ولكنها في أحسن حالاتها تكون أسلوب حياة يتسم باحترام الأدلة والمنطق، كما يتسم بحب الاستطلاع والعبقرية لإيجاد معنى جديد لمعلومات عادية ومعروفة كما يتسم بالمقدرة على رؤية الأشياء في سياقها وبربط الخصوصيات بالعموميات والحقائق بالنظريات والنظريات بالحقائق.
أما الميزة الثانية للتدريس الجيد فهي الاستقامة في معنيين اثنين من معانيها المتعددة: أولاً هناك الأمانة والنزاهة والشرف والصدق والإخلاص. هذه الصفات التي تعتبر أساسية وهامة بالطبع بالنسبة للحياة الكريمة لكل فرد، تلعب دوراً خاصاً في سلوكنا نحن المعلمين الذين نؤثر في الطلاب بسلوكنا كوننا لا محالة نعيش معهم. وعلى نفس القدر من الأهمية هناك نوع آخر من الاستقامة هو اكتمال ووحدة الشخصية وهو الشعور بالثقة بالنفس والهوية الشخصية التي يظهرها المعلم الممتاز.
أما المقدرة على التواصل مع الشباب فهي السمة الثالثة للتدريس الجيد، وهي تعني بوضوح التقرب منهم واستحسان حركتهم الصاخبة وأسئلتهم الكثيرة التي تصاحب نموهم. كما أنها تعني القدرة على التعاطف معهم وأن نرى الأشياء كما يرونها هم. إن المعلم الجيد يجب أن يكون وبوضوح شديد مستمعاً جيداً وهذا يعني المهارة في استخراج الكثير من الطالب، بل أكثر مما يعتقد الطالب نفسه أنه في إمكانه عمله .. المهارة في معرفة الاختبارات التي يمكن وضعها للطالب من أجل أن يكون مقتنعاً بتعليمه ولحثه على تعليم أكبر.
إنني على يقين بأن الوصف السابق للتدريس الجيد قد يبدو طموحاً، لكنني أؤمن بأن هذه الأهداف يمكن تحقيقها، بل هي مناسبة لنا جميعاً كمعلمين محترفين. أما الأهداف الأقل، أو الأهداف الأكثر واقعية، فهي تحط من قدرنا. إنني أعتقد بأن مهنة المعلم قد تكون أقل إنسانية، وأكثر ميكانيكية وآلية مما ينبغي، لكنني أقول: إن عدم التجديد فيها قد يورث الملل. وهنا أسرد بعض النصائح لكل من يود التجديد. وهي نصائح أستمدها من تجارب بعض زملائي المعلمين:-
· عليك معرفة أسماء الطلاب ومناداتهم بها.
· قم بتحية الطلاب والزملاء بطيب نفس.
· يفضّل الذهاب لرؤية الطلاب في المناسبات المختلفة (مثلاً حضور مباراة يشارك فيها أحد الطلاب)
· تذكر أمراً سبب قلقاً لأحد الطلاب واسأله عنه (كأن تقول لطالب مثلاً: هل تعافى والدك من العملية الجراحية التي أجريت له؟)
· كن صديقاً لطلابك إلى حد معقول دون أن تفقد هيبتك.
· مقاومة سخرية الطلاب من بعضهم البعض، حتى ولو كانت مضحكة، ولا تتسامح أبداً مع التعليقات غير اللائقة بين الطلاب، فهي قد تبدو في ظاهرها بريئة، لكنها في الحقيقة عبارة عن نكات مهينة أو مسيئة، ربما تحط من قدر جنس الطالب، أو عرقه، أو أصله.
· لا تتأخر أبداً في الحضور إلى حجرة الدرس، ولا تقطع الدرس أبداً لأي أمرٍ شخصي.
· أعد كراسات الطلاب إليهم في غضون أربع وعشرين ساعة على الأكثر.
· ليكن همك دائماً "أن الطلاب قد فهموا الدرس" أكثر من "أنك قد شرحت الدرس"، وهناك فرق كبير بين المعنيين.
· امدح الأداء الجيد دائماً، وأثنِ عليه. فالإنسان يتعلم بشكل أسرع عندما يشعر بأنه إنسان ناجح.
· اتبع دائماً القول المأثور الذي تعلمناه من آبائنا: "إذا كنت لا تستطيع قول شيء جيد عن شخص ما، فاصمت ولا تقل عنه شيئاً على الإطلاق".
· أظهر إصرارك دائماً على معرفة دواعي الأشياء وأسبابها - داخل الفصل وخارجه - وخذ الوقت الكافي لإعطاء الأسباب، كي لا تبدو الأمور مبهمة، وهذا يتطلب قدراً كبيراً من الصبر.
