سبع البلّد
¬°•| عضو جديد |•°¬
- إنضم
- 24 مارس 2009
- المشاركات
- 7
ارتقت الفنون في كثير من مظاهرها على عصر الموحدين ، ونهضت مجموع الصناعات لهذا العهد ، وعرفت تقدما كبيرا وازدهارا قل نظيره في زمانهم ، و بالأخص إبان عظمة الدولة حيث الوفرة والجودة والإتقان والإبداع والاختراع.
فقد كان في فاس وحدها في عهد المنصور وابنه الناصر من معامل الصناعات : داران للسكة ( مصانع النقود ) و 3064 معملا لنسج الثياب و 47 من ديار عمل الصابون و86 من ديار الدبغ و 116 دارا للصباغة و12 معملا لتسبيك الحديد و النحاس 11 مصنعا للزجاج و 400 حجرة لعمل الكاغد ( نوع من الورق ) و 118 دارا لعمل الفخار.(حضارة الموحدين : المنوني ص 236 ). "ومن الشواهد على إتقان الصناعات الإتقانالفائق ما كانت عليه أبنيتهم من التفنن العظيم والتأنق الفائق ، حسبما يعلم منمشاهدة ما بقي قائما منها ، وما حفظ وصفه، وقد قال بعضهم : " إن إتقان البناء منشواهد التقدم والرقي ، ولا ينتج الأبنية الفخمة الشامخة إلا حضارة ضخمة ، وشعوب لهاشأن في فنون الهندسة والعمارة ، ونزعة إلى حسن الذوق"(نفسه: ص 237(
ويتحدث المؤرخون أن مصانع الحرير بمدينة قرطبة وحدها كانت تستخدم ثلاثين و مائة ألف عامل ، وكان تسويقها يغطي شمال إفريقية إلى أواسط القارة حتى السودان ، كما أن صناعة السفن عرفت ازدهارا كبيرا ، يقول ابن خلدون: " لما استفحلت دولة الموحدين في المائة السادسة وملكوا العدوتين ، أقاموا خطة الأسطول على أتم ما عرف ، وأعظم ما عهد .. وانتهت أساطيل المسلمين حينئذ في الكثرة والاستجابة إلى ما لم تبلغه من قبل ، ولا بعد فيما عهدناه"( المقدمة ص 256).
وكانت لتلك الأساطيل مصانع متوافرة منبثة على طول مراسي المملكة الموحدية ، وقد " امتدت من مرسى سلا إلى المهدية وطنجة وسبتة وبادس والريف إلى تونس " (المنوني :255).
وكان المغرب متفوقا في صناعة السلاح ، ومعامله توجد في جميع جهات الموحدين ، تنتج قدرا كبيرا من السلاح ، كما كان للموحدين اعتناء خاص بصناعة استغلال المناجم ، وقد ذكر صاحب المعجب عددا مما كان معروفا إذ ذاك بالمغرب والأندلس من معادن الذهب والفضة والحديد والكبريت والرصاص والزئبق..( ص 362 )
وتطورت الصناعة الميكانيكية ، وظهرت في كثير من المظاهر ، ونأخذ المقصورة الميكانيكية مثالا لهذا التقدم الرائع، فقد كانت المقصورة التي يجلس فيها خلفاء الموحدين أثناء صلاة الجمعة ذات تركيب عجيب ، فقد كانت تسع نحو ألف شخص ، وكانت تتحرك بواسطة عجلات تثبت في أسفلها ، ولها ستة أذرع أو جوانب ، تمتد بواسطة مفاصل متحركة .
