الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر نشاط
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
Install the app
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
,, البُريمِي الأَدَبِيـَة ,,
,, البُريمِي لِـلخَواطِر ,,
المسرح واللذة
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="الأدميرال" data-source="post: 18694" data-attributes="member: 157"><p>(تكملة الموضوع:</p><p>والفهم وصبِّه في قالب شكليٍّ معين هو الشكل الجمالي. لذا فالترابط بين المعرفي والجمالي في الفن مسألة أساسية لأن «تحليل الوظيفة المعرفية للخيال يقود نحو الجمالي» (4-131).</p><p></p><p></p><p>علاوة على هذا، أي على كون الفن يبقى، باعتباره متخيلا، في مأمن من التحولات الناشئة عن انتقال مبدأ اللذة - إلى مبدأ الواقع، فإن بإمكانه أن يجسد أحد ردود الفعل الناشئة عن هذا التحول وتتمثل في ما يسمى بعودة المكبوت «Retour du refoulé». فمبدأ الواقع تتحقق عودته وتجدده تبعا لتطور الكائن الإنساني، لذا فإن انتصاره على مبدأ اللذة ومحاولة إقصائه له لا تكون تامة ولا شاملة أبدا. فالحضارة - كما يرى فرويد - لا تضع حدا ونهاية للحالة الطبيعية، لأن ما تعمل على قمعه وكبته - وهو المطالبة باللذة - يستمر وجوده في الحضارة نفسها خصوصا وأن اللاشعور يحتفظ باللذة الساقطة «Plaisir déchu». وهذا الاستمرار لا يتحقق داخل اللاشعور وحسب، وإنما تكون له آثار حتى على الواقع الذي كبت اللذة. من ثم، فالفن يمكن أن يجسد «عودة المكبوت» في أبرز أشكالها، ليس على المستوى الفردي، وإنما على المستوى التاريخي التكويني. «فالخيال الفني يعطي شكلا لـ «الذكرى اللاواعية» للحرية التي أخفقت والوعد الذي أُخْلِفَ» (4-131).</p><p></p><p></p><p>فتضمن الفن باعتباره ممارسة تخيلية شبيهة باللعب والحلم، لهذه المحتويات النفسية وصياغته لها في قالب شكلي، يجعله يجمع بين المعرفي والجمالي باعتبارهما أساس اللذة الجمالية.</p><p>3 - اللـذة المسرحيـة:</p><p>يعد المسرح باعتباره ممارسة فنية من أكثر المجالات التعبيرية إثارة لمسالة اللذة. فمنذ الأثر التطهيري الأرسطي الذي ربط اللذة بالاندماج، مرورا بعلاقة التوافق والتكامل التي تحدث عنها بريشت بين المعرفة والمتعة، وصولا إلى الأثر السحري للمسرح عند أرطو، ظلَّتْ مسألة اللذة تسكن عمق الإبداع والنظرية المسرحية على حد سواء معبرة عن نفسها بطرق مباشرة أو غير مباشرة.</p><p></p><p></p><p>وإذا كان المسرح مثله مثل سائر الفنون الأخرى يبني متخيَّلَه الذي يعبر عن استيهامات المبدع المسرحي بواسطة التركيبة الرمزية المكونة من تقنيات مختلفة، فإنه، مع ذلك، يتميز عنها في بعدي الإنتاج والتلقي على حد سواء مما يجعل اللذة تخضع لرؤية خاصة مرتبطة بخصوصية المسرح كفن يتميز بالخاصية الأدبية والفرجوية من جهة، وبميزة التلقي المباشر، من جهة أخرى. فالخاصية الأولى تجعل الاستيهامات مضاعفة ومتراكبة منها ما له علاقة بالمؤلف ومنها ما له علاقة بالمخرج. أما الميزة الثانية فتجعل تحقيق ما سمته سارة كوفمان بتلازم التمثيل والتأثير سيرورة آنية مباشرة مادام المتفرج يحضر فرجة تصنعها أجساد ولغات متعددة ومختلفة تتفاعل أمامه.