· كن مستعداً دائماً لتغيير نظرتك أو رأيك حول أي أمر من الأمور، خاصة عندما تجد الدليل المقنع.
· لا تيأس من طلابك. فاليأس دليل على الفشل.
أستطيع الاسترسال أكثر، لكنني أعتقد أن هذه النقطة قد أصبحت واضحة الآن .. وإنني أعترف بأن هذا التعريف للتدريس الجيد - والذي هو مزيج من ثقافة المعلم ونزاهته وتواصله مع الطلاب - قد يكون شاقاً في أول الأمر، لكنه حتماً سيغير من أسلوب المعلم وشخصيته .. وعلينا ألا نخاف من مواجهة الحقائق، بل يجب أن نتعامل معها بواقعية.
لماذا يتعلم الطلاب من بعض المعلمين أكثر من غيرهم؟
للتدريس الجيد - والذي هو مزيج من ثقافة المعلم ونزاهته وتواصله مع طلبته
بقلم: ثيودور زايزر، العميد السابق لكلية التربية بجامعة هارفارد
ترجمة: عمر خليفة، مكتب التربية العربي لدول الخليج
يمر الطلاب في حياتهم بمئات المعلمين، لكن عدداً قليلاً من المعلمين يذكره الطلاب دائماً ولا ينسونه. فما هي الصفات التي تخلق معلماً جيداً لا ينسى بسهولة؟ لماذا يلهم بعض المعلمين طلابه للعمل الجاد ثلاثة أضعاف غيره من المعلمين بينما يهرب الطلاب من حصص البعض الآخر؟ بإختصار شديد: لماذا يتعلم الطلاب من بعض المعلمين أكثر من غيرهم؟
سأتحدث بإيجاز عن التدريس الجيد، لأنني أتوجس من ذلك كثيراً.. ذلك لمعرفتي التامة بأن المعلمين المميزين يختلفون فيما بينهم مثلما تختلف شخصياتهم وأساليب عملهم. لكن يمكنني القول بكل ثقة إن التدريس الناجح يعتمد في المقام الأول على شخصية المعلم، بل إنني أؤمن إيمانا جازماً بأنه يعتمد عليها بشكل كبير. إنني – وعندما أصف لكم نظرتي العامة للتدريس الجيد ربما - وعن غير قصد - أبدو لكم غير متسامح مع خصوصية المعلم، لكنني في الواقع لا أرغب في الظهور بذلك المظهر.
إنني أحس بالتوجس أيضاً لأنني ربما أعطي انطباعاً خاطئاً مفاده أنني أعتقد بأن التدريس شيء مهم في حد ذاته، وهو بالطبع غير ذلك. إن ما هو مهم فعلاً هو ما يتعلمه الطلاب بالفعل. وعندما أتحدث عن التدريس، فإنني أرجو ألا أشوش الحقيقة البديهية القائلة بأن عملنا كمعلمين يعدّ وسيلةً تؤدي في النهاية إلى غاية، وهي المعرفة التي يتلقاها التلاميذ، والتدريس بذلك لا يكون غاية في حد ذاتها.
وبعد هذه التحفظات التي أبديتها، أسمحوا لي بالمضي قدماً في هذا الحديث فأقول: إن التدريس الرائع والجيد في رأيي، يعكس في جوهره ثقافة المعلم واستقامته الشخصية ومقدرته على التواصل مع الطلاب.
فثقافة المعلم تعني سيطرته على المادة التي يقوم بتدريسها . والمعلم الفاعل هو من يثير هذا العنصر لدى طلابه، لكن الثقافة ليست شأناً يخص حجرة الدرس فقط ولكنها في أحسن حالاتها تكون أسلوب حياة يتسم باحترام الأدلة والمنطق، كما يتسم بحب الاستطلاع والعبقرية لإيجاد معنى جديد لمعلومات عادية ومعروفة كما يتسم بالمقدرة على رؤية الأشياء في سياقها وبربط الخصوصيات بالعموميات والحقائق بالنظريات والنظريات بالحقائق.
أما الميزة الثانية للتدريس الجيد فهي الاستقامة في معنيين اثنين من معانيها المتعددة: أولاً هناك الأمانة والنزاهة والشرف والصدق والإخلاص. هذه الصفات التي تعتبر أساسية وهامة بالطبع بالنسبة للحياة الكريمة لكل فرد، تلعب دوراً خاصاً في سلوكنا نحن المعلمين الذين نؤثر في الطلاب بسلوكنا كوننا لا محالة نعيش معهم. وعلى نفس القدر من الأهمية هناك نوع آخر من الاستقامة هو اكتمال ووحدة الشخصية وهو الشعور بالثقة بالنفس والهوية الشخصية التي يظهرها المعلم الممتاز.
أما المقدرة على التواصل مع الشباب فهي السمة الثالثة للتدريس الجيد، وهي تعني بوضوح التقرب منهم واستحسان حركتهم الصاخبة وأسئلتهم الكثيرة التي تصاحب نموهم. كما أنها تعني القدرة على التعاطف معهم وأن نرى الأشياء كما يرونها هم. إن المعلم الجيد يجب أن يكون وبوضوح شديد مستمعاً جيداً وهذا يعني المهارة في استخراج الكثير من الطالب، بل أكثر مما يعتقد الطالب نفسه أنه في إمكانه عمله .. المهارة في معرفة الاختبارات التي يمكن وضعها للطالب من أجل أن يكون مقتنعاً بتعليمه ولحثه على تعليم أكبر.
إنني على يقين بأن الوصف السابق للتدريس الجيد قد يبدو طموحاً، لكنني أؤمن بأن هذه الأهداف يمكن تحقيقها، بل هي مناسبة لنا جميعاً كمعلمين محترفين. أما الأهداف الأقل، أو الأهداف الأكثر واقعية، فهي تحط من قدرنا. إنني أعتقد بأن مهنة المعلم قد تكون أقل إنسانية، وأكثر ميكانيكية وآلية مما ينبغي، لكنني أقول: إن عدم التجديد فيها قد يورث الملل. وهنا أسرد بعض النصائح لكل من يود التجديد. وهي نصائح أستمدها من تجارب بعض زملائي المعلمين:-
· عليك معرفة أسماء الطلاب ومناداتهم بها.
· قم بتحية الطلاب والزملاء بطيب نفس.
· يفضّل الذهاب لرؤية الطلاب في المناسبات المختلفة (مثلاً حضور مباراة يشارك فيها أحد الطلاب)
· تذكر أمراً سبب قلقاً لأحد الطلاب واسأله عنه (كأن تقول لطالب مثلاً: هل تعافى والدك من العملية الجراحية التي أجريت له؟)
· كن صديقاً لطلابك إلى حد معقول دون أن تفقد هيبتك.
· مقاومة سخرية الطلاب من بعضهم البعض، حتى ولو كانت مضحكة، ولا تتسامح أبداً مع التعليقات غير اللائقة بين الطلاب، فهي قد تبدو في ظاهرها بريئة، لكنها في الحقيقة عبارة عن نكات مهينة أو مسيئة، ربما تحط من قدر جنس الطالب، أو عرقه، أو أصله.
· لا تتأخر أبداً في الحضور إلى حجرة الدرس، ولا تقطع الدرس أبداً لأي أمرٍ شخصي.
· أعد كراسات الطلاب إليهم في غضون أربع وعشرين ساعة على الأكثر.
· ليكن همك دائماً "أن الطلاب قد فهموا الدرس" أكثر من "أنك قد شرحت الدرس"، وهناك فرق كبير بين المعنيين.
· امدح الأداء الجيد دائماً، وأثنِ عليه. فالإنسان يتعلم بشكل أسرع عندما يشعر بأنه إنسان ناجح.
· اتبع دائماً القول المأثور الذي تعلمناه من آبائنا: "إذا كنت لا تستطيع قول شيء جيد عن شخص ما، فاصمت ولا تقل عنه شيئاً على الإطلاق".
· أظهر إصرارك دائماً على معرفة دواعي الأشياء وأسبابها - داخل الفصل وخارجه - وخذ الوقت الكافي لإعطاء الأسباب، كي لا تبدو الأمور مبهمة، وهذا يتطلب قدراً كبيراً من الصبر.
· كن مستعداً دائماً لتغيير نظرتك أو رأيك حول أي أمر من الأمور، خاصة عندما تجد الدليل المقنع.
· لا تيأس من طلابك. فاليأس دليل على الفشل.
أستطيع الاسترسال أكثر، لكنني أعتقد أن هذه النقطة قد أصبحت واضحة الآن .. وإنني أعترف بأن هذا التعريف للتدريس الجيد - والذي هو مزيج من ثقافة المعلم ونزاهته وتواصله مع الطلاب - قد يكون شاقاً في أول الأمر، لكنه حتماً سيغير من أسلوب المعلم وشخصيته .. وعلينا ألا نخاف من مواجهة الحقائق، بل يجب أن نتعامل معها بواقعية.