وقد صنعت هذه العجلات والمفاصل بحيث لا يترتب عليها عند تحريكها أقل صوت ، بل تدور جميعها في أتم سكون ، ونظمت المحركات بطريقة هندسية دقيقة بحيث تتحرك جميعا في وقت واحد ، متى رفع الستار عن أحد البابين الذين يدخل منهما أمير المؤمنين إلى المسجد عند صلاة الجمعة، وكانت المقصورة تبرز من جانب و يبرز المنبر من الجانب الثاني، وتلتف الجوانب في نفس الوقت حول مجلس أمير المؤمنين ، كذلك نظم المنبر بحيث يفتح بابه متى صعد إليه الخطيب ، ويغلق من تلقاء نفسه متى أخذ الخطيب مكانه ، وذلك كان دون أن يسمع أثر لهذه المحركات ، كذلك نظمت أبواب المقصورة على هذا النمط ذاته.( المقري:نفح الطيب ص248 )
وقد بلغت هذه المقصورة حدا من الإتقان والدقة والغرابة عجز معه عدد من الشعراء عن وصفها، يقول صاحب المعجب :"ولم يكن فيهم من تصدى لوصف الحال حتى قدم أبو بكر بن مجير فأنشد قصيدته التي أولها:
أعلمتني ألقي عصا التسيار فهي بلدة ليست بدار قرار
طورا تكون بمن حوته محيطة فكأنها سور من الأسوار
وتكون حينا عنهم مخبوءة فكأنها سر من الأسرار
وكأنها علمت مقادير الورى فتصرفت لهم على مقدار
فإذا أحست بالإمام يزورها في قومه قامت إلى الزوار
يبدو فتبدو ثم تخفى بعد كتكون الهلالات للأقمار
فطرب المنصور لسماعها وارتاح لاختراعها "( المعجب :ج2ص 196 ) .
كما كان على باب جامع الكتبيين بمراكش "ساعات ارتفاعها في الهواء خمسون ذراعا ، تنزل فيها عند انقضاء كل ساعة صنجة وزنها مائة درهم ، تتحرك بنزولها أجراس يسمع وقعها من بعد ، وتسمى عندهم الفحانة ذكرها العمري في مسالك الأبصار"( المنوني : ص 111).
ونموذج آخر يبين روعة الإتقان وما بلغته العقلية الإسلامية إبان عصور الازدهار ، إنه ثابوت مصحف عثمان رضي الله عنه، فقد صنعت له أغشية بعضها من السندس ، وبعضها من الذهب والفضة، واتخذ للغشاء محمل بديع ، واتخذ للمحمل كرسي ، ثم اتخذ للجميع ثابوت يصان فيه، وهذا وصف بقلم شاهد عيان ، أحد أصدقاء ابن رشد ، وهو أبو بكر بن طفيل يقول : "و له ثابوت المصحف في أحد غواربه باب ، ركبت عليه دفتان ، قد أحكم ارتجاجهما ، ويسر بعد الإبهام انفجارهما ،و لانفتاح هذا الباب وخروج هذا الكرسي من تلقائه .
وتركب المحمل عليه ما دبرت الحركات الهندسية…وانتظمت العجائب المعنوية و الحسية… وذلك أن بأسفل هاتين الدفتين فيصلا فيه موضع قد أعد له مفتاح لطيف يدخل فيه ، فإذا أدخل المفتاح فيه ، وأديرت به اليد انفتح الباب بانعطاف الدفتين إلى الداخل من تلقائهما ، وخرج الكرسي من ذاته بما عليه إلى أقصى غايته…
فإذا كمل الكرسي بالخروج ، وكمل المحمل بالتقدم إليه، انغلق الباب برجوع الدفتين إلى موضعهما من تلقائهما ، دون أن يمسهما أحد .
وترتيب هذه الحركات الأربع على حركة المفتاح فقط دون تكلف أي شيء آخر…وصحة هذه الحركات اللطيفة على أسباب ومسببات غائبة عن الحس في باطن الكرسي، وهي ما يدق وصفها ويصعب ذكرها" ( نفح الطيب : ج2ص410-411 -412).
