لحن الخلود
¬°•| عضــو مــهــم|•°¬
تونس- د. خالد شوكات- إسلام أون لاين.نت/ 22-8-2003
يبدي التونسيون في السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا بأعمال السحر والشعوذة والتنجيم، وتخصص الصحف التونسية حيزا كبيرا من صفحاتها لنشر إعلانات أولئك العرافين الذين يدّعون القدرة على معرفة الحظ ومعالجة الأمراض المستعصية.
ويلاحظ المسافرون على الطرق الرئيسية المؤدية للعاصمة التونسية وجود عشرات الباعة على ناصيتي الطريق، يعرضون على المارة بضاعة من نوع خاص، لم تكن معروفة لدى المستهلكين حتى بداية عقد التسعينيات، فقد اعتاد كثير من التونسيين في السنوات الأخيرة على شراء حرباء حية، لقتلها وتجفيفها ثم تعليقها على مداخل البيوت أو داخل الغرف، اعتقادا منهم أنها تذهب عنهم شرور العين وتقيهم من الحسد!
ويشار إلى أن السلطات التونسية انفردت على الصعيد العربي بالترخيص للعرافين والمنجمين ومدعي القدرات الخاصة، للعمل بصفة شرعية، وتسجيل أنشطتهم في سجلات الغرف التجارية، والسماح لهم -بالتالي- باستعمال وسائل الدعاية والإعلان للترويج لبضاعتهم ودعوة المستهلكين للوقوف على "خوارقهم"، وذلك خلافا لما كان سائدا حتى أواخر الثمانينيات، حيث كان القانون يحظر هذا النوع من الأعمال ويعاقب عليها.
قبلة العرافين
وتذكر مصادر مهتمة بالقضية أن تونس تحولت بسبب قوانينها الجديدة إلى قبلة لعدد كبير من العرافين والسحرة والمشعوذين، الذين يعلنون عن أنفسهم غالبا كـ"معالجين روحانيين"، ويتلقب كثير منهم بلقب "أستاذ"، ويسعون إلى الإقامة في البلاد على وجه دائم أو بشكل مؤقت، وتقديم خدماتهم بشكل منفرد أو بالتعاون مع زملاء محليين.
وترى تلك المصادر أن العرافين والروحانيين المغاربة يتقدمون نظراءهم الأجانب، سواء من حيث العدد أو الشهرة.
ويشير إعلان متكرر في الصحف التونسية إلى أن "مولاي الشريف (فلان) المغربي، يكتشف الحظ على الطريقة المغربية في الزواج والحب والصحة والمال، باعتباره أشهر عراف مغربي".
وخلافا لما ينص عليه المنشور (القانون) 108 التونسي ذائع الصيت، الذي يحظر ارتداء الحجاب باعتباره "زيا طائفيا"، فإن عددا كبيرا من الصحف التونسية لا تجد حرجا في نشر صورة من الحجم الكبير "للفلكية" (فلانة) المحجبة مع إعلان مصاحب يقول إنها قادرة "من خلال البحث في ملامح الوجه على كشف أدق أسرار المستقبل".
كما يمكن أن تجد إعلاناً تونسياً يشير إلى أنه بمقدور الراغبين في الاستفادة من القدرات الفلكية الخاصة لأحد العرافين أن يتصل به على رقم هاتفي ذي صبغة تجارية.
ولا يجد قارئ الصحف التونسية عناء في اكتشاف أن الإعلانات الخاصة بالعرافين والروحانيين، تشكل الجزء الأكبر من المجال الإعلاني المنشور في الصحافة، وخصوصا تلك التي تروج لأرقام هواتف تجارية تمكن الراغبين -حسب ما تذكر- من إجابات عن أسئلتهم الخاصة بالحظ والمستقبل.
ومن بين الصحف التي نشرت هذه النوعية من الإعلانات مؤخرا صحيفة "الصريح" اليومية المستقلة في عددها الصادر 12-8-2003 وصحيفة "أضواء" الأسبوعية المستقلة في عددها الصادر الثلاثاء 19-8-2003 وصحيفة "الشروق" اليومية المستقلة في عددها الصادر الخميس 21-8-2003.
الأمراض المستعصية
وتظهر الإعلانات المنشورة في تلك الصحف أن سوق العرافين والروحانيين المتخصصين -حسب زعمهم- في معالجة أعمال السحر والأمراض المزمنة رائج في أوساط التونسيين الذين يتجه عدد كبير منهم إلى هذه الفئة من مدعي القدرات الخاصة عندما يعجز الطب العادي عن تقديم علاج لهم.
ويحرص هذا النوع من العرافين والروحانيين خلال إعلاناتهم على إظهار مواصفات خاصة بهم، يتميزون بها عن زملائهم في المهنة، حيث يحرص أحدهم على التذكير بعضويته في "الاتحاد العالمي للفلكيين المنجمين"، في حين يتشبث آخر بالتأكيد على خلفية دينية عميقة، من خلال التذكير بأنه يعالج بواسطة القرآن الكريم فحسب، أو من خلال اتخاذ لقب "الحاج" صفة مصاحبة لاسمه.
زبائنها رؤساء وملوك !
وبحسب العرافة التونسية "الحاجة حبيبة" -التي تمتلك مكتبا في كل من تونس وباريس- فإن الإقبال على العرافين والمنجمين لا يقتصر على أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة، بل إن عددا كبيرا من الأغنياء والمشاهير ورجال السياسة والفن، لا يجدون حرجا في طلب العلاج لمشاكلهم لدى مدعي القدرات الخاصة.
وتقول الحاجة حبيبة لشبكة "إسلام أون لاين.نت" الجمعة 22-8-2003: "إن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران، وعددا كبيرا من السياسيين والفنانين المشهورين، كانوا من زبائنها، وإن وزراء وأمراء ونجوما ورجال أعمال يترددون عليها بانتظام، وهم مقتنعون تماما بقدرتها على مساعدتهم وشفائهم، كما أن فنانا مصريا مشهورا قد شفي من إدمانه المخدرات بفضل رعايتها".
وتؤكد العرافة التونسية المشهورة -التي ذكرها ميتران في مذكراته- أنها تستقبل يوميا قرابة 50 شخصا، يأتون طلبا لعلاجها، وأنها تأخذ مقابل خدمتها 30 يورو (ما يقارب 35 دولارا) للزيارة الواحدة، بالإضافة إلى ثمن الدواء غير الخاضع للتخفيض أو المساومة، والذي غالبا ما يكون أعشابا ومواد مستخرجة من الطبيعة.
وتزعم الحاجة حبيبة أنها "تخرجت من كلية الإيمان بالله تعالى" وأنها تعالج بالقرآن والأعشاب، وأن "لديها المقدرة -بفضل الله- على الكشف عن أسرار الماضي والمستقبل، وهي مقدرة شدت انتباه الصحافة الفرنسية إليها، ودفعت صحفا شهيرة إلى نشر مقالات مطولة عن قصص طريفة كانت طرفا فيها".
العقم والعنوسة
وتقول "أم علي"، ربة بيت: "إنها كانت قد تأخرت في الحمل، وإن زوجها عرضها على طبيب مختص، وصف لها العديد من الأدوية، غير أن العلاج لم يجد معها، ورافقتها أمها إلى إحدى العرافات الشهيرات في منطقتها، فوصفت لها علاجا تسبب في حملها بعد فترة بسيطة"، على حد زعمها.
وتدعي أم علي "أن ما جرى لها مع العرافة جرى مع كثيرات أتينها يعانين من عقم استمر عشرين عاما لدى بعضهن، ونجحت في شفائهن لأنها على بركة عظيمة، في حين فشل الأطباء في معالجتهن".
وتقول "مبروكة"، فتاة عزباء ترددت على أكثر من عراف ومنجم: "لقد خطبت ثلاث مرات، وفي كل مرة تفشل الزيجة ويهرب الخاطب متعللا بأسباب لا علاقة لي بها، وقد أكد لي الأقارب قبل الأباعد أنني منحوسة وأن علي أن أطرد النحس عني".
وتضيف مبروكة: "لقد نصحتني صديقة لي بالتوجه لأحد العرافين ذاع صيته في المدينة، وكانت هذه تجربتي الأولى، التي تكررت عدة مرات فيما بعد، وكلما تقدم بي السن زادت الضغوط النفسية علي ودفعتني أكثر إلى البحث عن حل لمشكلتي لا يمكن أن ألتمسه عند الأطباء".
العرافون ملعونون
وكان الدكتور علي محيي الدين القره داغي أستاذ الفقه بجامعة قطر قد قال في فتوى منشورة بشبكة "إسلام أون لاين.نت": "لُعن العرافون والمنجمون، وحرم الإسلام كل أنواع الشعوذة والطلاسم ونحوها. ومحاربة الخرافة والشعوذة واجب إسلامي يدخل في صميم عقيدتنا".
ويقول الأستاذ الدكتور محمد البهي، من علماء الأزهر في فتوى أخرى: "لا قول المُنجِّمين، ولا خبر العرَّافين يكشف عن غَدِ الناس ومستقبلهم؛ إذْ علم ذلك لله وحده".
فراغ روحي
ويرجع الدكتور ثابت بن منصور، الباحث في مركز تابع لوزارة الصحة العمومية التونسية استفحال ظاهرة العرافين والروحانيين إلى سببين رئيسيين: "الأول العولمة وانعكاساتها الضارة بالنسيج الاجتماعي ومنظومة القيم الأخلاقية داخل المجتمع التونسي، والثاني ضعف الوازع الديني، حيث تراجعت مكانة الدين في الحياة الاجتماعية التونسية خلال العقد الأخير، جراء عوامل عديدة".
ويعتقد الباحث التونسي أن "غالبية المترددين على العرافين والمشعوذين، إما من أبناء فئات اجتماعية فقدت توازنها الاقتصادي جراء ضغط المتغيرات الكبرى التي جرت في السنوات الأخيرة، أو من فئات وشرائح اجتماعية افتقدت الدين كموجه أخلاقي ومصدر رئيسي لاتخاذ المواقف في مثل هذه القضايا".
ويذكر الدكتور بن منصور "أن غالبية زبائن العرافين والروحانيين -على سبيل المثال- هم من النساء الراغبات في الزواج، والباحثات عن شريك حياة في مجتمع ارتفعت فيه نسبة العنوسة إلى حد كبير غير مألوف من قبل، وذلك بسبب غلاء المعيشة وتراجع المقدرة الشرائية للفئات الشابة التي تعاني من البطالة من جهة، وتفتقد الوازع الديني من جهة أخرى".
ويعتقد الباحث التونسي "أن الترخيص القانوني الذي تمنحه السلطات لمدعي المعرفة بالروحانيات والتنجيم من جانب، واستمرار ضعف أداء المؤسسات الدينية من جانب آخر، قد قادا إلى استفحال الظاهرة اجتماعيا، وأن المعالجة تكمن بالأساس في التماس حل للسببين المذكورين".
منقول
اشرايكم فهالظاهرة اللي منتشرة في مجتمعاتنا العربية والاسلامية ارجو التفاعل