عۈد بطرآنيـے
¬°•| فخر المنتدى |•°¬
- إنضم
- 7 أكتوبر 2009
- المشاركات
- 3,883
أن يستحضرها المؤمن امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى لعباده، حيث قال: (
يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر:15)
فالعبد ينبغي أن يكون مفتقرا إلى الله تعالى، لا إلى أحد من الناس، ولا إلى
شيء من الدنيا، فهو قد نفض يديه من الدنيا، فلا يطمع ولا ينافس فيها، ولا
يتعلق قلبه بها، لأنه مفتقر على الله وحده لا شريك له، وأكثر الناس قد
افتقروا إلى الدنيا، إلى شهواتها ولذاتها، لا يفترون عنها، منهم من افتقر
إلى المال، ومنهم من افتقر إلى الجاه، وعامة الناس، يفتقرون إلى الأهلين
والأصحاب، ويضحون من أجلهم بدينهم في كثير من الأحيان.
كما قال إبراهيم عليه السلام، قال الله تعالى عنه: (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ
دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ
بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) (العنكبوت:25)
،فهم كما قال الله تعالى: (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا
كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) (هود:109).
فكثير من الناس يبيع ما فطره الله عليه من التوحيد لأجل ألا يفقد الروابط
الاجتماعية، فهو مفتقر إلى هذه الروابط أشد من افتقاره إلى الله تعالى،
ولذا كان الفقر إلى الله يستلزم نفض اليدين من الدنيا بأنواع الشهوات التي
فيها: النساء والمال والجاه والعلاقات الاجتماعية والمساكن و التجارة التي
يخشى كسادها وغير ذلك من متاع الدنيا، ونفض اليدين يكون بالتخلص
من البخل ومن الحرص، فلا يبخل بها إذا وجدت، ولا يحرص عليها إذا فقدت،
أما إن كان يتطلع إليها ويريد أخذ المزيد منها، فهو لم يتخلص منها، وأكثر
الناس فقراء لكونهم متطلعين ، فقد يجمعون بين الفقر من جهة فقد الدنيا
من أيديهم، وبين الفقر من جهة طلب الدنيا، فهم فقراء من الدنيا وإلى
الدنيا، فقد ضاع منهم الأمران فلم يتمتعوا بشهواتها؛ لأنها مفقودة، وهذا
الفقد أمر طبيعي أصلي؛ لأن الشهوات لا تتسع لينالها كل أحد، فالمُلْك مثلا
لا يناله إلا آحاد الناس، فلا يمكن أن يكون هناك مَلك في كل بقعة، أو أن
يكون كل إنسان مَلكا، وكذلك الغِنى، فالمال لا يكون في يد أكثر الناس،
فالفقر أكثر من الغنى، والجاه مثله، فهذه أمور لا يستمتع أكثر الناس
بشهواتهم فيها، ولكن المصيبة أنهم يحرمون تخلُّصَ قلوبهم منها، فيظلون
متعلقين بها، يجرون وراءها وهم محرومون، ومن وُجدت في يده ولم ينفُضْ
قلبَه منها، فهو يتطلع إلى المزيد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو
أن لابن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب"،
وفي الرواية الأخرى: " لو أن لابن آدم واديا من مال؛ لابتغى إليه ثانيا، ولو
كان له ثان؛ لابتغى إليه ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله
على من تاب".
صفة المفتقر إلى الله:
لكي يكون الإنسان مفتقرا إلى الله وحده لا شريك له ، لا بد أن يكون غافلا
بقلبه عن قدر الدنيا، غير ملتفت إليها، فإنما قيمتها عنده كما أخبر عنها
النبي صلى الله عليه وسلم : " كجَدْيٍ أَسَكّ"، أي: مقطوع الأذنين " ميت "
ولذلك هو يسلم منها طلبا وتركا، يسلم من أن يطلبها، فهو سالم منها؛ لأنه
يراها لا تساوي، ولا تستحق المنافسة، وإذا تركها لم يشعر أنه ضحى
بشيء ذي قيمة ، فهذه رؤية مطلوبة لازمة للإنسان؛ لأن الله تعالى قال: (
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ
وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً
وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ
الْغُرُورِ) (الحديد:20)
فالمؤمن سلم منها طلبا، فلا ينافس في عزّها، ولا يجزع من ذلها، ولا
يأسى على ما فاته منها، ولا يفرح بما آتاه الله منها فرح العجب والغرور
ونسبة الكمال للنفس ونسبة تحصيل الدنيا بنفسه، كمن قال : " إنما
أوتيته على علم عندي"، وكمن قال : " هذا لي"، وكمن قال: " أنا أكثر منك
مالا وأعز نفرا".
فهذه الألفاظ صدرت عن أناس وصلوا إلى الكفر بسبب هذا الفرح بالدنيا
والعجب بها، أما المؤمن فإنه يفرح برحمة الله، يفرح بالله تعالى ويستغني
به عز وجل، وهو عين الافتقار إليه، فهذه عبادات قلبية ضرورية ، الافتقار
إلى الله والغنى به عن الخلق سبحانه وتعالى والفرح به تعالى ، فيجب أن
تفرح بفضل الله وبرحمته وتفرح بنعمة الإسلام، وهو في الحقيقة سبب
الاستغناء عن الخلق، و الافتقار إلى الله تعالى.
فالغرض المقصود أن يسلم الإنسان من الدنيا طلبا وتركا فلا ينافس فيها،
فهو لم يبخل ولم يتطلع ولم ينافس، وعندما تركها لم يعظم تركها، لم يقل:
أنا تركت شيئا غاليا، فهو يسلم منها حين يتركها.