فماذا لو كانت مناهجنا وخصوصا منها العلمية والتقنية مليئة بمثل هذه النصوص المضيئة، بجانب أفضل ما بلغته البشرية؟ إذن لألقت بظلال من الاعتزاز، ورغبة في استمرار حمل مشعل الأجداد في الرقي والتقدم والإبداع والعزة والكرامة، والطموح في الريادة، بدل الشعور بالدونية والقبول بالتبعية الدائمة.
فقد كان في فاس وحدها في عهد المنصور وابنه الناصر من معامل الصناعات : داران للسكة ( مصانع النقود ) و 3064 معملا لنسج الثياب و 47 من ديار عمل الصابون و86 من ديار الدبغ و 116 دارا للصباغة و12 معملا لتسبيك الحديد و النحاس 11 مصنعا للزجاج و 400 حجرة لعمل الكاغد ( نوع من الورق ) و 118 دارا لعمل الفخار.(حضارة الموحدين : المنوني ص 236 ). "ومن الشواهد على إتقان الصناعات الإتقانالفائق ما كانت عليه أبنيتهم من التفنن العظيم والتأنق الفائق ، حسبما يعلم منمشاهدة ما بقي قائما منها ، وما حفظ وصفه، وقد قال بعضهم : " إن إتقان البناء منشواهد التقدم والرقي ، ولا ينتج الأبنية الفخمة الشامخة إلا حضارة ضخمة ، وشعوب لهاشأن في فنون الهندسة والعمارة ، ونزعة إلى حسن الذوق"(نفسه: ص 237(
ويتحدث المؤرخون أن مصانع الحرير بمدينة قرطبة وحدها كانت تستخدم ثلاثين و مائة ألف عامل ، وكان تسويقها يغطي شمال إفريقية إلى أواسط القارة حتى السودان ، كما أن صناعة السفن عرفت ازدهارا كبيرا ، يقول ابن خلدون: " لما استفحلت دولة الموحدين في المائة السادسة وملكوا العدوتين ، أقاموا خطة الأسطول على أتم ما عرف ، وأعظم ما عهد .. وانتهت أساطيل المسلمين حينئذ في الكثرة والاستجابة إلى ما لم تبلغه من قبل ، ولا بعد فيما عهدناه"( المقدمة ص 256).
وكانت لتلك الأساطيل مصانع متوافرة منبثة على طول مراسي المملكة الموحدية ، وقد " امتدت من مرسى سلا إلى المهدية وطنجة وسبتة وبادس والريف إلى تونس " (المنوني :255).
وكان المغرب متفوقا في صناعة السلاح ، ومعامله توجد في جميع جهات الموحدين ، تنتج قدرا كبيرا من السلاح ، كما كان للموحدين اعتناء خاص بصناعة استغلال المناجم ، وقد ذكر صاحب المعجب عددا مما كان معروفا إذ ذاك بالمغرب والأندلس من معادن الذهب والفضة والحديد والكبريت والرصاص والزئبق..( ص 362 )
وتطورت الصناعة الميكانيكية ، وظهرت في كثير من المظاهر ، ونأخذ المقصورة الميكانيكية مثالا لهذا التقدم الرائع، فقد كانت المقصورة التي يجلس فيها خلفاء الموحدين أثناء صلاة الجمعة ذات تركيب عجيب ، فقد كانت تسع نحو ألف شخص ، وكانت تتحرك بواسطة عجلات تثبت في أسفلها ، ولها ستة أذرع أو جوانب ، تمتد بواسطة مفاصل متحركة .
