بنت عز وقلبي ما يهتز
¬°•| عضو مميز |•°¬
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحدث القرآن الكريم عن أكثر من عنوان في ميزان القيمة الروحية والعملية لنماذج الناس الذين يحصلون على محبة الله.
المحسنون:
قال تعالى: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)،
والمقصود بهذا النموذج الإنساني الإيماني أولئك الذين يحسنون العمل لله، بأداء كل شروطه، وتحقيق كل مفاهيمه، وتجسيد كل قيمه، وكذلك بالإحسان إلى الناس في القيام بحقوقهم ومساعدتهم وإعانتهم في حاجاتهم الخاصة والعامة.
وقد تحدث الله عن خطاب قوم قارون له: (وأحسن كما أحسن الله إليك)،
حيث كانوا ينصحونه بأن يحرك ما أنعم يحرك ما أنعم الله به عليه من كنوز الأرض في خط الإحسان لنفسه، فلا يظلمها بالتكبر والتجبر، وفي خط الإحسان للناس، فيتحمل مسؤولية في مساعدتهم من ماله. والله تعالى يقول: (وأتوهم من مال الله الذي أتاكم)، (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم).
قال تعالى: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)،
والمقصود بهذا النموذج الإنساني الإيماني أولئك الذين يحسنون العمل لله، بأداء كل شروطه، وتحقيق كل مفاهيمه، وتجسيد كل قيمه، وكذلك بالإحسان إلى الناس في القيام بحقوقهم ومساعدتهم وإعانتهم في حاجاتهم الخاصة والعامة.
وقد تحدث الله عن خطاب قوم قارون له: (وأحسن كما أحسن الله إليك)،
حيث كانوا ينصحونه بأن يحرك ما أنعم يحرك ما أنعم الله به عليه من كنوز الأرض في خط الإحسان لنفسه، فلا يظلمها بالتكبر والتجبر، وفي خط الإحسان للناس، فيتحمل مسؤولية في مساعدتهم من ماله. والله تعالى يقول: (وأتوهم من مال الله الذي أتاكم)، (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم).
أما جزاء هؤلاء الذين أحسنوا في علاقتهم بالله وبالناس وبالحياة، فليس إلا الإحساس يتبعه افضل من الله تعالى في الزيادة على ذلك، فقال تعالى: ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، وقال تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، إلى غير ذلك من الآيات.
التوابون:
قال الله تعالى:
(إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)
فقد أراد الله من عباده الخاطئين، أن يتراجعوا عن خطأهم، وأن يصلحوا أمرهم ليعودوا إليه، وليحصلوا على القرب منه من خلال مواقع رضاه، وتعهد لهم أن يقبل توبتهم ويعفو عنهم ويغفر لهم ذنوبهم،
كما جاء في قوله تعالى:
(فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم).
وقوله تعالى:
(وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون).
وقوله تعالى:
(يا أيها الذين أمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار)
إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على سعة ساحة التوبة؛ لأنها توحي بأن الإنسان التائب يختزن في نفسه الخشية من الله على ما أسلف من الذنوب، ويرجو رحمته، ويحب العودة إليه للسير في خط العبودية له، نادما على ما فعل الماضي، وعازما على تغيير ماضيه السييء إلى ما يحببه إلى الله، كما ورد أن الله يحب العبد المفتن التواب، فيمحو له كل ذنوبه، ويخرج بالتوبة كيوم ولدته أمه،
((فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له)).
المتطهرون:
قال الله تعالى:
(إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).
المتطهرون هم أولئك الذين يتحركون في خط طهارة الجسد، مما فرضه الله من واجبات الطهارة الجسدية التي تنفتح على طهارة روحية معنوية في معنى القربة إلى الله،
كما جاء في قوله تعالى:
( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون )
،
بالإضافة إلى الطهارة من النجاسات الخيثة القذرة للجسد وللثوب، ولكل ما يرتبط بحياة الإنسان الخاصة في أرضه ومنزله.