</p><p></p><p></p><p>ولعل هذه الخصوصية هي التي تجعلنا نميز في الحديث عن اللذة المسرحية بين لذتين: لذة النص المسرحي، ولذة العرض المسرحي.</p><p></p><p></p><p>3 - 1 - لذة النـص المسـرحـي</p><p>عندما خصَّصَت الباحثة الفرنسية آن أوبرسفيلد فصلا خاصا باللذة من كتابها «L’école du spectateur» تحت عنوان «لذة المتفرج»، لم يكن الهاجس الذي يستأثر باهتمامها - انطلاقا من المنظور السيميوطيقي للذة - سوى اللذة في علاقتها بالعرض المسرحي وخصوصا في بعد التلقي أكثر من بعد الإنتاج. في هذا الإطار تحدثت عن لذات مختلفة لدى المتفرج كلذة الفهم، والتذكر، والمشاهدة، والتأمل، محاولة الربط بين علامات العرض وبين ما تسميه بالتلقي الإيجابي عند المتفرج. داخل هذه الرؤية، لم تهتم أوبرسفيلد بلذة النص المسرحي إلا من حيث علاقتها بالعرض حيث أشارت إليها بشكل عابر يرهنها بالبعد الشعري للنص. تقول: «من الممكن دائما عرض نص يمنح المتفرج لذة الإحساس بنفسه في موقع الكاتب. إغراء جد قوي عندما يتعلق الأمر بنص غنائي - شعري حضور الكاتب فيه جد قوي» (5-337). هل من الضروري أن يكون النص المسرحي شعريا كي يثير اللذة؟ نحن لا نعتقد ذلك، لأن لذة النص المسرحي تكمن أولا، في منظورنا، في تحقيق ما سمَّته فيزواناتان Viswanathan بـ «فرجة الفكر Spectacle de l’esprit» التي تتشكل عبر القراءة. وهذه المسألة لها علاقة بما أكده رولان بارث نفسه عندما بيَّنَ منافاة اللذة لأسر القارىء وتقييد خياله، قائلا: «أن أكون مع من أحب وأفكر في ذات الوقت في شيء آخر: هكذا أتوصَّلُ إلى أحسن الأفكار، وأخترع بصورة أفضل ما هو ضروري لعملي. كذلك شأن النص: يبعث في لذة أحسن إذا ما تمكَّنَ من أن يجعلني أنصت إليه بكيفية غير مباشرة، إذا ما دفعني، وأنا أقرؤه، إلى أن أرفع رأسي عاليا وأن اسمع شيئا آخر. فلستُ بالضرورة مأسورا بنص اللذة» (6-31).</p><p></p><p></p><p>فقراءة النص المسرحي تجعل القارىء يسرح مع خيالاته، ويبني عوالمه، وينشيء في ذهنه خشبة تجري فيها أحداث وتتحرك فوقها شخصيات. وإذا أردنا أن نتكلم بلغة التحليل النفسي نقول إن استيهامات المؤلف تعمل على إثارة استيهامات القارىء وتحرير المكبوت منها، خصوصا وأن الكاتب المسرحي يعمل - لإضفاء البعد الجمالي على عمله - على تقنيع استيهاماته وإخضاعها لعمل شكلي تفرضه الكتابة باعتبارها «علم متع اللغة» (6-15)، كما يقول بارث.</p><p></p><p></p><p>والحديث عن هذا العمل الشكلي في الكتابة المسرحية يجعلنا نضع اليد على مراكز اللذة في النص المسرحي. ويبدو لنا أن كثيرا من الخصائص التي تحدث عنها بارث في «لذة النص» تنطبق إلى حد كبير على النص المسرحي.