وقد صنعت هذه العجلات والمفاصل بحيث لا يترتب عليها عند تحريكها أقل صوت ، بل تدور جميعها في أتم سكون ، ونظمت المحركات بطريقة هندسية دقيقة بحيث تتحرك جميعا في وقت واحد ، متى رفع الستار عن أحد البابين الذين يدخل منهما أمير المؤمنين إلى المسجد عند صلاة الجمعة، وكانت المقصورة تبرز من جانب و يبرز المنبر من الجانب الثاني، وتلتف الجوانب في نفس الوقت حول مجلس أمير المؤمنين ، كذلك نظم المنبر بحيث يفتح بابه متى صعد إليه الخطيب ، ويغلق من تلقاء نفسه متى أخذ الخطيب مكانه ، وذلك كان دون أن يسمع أثر لهذه المحركات ، كذلك نظمت أبواب المقصورة على هذا النمط ذاته.( المقري:نفح الطيب ص248 )
وقد بلغت هذه المقصورة حدا من الإتقان والدقة والغرابة عجز معه عدد من الشعراء عن وصفها، يقول صاحب المعجب :"ولم يكن فيهم من تصدى لوصف الحال حتى قدم أبو بكر بن مجير فأنشد قصيدته التي أولها:
أعلمتني ألقي عصا التسيار فهي بلدة ليست بدار قرار
طورا تكون بمن حوته محيطة فكأنها سور من الأسوار
وتكون حينا عنهم مخبوءة فكأنها سر من الأسرار
وكأنها علمت مقادير الورى فتصرفت لهم على مقدار
فإذا أحست بالإمام يزورها في قومه قامت إلى الزوار
يبدو فتبدو ثم تخفى بعد كتكون الهلالات للأقمار
فطرب المنصور لسماعها وارتاح لاختراعها "( المعجب :ج2ص 196 ) .
كما كان على باب جامع الكتبيين بمراكش "ساعات ارتفاعها في الهواء خمسون ذراعا ، تنزل فيها عند انقضاء كل ساعة صنجة وزنها مائة درهم ، تتحرك بنزولها أجراس يسمع وقعها من بعد ، وتسمى عندهم الفحانة ذكرها العمري في مسالك الأبصار"( المنوني : ص 111).
ونموذج آخر يبين روعة الإتقان وما بلغته العقلية الإسلامية إبان عصور الازدهار ، إنه ثابوت مصحف عثمان رضي الله عنه، فقد صنعت له أغشية بعضها من السندس ، وبعضها من الذهب والفضة، واتخذ للغشاء محمل بديع ، واتخذ للمحمل كرسي ، ثم اتخذ للجميع ثابوت يصان فيه، وهذا وصف بقلم شاهد عيان ، أحد أصدقاء ابن رشد ، وهو أبو بكر بن طفيل يقول : "و له ثابوت المصحف في أحد غواربه باب ، ركبت عليه دفتان ، قد أحكم ارتجاجهما ، ويسر بعد الإبهام انفجارهما ،و لانفتاح هذا الباب وخروج هذا الكرسي من تلقائه .
وتركب المحمل عليه ما دبرت الحركات الهندسية…وانتظمت العجائب المعنوية و الحسية… وذلك أن بأسفل هاتين الدفتين فيصلا فيه موضع قد أعد له مفتاح لطيف يدخل فيه ، فإذا أدخل المفتاح فيه ، وأديرت به اليد انفتح الباب بانعطاف الدفتين إلى الداخل من تلقائهما ، وخرج الكرسي من ذاته بما عليه إلى أقصى غايته…
فإذا كمل الكرسي بالخروج ، وكمل المحمل بالتقدم إليه، انغلق الباب برجوع الدفتين إلى موضعهما من تلقائهما ، دون أن يمسهما أحد .
وترتيب هذه الحركات الأربع على حركة المفتاح فقط دون تكلف أي شيء آخر…وصحة هذه الحركات اللطيفة على أسباب ومسببات غائبة عن الحس في باطن الكرسي، وهي ما يدق وصفها ويصعب ذكرها" ( نفح الطيب : ج2ص410-411 -412).
فماذا لو كانت مناهجنا وخصوصا منها العلمية والتقنية مليئة بمثل هذه النصوص المضيئة، بجانب أفضل ما بلغته البشرية؟ إذن لألقت بظلال من الاعتزاز، ورغبة في استمرار حمل مشعل الأجداد في الرقي والتقدم والإبداع والعزة والكرامة، والطموح في الريادة، بدل الشعور بالدونية والقبول بالتبعية الدائمة.