"وانسكَبَ كوبُ المـاء على الأوراقْ... وشتَّتَ الحروفَ والمعاني أغرقهاَ في دوامة الإختفـاء..
هلْ يمكنُ للمـاء أن يُحدَثَ كُلَّ ذاكَ الخَرابْ..؟..!"
حينَ أسألهم عن الوقت يقولونَ "الوقتُ صَعبْ.."
وحينَ أسألهمْ عن الساعة يقولون .." كَيَوم أمس ، في مثل هذه الأحيـان.."
ولأنني لم أفهم بعد، ولم أجد من يُفهمني الأبعادَ التي يستحيلُ على يدي القبضُ عليها،
سألتهم عن نفسي، وكم بي من رغبة في معرفتها،
ولكنَّ أصواتهم ابتلعهاَ الهواءُ الخشن فكـانَت إجاباتهم/ كلامًا من هــواءْ..!
هُم ربماَ لا يعْرفونني ، أو رُبـّماَ لم يُفكّروا قبلَ تلكَ اللحظة في أن يبحثوا عن معـنــ(ـاي)
قالَ لي أحدُ الناصحيـن.." إسألـي نَفسك ، ربّماَ تُعرّفك بهـا.."
أقفلتُ على نفسي الأبواب .. وانزويتُ بعيدًا عن أي شيء غير "نفسي" ...
ولكنَّ الضّجّةَ في الخارج، وتمتمةَ الصمت التي صارتْ تُزعجُ كثيرًا،
والنــّاس ، والهــواءْ،
وأزيزُ الكوكب الراكض في مجـرَّة ثابتـة ..
هي، كلـّها، (وغيرهـا)، ما يحبسُ نفسي في غُرف نفسيّة ضيّقـة،
في ساحات الفُؤاد الخلفيـّة، تلكَ التي لا تطلُّ عليهاَ الشمسُ أبدًا،
ولا تعرفُ بـأنَّ هناكَ في الأرض من لم يُدرك وجودهـا..!
لكنَّ أشياءَ فيَّ ينخرهاَ دودُ التغيـير../ إلى الأسوأ في الأغلـب..
كنتُ أوهـمُ نفسي بأنَّ "آلامَ الضّرس" لن تغزوني، وأنّني أكثرُ حظًّا من غيري..
فكنتُ لا أحسُّ بآلام خدود الناس المنتفخة وعيونها التي تدمعُ من شدة آلامها،
ولكنَّ علكةً بيضاء قصدتُ بهاَ الترفيه عن فمي الجامد،
أثـارت ذلكَ الوجعَ الدفين ،
وأثــارتْ كل أنواع الصداع في جسدي وفي كلّ ما حولـي...
ربما لابُدَّ لكلّ مَرْء أن يمُرَّ بهذاَ البنـد/ بنـد الآلام الحتميـّة...
مهماَ نقي أنفسنـاَ من السّكـّر، والحلـوى، وكائنات التسوّس التي يحاولون نصحناَ في الشاشات بطُرُق التخلص منهـا...
ولكن ما يثيرُ حيرةَ عقلي وأنا أسجّلُ العلاجَ على ورق كي أقتنيه، هوَ دعاياتُ الحلوى التي تأتي مباشرةً بعدَ دعايات "العلاج" ...
فما عدتُ أدركُ أينَ الدّاءْ وأينَ الدواء...!
وأينَ المفرُّ من تناقضـات النـّاس و "تنقيضـهم" لنا...
سألتُ نفسي مرّةً ، في غفـلة من تشويش البشـر ،
"لـمَ عندمـاَ أدورُ حـولَ نفسي، يدورُ عقلي إثــرهاَ وأسقطُ على الأرض...؟"
حاولتُ مرّات أن أثبتَ جدوىَ أقدامي..
