الفئة العمرية التي أنتمي إليها ومن هم أقل أو أكبر مني سنا لبضع سنوات ، ننتمي لآباء وأمهات عاشوا مرحلة لم يهنوا في شبابهم بالتعليم ولا الرعاية الصحية ومن الطبيعي حرموا من نعمة الكهرباء ووسائل النقل وحتى أبسط العيش الكريم من مسكن ومأكل وملبس وترفيه ، من يسمع قصص الاباء والأجداد وكيف قاوموا مرارة الحياة من أجل أن يوفروا لهم قوت يومهم ولأطفالهم ، من أجل أن يحموا من يقوموا برعايتهم من ظروف الحياة القاسية ، أو من أجل المحافظة عليهم من اعتداء غريب أو قاطع طريق ، قصص حزينة كذلك حول نهاية الأفراد الذين أصيبوا بمرض أو وباء ، أو سيدة واجهت أزمة عند الحمل أو الولادة ، لم تكن هناك حلول لإنقاذهم أو إسعافهم سواء انتظار بلوغ الأجل ومن ثم دفنهم ونسيان معاناتهم خلف أسوار المقابر ، حتى بزغ فجر النهضة عام 1970 حين شعروا بالتغيير وأن هناك حياة قادمة إليهم ستمنحهم الطمأنينة ونسيان ويلات الماضي ، حينها بدأت تمطر عليهم سحائب الخير من تعليم وصحة ومن ثم تبعتها وسائل العيش الكريم التي كان المواطن في أمس الحاجة إليها ، لذلك هذه الفئة التي قاومت الحياة بحلوها ومرها لم نُحملها نحن أبنائها أي مسؤولية في عدم تمكينهم من توفير ثروات اقتصادية أو تجارية لها وكذلك للوطن أو غيرها من الثروات الأخرى لعلمنا للظروف الصعبة التي عاشتها تلك الأرواح في مرحلة شبابها ، ولذلك أنا اليوم هنا لأقودكم نحو استنتاج أن الأجيال القادمة لن تنظر لنا نحن أفراد هذه المرحلة كما نحن نظرنا لمرحلة آبائنا وأجدادنا بنوع من الرحمة والشفقة لإدراكنا للوضع الصعب الذي عاشوا فيه ، بل أن الجيل القادم سوف يصب غضبه علينا إن لم يجد أننا وضعنا لهم مستقبل واعد ومشرق ، لعلمهم اننا وجدنا في عصر متحضر وقد روينا بمختلف العلوم نتيجة التعليم الذي حظينا به ، كما أننا تمكنا من التواصل مع العالم الخارجي وبالتالي من السهل أن نكتسب منهم العلوم والتجارب التي تفيد الوطن حاضرا ومستقبلا فهل نجحنا في ذلك ، هل نجحنا في صناعة غد يجد فيها أبناءنا كل متطلبات الحياة ، هل مخططاتنا العمرانية وشبكات الطرق والمواصلات تستوعب الزيادة السكانية المتوقعة ، هل تم تأمين الموارد الاقتصادية لتكون مورد معين للمرحلة القادمة ، هل المختصون راعوا جميع الاحتمالات المستقبلية في كل النواحي ، لكي تعيش أجيال تلك الفترة بدون أن تحدث لديهم أزمات ، ولذلك فإن الحياة الراقية والمتعددة الخدمات التي سيحظى بها الأفراد بعد عشرين أو خمسين أو حتى مائة عام ، ترجع أسبابه إلى التخطيط السليم الذي حمل بعدا طويل المدى من كل مخطط ومشرع بكل مؤسسة في هذه المرحلة ، لأنه وضع في جميع خططه تصور شامل ومتكامل لكل عام على حده خلال الفترة القادمة ، وهذا ما نأمل أن تكون عليه أرضنا المعطاء سلطنة عمان حتى ولو كان بعد قرن من الزمان بإذن الله تعالى ، لذلك هذه الرؤية المستقبلية لا يتحملها المواطن ولا الموظف البسيط سواء أنه يجب عليه أن يكون مخلصًا في كل ما يتم تكليفه من مهام ومسؤوليات ، ولكن تبقى المسؤولية العظيمة في القيادات التي كلفتها الحكومة والوطن بوضع الخطط والاستراتيجيات لحاضر ومستقبل عمان فهل أدت هذه الأمانة كما ينبغي ، لماذا لدينا اليوم وليس الغد قصور في بعض الموارد التي كان مأمول منها رفع مستوى الدخل للفرد والحكومة ، لماذا بدأنا نسمع أن بعض القيادات أصبحت ( حاميها حراميها ) حيث ارتفاع في مستوى أرصدتهم الفردية وعجز وتخبط في المؤسسات التي تولوا مسؤوليتها ، لماذا لدينا بعض الأرواح التي توصف بالتقصير وخيانة الوطن تتسبب في تأخير مستقبل وطن بأكمله نتيجة الإهمال والتجاوزات في القوانين والتشريعات ، من يتحمل كل هذه التخبطات من هدر للمال العام وتفشي المحسوبية وظهور البطالة وامتعاض المواطن الضعيف من خطط التقشف التي قامت بها بعض المؤسسات ، هذا الحال نتحدث عنه الان في الوقت الحاضر ، فماذا ستقول فينا الأجيال القادمة التي راهنت على خطط وأفكار وعقول ومسؤولية أبناء هذا الجيل ، وفي ذلك أذكر نفسي وغيري بالآية الكريمة ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) الأحزاب (72) ، فهل حاملوا أمانة الوطن سيسلمون من محاسبة الأجيال القادمة قبل حساب رب العالمين يوم الحساب من خلال ما قدموه من استراتيجيات ومشاريع وخطط تضمن الحياة الكريمة لأفراد تلك المرحلة المستقبلية ، أم أن بعضهم ستطاردهم دعوات المظلومين وسخط المجتمع إلى يوم القيامة لتقصيرهم وإهمالهم وخيانتهم للأمانة ، وختاماً قيل الذي خان وطنه وباع بلاده ، مثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص ، فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه ، فهل ستكون الأجيال القادمة سعيدة وراضية أم ستضع اللوم على من لم يضع لها تقديرا واعتبارا ضمن خططه المستقبلية وخان الامانة .
د.حميد بن فاضل الشبلي
humaid.fadhil@yahoo.com