</p><p></p><p></p><p>يقول بارث: «ليس في وسع نص اللذة أن يكون شيئا آخر سوى نص قصير (على غرار ما يقال: أهذا كل ما هنالك، هذا قصير شيئا ما)» (6-25). من المعروف عن النص المسرحي أنه لا يقول كل شيء لأنه نص مثقوب «texte troué»، كما تقول أوبرسفيلد، وهذه الثقوب قد يملأها القارىء للنص، وقد يملأها المخرج أثناء العرض. لذلك، فهي مظهر من مظاهر القصر في النـص التـي تكـون مصـدر اللـذة. فعنـدمـا نقــرأ إشـارة مسـرحيـة Didascalie مثـل هاته: «(فضاء. معالم مشوشة. موسيقى إلكترونية. ضباب. آلهة هائمة)» (7-9)، نلاحظ أنها تتكون من تراكيب قصيرة تتراوح بين الكلمة والكلمتين، هذا بالإضافة إلى أنها تتميز بالانفتاح الدلالي الذي يجعل منها ثقوبا حقيقية في النص تنشأ عن ملئها لذة لا حدود لها.</p><p></p><p></p><p>ويتحدث بارث عن العلاقة بين جدلية الخفاء والتجلي وبين لذة النص قائلا: «أليس الموضع الأكثر إيروسية في جسد ما هو حيث ينفرج اللباس؟ ففي الانحراف (الذي هو نظام اللذة النصية) لا وجود لـ «مناطق مولدة للشبق» (وهذا على كل حال تعبير مزعج). إن ما هو شبقي، كما بيَّنَ التحليل النفسي ذلك جيدا، هو التقطع: تقطع لمعان البشرة بين قطعتين من اللباس (السروال، القميص) بين حافتين (القميص الموارب، القفاز، والكم)، هذا اللمعان بالذات هو الذي يفتن أو أيضا الإخراج المسرحي لعملية الظهور والاختفاء» (6 - 19). إن المناطق المولدة للشبق والمثيرة للذة في جسد ما «Les zones érogènes» ترتبط بجدلية الاختفاء والتجلي، وهي جدلية يلعب فيها اللباس دورا أساسيا، ويبدو لنا أن مصدر اللذة في نص ما هو نفس الجدلية التي يمكن التعبير عنها بصيغة أخرى هي جدلية الغموض والوضوح أو اللبس والشفافية. والنص المسرحي بطبيعته يقوم على هذه الجدلية، وإن اختلف التعامل معها باختلاف التيارات والنظريات المسرحية خصوصا وأنه يتشكل من طبقتين نصيتين هما الحوار والإرشادات المسرحية تفرضان الوضوح حينا والغموض حينا آخر. وهذا شكل من أشكال اللعب في الكتابة المسرحية يعيه جيدا الكتاب المتمرسون بطبيعة هذه الكتابة. لذا، عندما يقررون الدفع بلذة القارىء نحو حدودها القصوى يعملون على شَعْرَنَةِ هذا النوع من اللعب. وهذه الشعرنة ليست في تقديرنا هي المصدر الأساسي للذة ولكن من شأنها أن تحقق فائضا لذيا يدفع بالقارىء نحو النشوة الكبرى «Extase».</p><p></p><p></p><p>3 - 2 - لــذة العــرض المسـرحي</p><p>غالبا ما يتم الحديث عن المسرح باعتباره «أب الفنون» دون إدراك خطورة هذا التحديد على مستوى خصوصية هذا الفن من جهة، وعلى مستوى طبيعة العلاقة التي تربطه بمختلف الفنون التي يتضمنها من جهة أخرى. ولعل مسألة اللذة في علاقتها بالمسرح تكشف بشكل جدي خطورة هذا التحديد. فإذا افترضنا أن العرض المسرحي يجمع فنونا مختلفة كالرسم، والموسيقى، والحكي، وغيرها، فإن الحديث عن لذة مسرحية سوف يكون، في نهاية الأمر، حديثا عن لذة المشاهدة (وهو شيء نستشعره إزاء لوحة تشكيلية أو فيلم سينمائي)، ولذة الحكي (وهو شيء نجده في الحكايات والأساطير والروايات وغيرها)، ولذة الاستمتاع بالحركة الجسدية المعبرة (وهو ما نجده في أشكال الرقص المختلفة). بمعنى أن اللذة المسرحية سوف تصبح دالاًّ لا مدلول له، أو تعبيرا عن شيء غير موجود إطلاقا، لأن هذه اللذة المسرحية هي، في الحقيقة، لذات الفنون الأخرى. ويبدو أن إثارة مسألة خصوصية اللذة المسرحية أمر هام جدا استشعرت خطورته أوبرسفيلد عندما قالت: «يمكننا القيام بمراجعة اللذات الموجودة داخل العرض المسرحي والتي ليست مسرحية بالمعنى الحقيقي» (5-331). ولحل هذا الإشكال تستدرك قائلة: «لكن ربما، لهذا ليس هناك معنى لعزل هذه اللذات عن العرض المسرحي: فهي ليست خاصة به لكنه يتضمنها؛ وجمع كل هذه اللذات - التي يحتويها المسرح وحده كلها - يجسد نوعا من الخصوصية» (5-332). ونعتقد أن كلمة الجمع لا تفي بالغرض بشكل جيد، لذا نرى من الأفضل الحديث عن تفاعل اللذات في المسرح وتداخلها. وحتى نبرز مصداقية هذا التفاعل نعطي مثالا نقارن فيه بين مشاهدة جسد في رقصة معينة مستقلة وبين مشاهدة نفس الجسد يجسد هذه الرقصة في عرض مسرحي ما. فاللذة المسرحية الناشئة عن هذه الرقصة تكمن في تفاعل حركة الجسد بإيقاع الموسيقى وحركة الإنارة وعلاقة الجسد الراقص بالأجساد الأخرى وكيفية تموقعه داخل فضاء اللعب المسرحي. وهنا يلعب التلقي دورا أساسيا لأن إدراك هذه الأبعاد المختلفة في علاقتها التفاعلية هو الذي تنشأ عنه خصوصية اللذة المسرحية.</p><p></p><p></p><p>والحديث عن لذة العرض المسرحي يجر بالضرورة نحو البعد السيميوطيقي لهذه اللذة والمتمثل في علاقتها بعلامات العرض «Signes de la représentation». في هذا السياق ترى أوبرسفيلد أنه «يمكننا، عبر نسق العلامات بكامله أن نلاحق اللذة المسرحية» (5-330). لكن، ألا يسكت هذا الحديث السيميوطيقي عن بعد أساسي في اللذة سبق أن حللنا مختلف جوانبه في حديثنا عن اللذة الجمالية، وهو البعد النفسي؟. إن أوبرسفيلد لم تتغاض عن هذا الجانب - وهي التي تستحضر فرويد في كثير من دراساتها - لذلك أشارت إلى المصدر النفسي للذة المسرحية قائلة: «عندما لاحظ فرويد على طفل صغير جدا لعب البكرة، اكتشف المصدر النفسي للذة المسرحية: يوجد هنا ما ليس هنا، توجد علامة. شيء يوجد من أجل أخذ مكان موضوع رغبتي، ويمنحني إشباعا متخيلا وواقعيا في آن واحد. فالمسرح موضوع - ملك بالنسبة للتحليل النفسي الأدبـي - (5-338). فعلامات العرض - إذن - ليست مصدر لذة إلا من حيث كونها تعوض موضوع رغبة مكبوتة لدى المتفرج، وبعبارة أخرى: من حيث تشغيلها لمتخيل يرتبط بمبدأ اللذة وينفلت من مبدأ الواقع.</p><p></p><p></p><p>ولعل هذا الانفلات يتحقق أكثر عند المتفرج من خلال الإيهام الذي يوحي به الكون العلامي للعرض ومن خلال الاندماج الذي يحصل نتيجة لذلك والذي تقول عنه سارة كوفمان: «بفضل الاندماج يمكننا أن نكون البطل الذي لا نكونه في الحياة الواقعية ]...[ فالمتفرج يعرف أن مثل هذه السيرة البطولية سوف تكون مستحيلة بالنسبة إليه دون آلام وأخطار من شأنها أن تقصي اللذة.إنه يعرف أيضا أنه لا يملك إلا حياة واحدة، وأنه بمجرد مقاومته للعداء قد ينتهي. فلذته، في المسرح، مؤسسة إذن، على وهم: فباندماجه في البطل الذي يتحرك ويعاني فوق الخشبة يعرف أن هذا ليس سوى لعب لا يمكنه تهديد أمنه. بإمكانه، إذن، أن يسمح لنفسه بالاستمتاع بالتحول إلى إنسان مهم والاستسلام دون تردد للرغبات المكبوتة. إن الاندماج في أبطال متعددين يسمح له بامتلاك أكثر من حياة. لذا، فالأدب والمسرح هما تعويض عن موتنا» (2 173/174). </p><p>(</p><p>(التكملة صفحة إلي تحت)</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="الأدميرال, post: 18694, member: 157"] (تكملة الموضوع: والفهم وصبِّه في قالب شكليٍّ معين هو الشكل الجمالي. لذا فالترابط بين المعرفي والجمالي في الفن مسألة أساسية لأن «تحليل الوظيفة المعرفية للخيال يقود نحو الجمالي» (4-131). علاوة على هذا، أي على كون الفن يبقى، باعتباره متخيلا، في مأمن من التحولات الناشئة عن انتقال مبدأ اللذة - إلى مبدأ الواقع، فإن بإمكانه أن يجسد أحد ردود الفعل الناشئة عن هذا التحول وتتمثل في ما يسمى بعودة المكبوت «Retour du refoulé». فمبدأ الواقع تتحقق عودته وتجدده تبعا لتطور الكائن الإنساني، لذا فإن انتصاره على مبدأ اللذة ومحاولة إقصائه له لا تكون تامة ولا شاملة أبدا. فالحضارة - كما يرى فرويد - لا تضع حدا ونهاية للحالة الطبيعية، لأن ما تعمل على قمعه وكبته - وهو المطالبة باللذة - يستمر وجوده في الحضارة نفسها خصوصا وأن اللاشعور يحتفظ باللذة الساقطة «Plaisir déchu». وهذا الاستمرار لا يتحقق داخل اللاشعور وحسب، وإنما تكون له آثار حتى على الواقع الذي كبت اللذة. من ثم، فالفن يمكن أن يجسد «عودة المكبوت» في أبرز أشكالها، ليس على المستوى الفردي، وإنما على المستوى التاريخي التكويني. «فالخيال الفني يعطي شكلا لـ «الذكرى اللاواعية» للحرية التي أخفقت والوعد الذي أُخْلِفَ» (4-131). فتضمن الفن باعتباره ممارسة تخيلية شبيهة باللعب والحلم، لهذه المحتويات النفسية وصياغته لها في قالب شكلي، يجعله يجمع بين المعرفي والجمالي باعتبارهما أساس اللذة الجمالية. 3 - اللـذة المسرحيـة: يعد المسرح باعتباره ممارسة فنية من أكثر المجالات التعبيرية إثارة لمسالة اللذة. فمنذ الأثر التطهيري الأرسطي الذي ربط اللذة بالاندماج، مرورا بعلاقة التوافق والتكامل التي تحدث عنها بريشت بين المعرفة والمتعة، وصولا إلى الأثر السحري للمسرح عند أرطو، ظلَّتْ مسألة اللذة تسكن عمق الإبداع والنظرية المسرحية على حد سواء معبرة عن نفسها بطرق مباشرة أو غير مباشرة. وإذا كان المسرح مثله مثل سائر الفنون الأخرى يبني متخيَّلَه الذي يعبر عن استيهامات المبدع المسرحي بواسطة التركيبة الرمزية المكونة من تقنيات مختلفة، فإنه، مع ذلك، يتميز عنها في بعدي الإنتاج والتلقي على حد سواء مما يجعل اللذة تخضع لرؤية خاصة مرتبطة بخصوصية المسرح كفن يتميز بالخاصية الأدبية والفرجوية من جهة، وبميزة التلقي المباشر، من جهة أخرى. فالخاصية الأولى تجعل الاستيهامات مضاعفة ومتراكبة منها ما له علاقة بالمؤلف ومنها ما له علاقة بالمخرج. أما الميزة الثانية فتجعل تحقيق ما سمته سارة كوفمان بتلازم التمثيل والتأثير سيرورة آنية مباشرة مادام المتفرج يحضر فرجة تصنعها أجساد ولغات متعددة ومختلفة تتفاعل أمامه. ولعل هذه الخصوصية هي التي تجعلنا نميز في الحديث عن اللذة المسرحية بين لذتين: لذة النص المسرحي، ولذة العرض المسرحي. 