فكنتُ أدورُ في كلّ مرة حولَ نفسي،
وأرىَ العـالم حولي يلتفُّ بسرعـة،
كشريط من ذكريـات،
ويــأتيني شعورٌ غريبٌ بأنّنـي أقتربُ أكثرَ فأكثر من الإرتفـاع عن أغلال الأرض، والطـّيران..!
ولكن، وفي كلّ مرة، يسقطُ ذلكَ الأملُ المجنونُ في المـاء،
حينَ تلتفُّ أقدامي حولَ بعضهاَ وتتشابـك،
وأسقطُ أرضًا في النهــاية،
وترتطمُ جبهتي العاريـةُ بالبلاط أو بطرف جـدار تعمّدَ سحبَ نفسه ليصدمني...
!
للأسف، جُعلت أقدامي كي أسيرَ بهـاَ إلَى الأَمـَام،
لا كَيْ تلتفَّ حولَ نفسهـا ونفسي،
أو كي تُغيّرَ بوصلتهـاَ إلى الخـلف..!
هيَ المـآسي .. التي جعلتنــاَ نستخدمُ الأشياءَ مرّةً واحدةً ، وفي اتّجـاه واحد،
ربمـاَ هذاَ ما أوقفَ نموَّ ريش الطـيران في أجسادناَ وجعلهُ لا يتجاوزُ الجلدَ واللحــم...!
لو برزَ قليلاً فقط، لا أكثر، لجعلنـاهُ أطولَ ولحلّقْنـاَ بـه، كمــا كلّ الطيـور...
قدْ يُجبركَ الحـالُ على قول ما لا تؤمنُ بـه،
ولكنْ لا شيءَ يجبركَ على تصديق ما لم يستطع عقلكَ تصديقهُ،
حتى وإن كانَ التاريخُ دوّنَ الأحداثَ بتفاصيلَ وتواريخَ دقيقة ....
ربمـاَ لهذاَ صرتُ أشكّكُ في قُدرة بيتهوفن ، مثلاً، على الإبداع رغمَ "الصّمـم"...
كيفَ تمكّنَ من فهم أشيـاءَ لم يلمس وجودهـاَ قطّ...
لقدْ آلَ بي ذهني المشكّك إلى القول بأنَّ بيتهوفن كانَ يسدُّ أذنيـه بقطعة قُطن في كلّ مرَّة يواجهُ فيهاَ النـاس كي لا تفضحهُ إلتفـاتهٌ لا شعورية إثر مناداتـه بإسمه...!
ربمـاَ لو وضعتُ قطنـةً في أذنـي أنا الأُخرىَ لتحدَّيْتُ الناسَ ولقلتُ لهم بكلّ ثقة .. "إنني أعرفُ ما سيقولهُ هذا الزعيـمُ العربي ، مع أنني "لا أسمع"...!"
ولَدُوّنَ إسمي في التـاريخ على أنّني رغمَ "الصّمَم" أُجيدُ معرفةَ ما تدورُ حولهُ العجـّةُ السياسيةُ، وكم من بيضَة هُشّمَتْ لأجل أن تنطبخَ على نيران قلوبنـا "الحارة الدامية" ..!
لقد قالهاَ لينين يومًا...
"You can't make an omelette without breaking eggs.."
!
يظلُّ التاريخُ مُدوّنـةً ينقشُ عليهاَ "المُلفّقون" "حقائــقهم" ...
وندورُ .. وندور...
نحلّقُ ونضحك، ونغرق.. ونقتلُ الأعداء..
ونمسكُ الذهب، ونــأكلُ ونشبع ...
و.... توقــظناَ دونَ أن ندري، صيحةُ ديَكَة الفجـر المُلتـزمة، لتُعلمناَ بـأنّناَ
" سافرناَ حولَ الكون ونحنُ نيــَام..!"
آآه .. ما أبشعَ الأحلامْ...!
" لقدْ قرَّرتُ أن لا أملأَ الكُوبَ كثيرًا ، كي لا يدمّرَ المـاءُ -إذاَ انسكبْ- بقيـّةَ معالم وجودي..!"
جروب عيال العز