ومن جانب آخر، فإن الله يوجه الإنسان إلى الطهارة الروحية من خلال العطاء المتمثل
بالصدقات التي يدفعها المؤمن زكاة في بعض مواردها، وصدقات وفرائض مالية أخرى
وذلك هو قوله تعالى:
(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)
، باعتبار أن الصدقة، بما يتمثل فيها من روحية العطاء، تطهر النفس من قذارة البخل، ومن الذاتية المنغلقة عن الإنسان، في حاجاتهم الخانقة، وفي أمورها الحياتية الخاصة.
إن الإسلام يؤكد الطهارة الداخلية للإنسان، من خلال طهارة العقل في إدراكه للحق، وطهارة الشعور في انفتاحة على النية الخالصة للإنسان كله، بعيدا عن رذالة الحقد والبغضاء، وطهارة الحركة التي لا تنطلق إلا من أجل العدل والخير والحياة. ولذلك وقف الإسلام موقفا سلبيا من الذين يضمرون الكفر ويظهرون الإيمان، وهم أهل النفاق، أو الذين يختزنون في قلوبهم نية الشر للناس ويخططون لتدمير السلام في واقع الإنسان كله.
المتقون:
ومن الذين يحبهم الله المتقون، كما جاء في قوله تعالى:
(بلى من أوفي بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين).
وإذا دققنا في مسألة التقوى كعنوان إسلامي روحي عملي، فإننا نستطيع أن نختصرها بكلمة واحدة، وهي الالتزام بالإسلام كله في عباداته وأخلاقياته ومفاهيمه الحركية، في التزامات الإنسان المؤمن الخاصة والعامة.
وربما نستوحي ذلك من الكلمة المأثورة:
((أن لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك))
، بحيث يمثل الخضوع الكامل لله في أوامره ونواهيه، تجسيدا للعبودية في الانفتاح على توحيد الله في ربوبيته المطلقة للإنسان كله وللوجود كله، فيكون الله- في موقعه هذا- معه
كما جاء في قوله تعالى:
(واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين).
وقوله تعالى:
(إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون).
وهذه مرتبة عظيمة ينالها المؤمن في التزامه بالتقوى.
وقد جاء في بعض الآيات، أن الله أعد الجنة للمتقين الذين يستحقونها عن جدراة من خلال قربهم إلى الله، وهذا ما جاء في قوله تعالى:
(وسارعوها إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين* الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين* والذين إدا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون* أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين).
ونلاحظ هنا المتقين بأنهم ينفقون في السراء والضراء على ذوي الحاجات من الفقراء والمستضعفين، وأنهم يعيشون الهدوء النفسي الشعوري، فلا يفجرون غيظهم فيمن يغيظهم، بل يحسبون غيظهم في صدورهم، ثم يزيلونه منها ليعفوا عن الذين أسؤوا إليهم ويحسنون إليهم.
ثم تتحدث هذه الآيات عن أن الخطيئة الصادرة منهم، والتي يظلمون بها أنفسهم، لا تتحول إلى حالة مستقرة في حركة الذات، بل يتجاوزونها، فيتوبون منها ويستغفرون الله مما أسلفوه من الخطيئة، ولا يصرون عليها فيما يستقبلون من حياتهم، لأن وعيهم لإيحاءات التقوى الكامنة في شخصيتهم، يوحي إليهم بالرجوع إلى الله في يقظة روحية رائعة
كما جاء في قوله تعالى:
(إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)
لأن الله في معنى الإيمان به، يشرق في عقولهم، فلا يترك فيها أية ظلمة، بل تنفتح أبصارهم الداخلية على الضوء المنطق من إشراقة الله، فيزيل كل غشاوة عن الذات.