3 - 1 - لذة النـص المسـرحـي عندما خصَّصَت الباحثة الفرنسية آن أوبرسفيلد فصلا خاصا باللذة من كتابها «L’école du spectateur» تحت عنوان «لذة المتفرج»، لم يكن الهاجس الذي يستأثر باهتمامها - انطلاقا من المنظور السيميوطيقي للذة - سوى اللذة في علاقتها بالعرض المسرحي وخصوصا في بعد التلقي أكثر من بعد الإنتاج. في هذا الإطار تحدثت عن لذات مختلفة لدى المتفرج كلذة الفهم، والتذكر، والمشاهدة، والتأمل، محاولة الربط بين علامات العرض وبين ما تسميه بالتلقي الإيجابي عند المتفرج. داخل هذه الرؤية، لم تهتم أوبرسفيلد بلذة النص المسرحي إلا من حيث علاقتها بالعرض حيث أشارت إليها بشكل عابر يرهنها بالبعد الشعري للنص. تقول: «من الممكن دائما عرض نص يمنح المتفرج لذة الإحساس بنفسه في موقع الكاتب. إغراء جد قوي عندما يتعلق الأمر بنص غنائي - شعري حضور الكاتب فيه جد قوي» (5-337). هل من الضروري أن يكون النص المسرحي شعريا كي يثير اللذة؟ نحن لا نعتقد ذلك، لأن لذة النص المسرحي تكمن أولا، في منظورنا، في تحقيق ما سمَّته فيزواناتان Viswanathan بـ «فرجة الفكر Spectacle de l’esprit» التي تتشكل عبر القراءة. وهذه المسألة لها علاقة بما أكده رولان بارث نفسه عندما بيَّنَ منافاة اللذة لأسر القارىء وتقييد خياله، قائلا: «أن أكون مع من أحب وأفكر في ذات الوقت في شيء آخر: هكذا أتوصَّلُ إلى أحسن الأفكار، وأخترع بصورة أفضل ما هو ضروري لعملي. كذلك شأن النص: يبعث في لذة أحسن إذا ما تمكَّنَ من أن يجعلني أنصت إليه بكيفية غير مباشرة، إذا ما دفعني، وأنا أقرؤه، إلى أن أرفع رأسي عاليا وأن اسمع شيئا آخر. فلستُ بالضرورة مأسورا بنص اللذة» (6-31). فقراءة النص المسرحي تجعل القارىء يسرح مع خيالاته، ويبني عوالمه، وينشيء في ذهنه خشبة تجري فيها أحداث وتتحرك فوقها شخصيات. وإذا أردنا أن نتكلم بلغة التحليل النفسي نقول إن استيهامات المؤلف تعمل على إثارة استيهامات القارىء وتحرير المكبوت منها، خصوصا وأن الكاتب المسرحي يعمل - لإضفاء البعد الجمالي على عمله - على تقنيع استيهاماته وإخضاعها لعمل شكلي تفرضه الكتابة باعتبارها «علم متع اللغة» (6-15)، كما يقول بارث. والحديث عن هذا العمل الشكلي في الكتابة المسرحية يجعلنا نضع اليد على مراكز اللذة في النص المسرحي. ويبدو لنا أن كثيرا من الخصائص التي تحدث عنها بارث في «لذة النص» تنطبق إلى حد كبير على النص المسرحي. يقول بارث: «ليس في وسع نص اللذة أن يكون شيئا آخر سوى نص قصير (على غرار ما يقال: أهذا كل ما هنالك، هذا قصير شيئا ما)» (6-25). من المعروف عن النص المسرحي أنه لا يقول كل شيء لأنه نص مثقوب «texte troué»، كما تقول أوبرسفيلد، وهذه الثقوب قد يملأها القارىء للنص، وقد يملأها المخرج أثناء العرض. لذلك، فهي مظهر من مظاهر القصر في النـص التـي تكـون مصـدر اللـذة. فعنـدمـا نقــرأ إشـارة مسـرحيـة Didascalie مثـل هاته: «(فضاء. معالم مشوشة. موسيقى إلكترونية. ضباب. آلهة هائمة)» (7-9)، نلاحظ أنها تتكون من تراكيب قصيرة تتراوح بين الكلمة والكلمتين، هذا بالإضافة إلى أنها تتميز بالانفتاح الدلالي الذي يجعل منها ثقوبا حقيقية في النص تنشأ عن ملئها لذة لا حدود لها. ويتحدث بارث عن العلاقة بين جدلية الخفاء والتجلي وبين لذة النص قائلا: «أليس الموضع الأكثر إيروسية في جسد ما هو حيث ينفرج اللباس؟ ففي الانحراف (الذي هو نظام اللذة النصية) لا وجود لـ «مناطق مولدة للشبق» (وهذا على كل حال تعبير مزعج). إن ما هو شبقي، كما بيَّنَ التحليل النفسي ذلك جيدا، هو التقطع: تقطع لمعان البشرة بين قطعتين من اللباس (السروال، القميص) بين حافتين (القميص الموارب، القفاز، والكم)، هذا اللمعان بالذات هو الذي يفتن أو أيضا الإخراج المسرحي لعملية الظهور والاختفاء» (6 - 19). إن المناطق المولدة للشبق والمثيرة للذة في جسد ما «Les zones érogènes» ترتبط بجدلية الاختفاء والتجلي، وهي جدلية يلعب فيها اللباس دورا أساسيا، ويبدو لنا أن مصدر اللذة في نص ما هو نفس الجدلية التي يمكن التعبير عنها بصيغة أخرى هي جدلية الغموض والوضوح أو اللبس والشفافية. والنص المسرحي بطبيعته يقوم على هذه الجدلية، وإن اختلف التعامل معها باختلاف التيارات والنظريات المسرحية خصوصا وأنه يتشكل من طبقتين نصيتين هما الحوار والإرشادات المسرحية تفرضان الوضوح حينا والغموض حينا آخر. وهذا شكل من أشكال اللعب في الكتابة المسرحية يعيه جيدا الكتاب المتمرسون بطبيعة هذه الكتابة. لذا، عندما يقررون الدفع بلذة القارىء نحو حدودها القصوى يعملون على شَعْرَنَةِ هذا النوع من اللعب. وهذه الشعرنة ليست في تقديرنا هي المصدر الأساسي للذة ولكن من شأنها أن تحقق فائضا لذيا يدفع بالقارىء نحو النشوة الكبرى «Extase». 3 - 2 - لــذة العــرض المسـرحي غالبا ما يتم الحديث عن المسرح باعتباره «أب الفنون» دون إدراك خطورة هذا التحديد على مستوى خصوصية هذا الفن من جهة، وعلى مستوى طبيعة العلاقة التي تربطه بمختلف الفنون التي يتضمنها من جهة أخرى. ولعل مسألة اللذة في علاقتها بالمسرح تكشف بشكل جدي خطورة هذا التحديد. فإذا افترضنا أن العرض المسرحي يجمع فنونا مختلفة كالرسم، والموسيقى، والحكي، وغيرها، فإن الحديث عن لذة مسرحية سوف يكون، في نهاية الأمر، حديثا عن لذة المشاهدة (وهو شيء نستشعره إزاء لوحة تشكيلية أو فيلم سينمائي)، ولذة الحكي (وهو شيء نجده في الحكايات والأساطير والروايات وغيرها)، ولذة الاستمتاع بالحركة الجسدية المعبرة (وهو ما نجده في أشكال الرقص المختلفة). بمعنى أن اللذة المسرحية سوف تصبح دالاًّ لا مدلول له، أو تعبيرا عن شيء غير موجود إطلاقا، لأن هذه اللذة المسرحية هي، في الحقيقة، لذات الفنون الأخرى. ويبدو أن إثارة مسألة خصوصية اللذة المسرحية أمر هام جدا استشعرت خطورته أوبرسفيلد عندما قالت: «يمكننا القيام بمراجعة اللذات الموجودة داخل العرض المسرحي والتي ليست مسرحية بالمعنى الحقيقي» (5-331). ولحل هذا الإشكال تستدرك قائلة: «لكن ربما، لهذا