جاسم القرطوبي
¬°•| عٌضوٍ شَرًفِ|•°¬
سقوط آخر أوراق الخريف
سقوط آخر أوراق الخريف
"""""
28-1-2010
سقوط آخر أوراق الخريف
"""""
.
على الشرفة وقف منتظرا قفول زوجته المهندسة من عملها ،وتجاعيد وجهه التي تظهر معالم عمره الهرم أكثر منها تجاعيد حيرته .إنها الثالثة ظهرا ، ها هي تقبل وكأنها عنقود عنب تدلى على جائع ظمآن أو كأنها النَّوْرُ والزهر معا هكذا أحس عندما رآها راجعة. أمام الشقة أوقفت سيارتها ، استقبلها بابتسامة عودها عليها ولكنها عرفت أنه اصطنعها هذه المرة ولأول مرة في حياته . أخذت تصعد الدرج فتخيل بسماع خطوات قدميها على الدرج إيقاعا يشبه موسيقى تلك الحفلة التي تعرف عليها فيها ؛ فرغم أنها كانت تصغره ثلاث عشرة سنة إلا أنها قبلت الزواج منه وبدون تردد ولم تنبس لفقره المدقع بل أحبته حبا جما كحبه لها أو أشد حبا . فتحت باب الشقة ونظرت إليه بنفس تلك الملامح الحزينة التي ارتسمت على وجهها هذا الصباح عندما غادرته ، ولأول مرة في زيجة عمرها عشر سنوات اعتاد فيها أن تملأ البيت عليه حيوية وطفولة إذ لا أطفال لهما سواهما ، كان يغرقها بدفء الحب تماما مثلما طمرت أحزانه التي لم تبرح عنه قبل زواجهما ثانية واحدة فقد آوته وزوجته نفسها وعوضته الأهلين والعالمين. وبدون كلام سوى رد السلام اتجهت تسحب قدميها إلى غرفتها دون أن تنطق ببنت شفة إلا أنه لم يسألها فقد وعدته أن تكشف له سر تغيرها بمجرد عودتها ثم قال في نفسه متمتما : وها هي ذه تعود إلى بيتها.. لم يقطع عليه تفكره سوى ضوضاء الجلبة التي تصدرها زوجته هناك .وبعد ساعة نزلت من غرفتها واللؤلؤ في جيدها لا يشبهه كثافة سوى قيعان البحار وبيدها لوحة كبيرة وقلم .. دنت منه وطبعت على ثغره قبلة الحياة ، أخذت بيده وقالت له : هيا بنا .. هيا بنا لنتناول الطعام معا وسأنجز ما وعدتك ، فقال لها : كلا المفاجأة ثم الطعام لعله يكون احتفاء بهذه المناسبة والتي أخالها سعيدة إن شاء الله.. الزوجة : إممم ، حسنا ، كشفت عن المخبوء .. نظر إليها والأمل يغرق أحزانه فها هي حبيبته بدأت تتفتح شيئا فشيئا وقال : حبيبتي ما هذا ؟ألوحة فارغة ؟ .. خلته تصميما ناجحا لك أحببت أن أشاهده قبل أي أحد آخر . الزوجة : نعم سيكون تصميما بل تصميما أنت من سيصممه .. الزوج : أأأ أنا ولكنني لست مهندسا ولا رساما فبالله عليك قولي كيف سأصممه !!!. فأجابته برذاذ دموعها الذي سرعان ما بدأ السقوط ،أحس أنه ما من دمعة تسقط من عينيها الهادئتين إلا وتقع في صحاريه الخضراء فأمسك يديها، فنزعتهما برفق ، و أمسكت بالقلم وبدأت ترسم خطوطا عرضية وأخرى طولية وترسم منحيات حتى أكملت عشر أشكال هندسية ثم صمتت قليلا ثم قالت : عشر سنوات. ألقت بالقلم فأمسكه ورسم خطا كبيرا وكتب أعلاه عشر سنتمترات أو عشرة أمتار لا أدري ولكنه خطا مستقيما وهي مؤنثة ومذكرة . أمسكت القلم من يديه وما أن لمست خشونة كفيها كفه تنهدت وأغمضت عيناها قليلا وفتحتهما ورسمت شكلا مزدوجا شبيها برقم صفر وواحد .عندها قال الزوج : أهذا قرارك .. الزوجة : لماذا لا تجرب فلربما ستستجيب خلاياك للعلاج. الزوج :زوجتي حبيبتي. صرخت بوجهه قائلة : سئمت تمثيل الدعة وأخذت تتلو عليه ما لم يتوقع سماعه منها المرة تلو المرة ، (هو) مطرقٌ رأسه . (هي) انكبت على الأرض باكية ثم رفعت رأسها وأمسكت يده وكتبت في بياض كفه : طلقني .. نظر إليها وسقطت من عينيه على بياض لحيته دمعتين أزال بهما ما سودته على بياض كفه ثم أمسك بالقلم كاتبا في كفه : لحظة .. وبنفس الكف ربت على كتفها ومسح دموع عينيها .صعد لأعلى وأخذت ترقب الباب المؤرب إلى أن نزل وفي يده حقيبة ملابسه والغيم في وجهه قد خسف بدر وجهه الوضاء . اتجه للباب الشقة وفتحه ثم عاد للورقة وكتب لها شيئا ثم فتح الحقيبة وناولها منها زجاجة عطر فارغة واتجه خارجا وقبل أن يدير وجهه عنها كالجندي أمام قائده وقف أمامها. هلعت أن تقرأ ما في الورقة سقطت زجاجة العطر من يدها ، فوقف قليلا قبل أن يغلق الباب وراءه وقال : خسارة ثم واصل طريقه خارجا . أمسكت الورقه وقرأت ما فيها: هذه هديتك أول ما تعارفنا نفد ريحها وبقيت ذكراها وشذاها بقلبي فإذا هانت العشرة عليك فاكسريها فأنا علقت طلاقك بكسرها . وعندها اعلمي قد يحزن كل شخص منا ولكن أبدا لن يكون هناك أي صديق للحزينين ، وإن أشرق في عالمهم فإنه سرعان أن يكسف أو يغرب . واعلمي يا صغيرتي أنك أنت السبب وليس أنا ولولا أني خشيت أن ينكسر قلبك لصارحتك من الوهلة الأولى ،أحبك.آسف فهذا الأمر الوحيد الذي لم أستطع البوح به لأجلك .
جاسم القرطوبي28-1-2010