نقرأ في آية أخرى، بأن إصلاح ذات البين هو من مظاهر التقوى في الحياة الاجتماعية للمؤمنين،
نقرأ في آية أخرى، بأن إصلاح ذات البين هو من مظاهر التقوى في الحياة الاجتماعية للمؤمنين،
وذلك في قوله تعالى:
(فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله)
ما يوحي بأن إصلاح ذات البين يمثل في حركة المؤمنين مظهرا للتقوى الاجتماعية، وهكذا تتمثل التقوى في القول السديد الذي ينفتح على الحق والإصلاح والعدل والخير وما ينفع الناس، مما يريد الله للناس أن يأخذوا به، لأن للكلام دورا كبيرا في توازن البلاد والعباد في حركة واقع الإنسان في الحياة،
وذلك هو قوله تعالى:
(يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولو قولا سديدا).
ويبقى التفاضل بالتقوى هو الذي يمنح الإنسان الكرامة عند الله سبحانه،
كما جاء في قوله تعالى:
(إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)
،
فالأتقى في إيمانه وسلوكه هو الأكرم عند الله، لأنه الذي بلغ الغاية في الوصول إلى أفضل الوسائل في الحصول على رضوان الله، بحيث لا يترك شيئا يحبه الله إلا فعله، ولا يفعل شيئا مما يكرهه الله مما حرمة عليه. وتنطلق الآيات لتثير في نفس المؤمن التقي التحرك نحو محاسبة نفسه على أساس دراسة المصير النهائي الذي يقل عليه في الآخرة.
وفي ضوء ذلك، نجد أن الصبر هو القيمة الأخلاقية الإنسانية التي تساعد كل القيم، لأن الكثير منها يحتاج إلى المزيد من الجهد، فيأتي الصبر ليدعم حركة الإنسان في تحقيقها، وبذلك يتوقف الالتزام بالطاعة والبعد عن المعصية والجهاد في سبيل الله والتماسك عند البلاء، على الصبر، وهذا ما جاء في حديث الإمام محمد الباقر (ع)، قال لبعض أصحابه:
((كل أعمال البر بالصبر يرحمك الله))
،
ولعل هذا هو الذي جعل ثواب الصبر فوق كل عمل خير، فلم يجعل الله له حدا محدودا،
كما في قوله تعالى:
(إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب).
وجاء في القرآن الكريم الحديث عن قيمة الصبر على البلاء بقوله تعالى:
(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا للهو وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).
فنحن نلاحظ أن الله يمنح الصابر صلواته ورحمته، ويعتبر الصابرين من المهتدين الذين أخذوا بحقائق الهدى في الفكر والروح والحركة في الانفتاح على الله وتلك مرتبة عالية لقيمة الصبر لدى الصابرين.
وربما كان من الضروري أن ندخل مسألة التربية على الصبر في التخطيط التربوي للواقع الإسلامي؛ لأن التحديات الصعبة الداخلية والخارجية تواجه المسلمين، ولا سيما في خطة الاستكبار العالمي في السيطرة على مقدرات العالم الإسلامي ومصادرة ثرواته ومواقعه الاستراتيجية وأسواقه الاستهلاكية، ليتحول المسلمون إلى هامش تفصيلي من هوامشه الضيقة، ما يفرض على المتحركين في خط الأزمة المتنوعة والتحديات الكبيرة، المزيد من الصبر الذي يمنح الموقف الثبات في المواجهة والانتصار في الأهداف.
المتوكلون:
ومن الذين يحبهم الله- حسب ما جاء في القرآن الكريم- المتوكلون:
(فيما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين).