ليس هناك معنى لعزل هذه اللذات عن العرض المسرحي: فهي ليست خاصة به لكنه يتضمنها؛ وجمع كل هذه اللذات - التي يحتويها المسرح وحده كلها - يجسد نوعا من الخصوصية» (5-332). ونعتقد أن كلمة الجمع لا تفي بالغرض بشكل جيد، لذا نرى من الأفضل الحديث عن تفاعل اللذات في المسرح وتداخلها. وحتى نبرز مصداقية هذا التفاعل نعطي مثالا نقارن فيه بين مشاهدة جسد في رقصة معينة مستقلة وبين مشاهدة نفس الجسد يجسد هذه الرقصة في عرض مسرحي ما. فاللذة المسرحية الناشئة عن هذه الرقصة تكمن في تفاعل حركة الجسد بإيقاع الموسيقى وحركة الإنارة وعلاقة الجسد الراقص بالأجساد الأخرى وكيفية تموقعه داخل فضاء اللعب المسرحي. وهنا يلعب التلقي دورا أساسيا لأن إدراك هذه الأبعاد المختلفة في علاقتها التفاعلية هو الذي تنشأ عنه خصوصية اللذة المسرحية. والحديث عن لذة العرض المسرحي يجر بالضرورة نحو البعد السيميوطيقي لهذه اللذة والمتمثل في علاقتها بعلامات العرض «Signes de la représentation». في هذا السياق ترى أوبرسفيلد أنه «يمكننا، عبر نسق العلامات بكامله أن نلاحق اللذة المسرحية» (5-330). لكن، ألا يسكت هذا الحديث السيميوطيقي عن بعد أساسي في اللذة سبق أن حللنا مختلف جوانبه في حديثنا عن اللذة الجمالية، وهو البعد النفسي؟. إن أوبرسفيلد لم تتغاض عن هذا الجانب - وهي التي تستحضر فرويد في كثير من دراساتها - لذلك أشارت إلى المصدر النفسي للذة المسرحية قائلة: «عندما لاحظ فرويد على طفل صغير جدا لعب البكرة، اكتشف المصدر النفسي للذة المسرحية: يوجد هنا ما ليس هنا، توجد علامة. شيء يوجد من أجل أخذ مكان موضوع رغبتي، ويمنحني إشباعا متخيلا وواقعيا في آن واحد. فالمسرح موضوع - ملك بالنسبة للتحليل النفسي الأدبـي - (5-338). فعلامات العرض - إذن - ليست مصدر لذة إلا من حيث كونها تعوض موضوع رغبة مكبوتة لدى المتفرج، وبعبارة أخرى: من حيث تشغيلها لمتخيل يرتبط بمبدأ اللذة وينفلت من مبدأ الواقع. ولعل هذا الانفلات يتحقق أكثر عند المتفرج من خلال الإيهام الذي يوحي به الكون العلامي للعرض ومن خلال الاندماج الذي يحصل نتيجة لذلك والذي تقول عنه سارة كوفمان: «بفضل الاندماج يمكننا أن نكون البطل الذي لا نكونه في الحياة الواقعية ]...[ فالمتفرج يعرف أن مثل هذه السيرة البطولية سوف تكون مستحيلة بالنسبة إليه دون آلام وأخطار من شأنها أن تقصي اللذة.إنه يعرف أيضا أنه لا يملك إلا حياة واحدة، وأنه بمجرد مقاومته للعداء قد ينتهي. فلذته، في المسرح، مؤسسة إذن، على وهم: فباندماجه في البطل الذي يتحرك ويعاني فوق الخشبة يعرف أن هذا ليس سوى لعب لا يمكنه تهديد أمنه. بإمكانه، إذن، أن يسمح لنفسه بالاستمتاع بالتحول إلى إنسان مهم والاستسلام دون تردد للرغبات المكبوتة. إن الاندماج في أبطال متعددين يسمح له بامتلاك أكثر من حياة. لذا، فالأدب والمسرح هما تعويض عن موتنا» (2 173/174). ( (التكملة صفحة إلي تحت) [/QUOTE]
الإسم
التحقق
رد
الرئيسية
المنتديات
,, البُريمِي الأَدَبِيـَة ,,
,, البُريمِي لِـلخَواطِر ,,
المسرح واللذة
أعلى