إننا نلاحظ في هذه الآية، أن الله يوجه النبي محمدا (ص)، ويوجه الأمة من خلال خطابه له، إلى أن يبدأ في التحرك نحو القضية التي يعالجها في الواقع من موقع القيادة، وفقا لمبدأ الشوري الذي يتمثل في استنطاق أصحابه من أهل الخبرة في الموضوع الذي يريد إعطاء الرأي فيه، ليتعرف وجوه الرأي المتنوع الذي قد تتنوع فيه وجهات النظر في حركة السلب والإيجاب، ليكون الاختيار للموقف منطلقا من دراسة معمقة واسعة، ولاسيما فيما يتصل بقضايا الناس، حتى ينطلق في مسؤولياته في عملية تفاعل بين القيادة والقاعدة؛ فتكون النتيجة أن يتحقق العزم للقائد في إصدار الأمر في التخطيط العملي للمستقبل، متوكلا على الله فيما يمكن أن يواجهه القرار من عقبات وصعوبات غير محسوبة أو غير منتظرة، باعتبار أن على القيادة أن تستجمع كل العناصر، التي تجعل من القرار موقفا قويا صالحا لحل المشكلة وتحقيق الهدف مما يملك الإنسان أمرة، ليترك الأمر فيما لا يملكه إلى الله، ما توحي به كلمة التوكل على الله في الابتهال إليه، بأن يحمي الموقف من كل ما يعطل المسيرة، بما يحمله الغيب من أوضاع سلبية خاضعة لقدرة الله في صرف ذلك عن الموقف.
ومن خلال هذا العرض، نستوحي أن التوكل إنما يكون بالعمل على تحضير كل الأسباب الواقعة تحت قدرة الإنسان، بما يساهم في تحقيق الهدف، ثم يرجع الأمر إلى الله فيما يختزنه الغيب من المعوقات التي قد تقف فقي طريق الهدف لتمنع من تحقيقه.
وفي ضوء ذلك، يتحول التوكل على الله إلى موقف إيماني واسع عميق منفتح على قدرة الله على كل مواقع الكون، يبتهل فيه المؤمن إلى الله ليصرف عنه كل م يعطل مشروعه الخاص والعام، لأنه الكافي من كل شيء ولا يكفي منه شيء، ولذلك كان حب الله له من خلال أخذه بأسباب الإخلاص في إيمانه بالله والرجوع إليه في كل شيء.
وقد ورد الحديث عن الإمام علي:
((التوكل التبري من الحول والقوة وانتظار ما يأتي به القدر)).
وفي حديث عنه:
((حسبك من توكلك أن لا ترى لرزقك مجريا إلا الله سبحانه)).
وعن الإمام جعفر الصادق لما سئل عن حد التوكل:
((أن لا تخاف مع الله شيئا))
، وقد جاء في قوله تعالى:
(وعلى الله فليتوكل المؤمنون).
وهكذا ينفتح التوكل على الله الالتزام بأن الله هو سر كل شيء في حياة الإنسان، ما يعمق في كيانه الثقة بأنه سبحانه مصدر القوة في حالات الضعف؛ لأن القوة لله جميعا، فهو الذي يمنحها للإنسان في أموره كلها، بعد أن يستجمع في مشاريعه كل إمكانات القدرة في الأسباب التي يملكها.
وبهذا يفترق التوكل عن التواكل والاتكالية التي يبتعد بها الإنسان عن تحريك قدرته مما يملكه من الوسائل في تحقيق ما يستهدفه من قضايا وأمور ومشاريع. وقد تحدث النصوص عن ذلك،
فقد جاء في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لرجل قال له: أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال: (اعقلها وتوكل). وعن الإمام جعفر الصادق ((لا تدع طلب الرزق من حلة، فإنه عون لك دينك، واعقل راحلتك وتوكل)). وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لقوم رآهم لا يزرعون، ((قال: ما أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: لا بل أنتم المتكلون)).
وهكذا نجد أن محبة الله للمتوكلين عليه، ترتكز على رجوعهم إليه في كل أمورهم، ثقة به وبقدرته، وتسليما له في الرجوع إليه في مهماتهم، ما يوحي بالتحرك إلى مواقع القرب منه في قلوبهم وأقوالهم وأفعالهم، فلا يتحركون إلا إليه، ولا ينفتحون إلا عليه، وهذا هو ما يدعو إليه النبي (صلى الله عليه وسلم) في رسالته.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: