يبدو أن فيروس كورونا يحمل شخصية أقوى من التي يحملها زعماء العالم ، الذين ينفردون بحق الفيتو ويتباهون في امتلاكهم للقنابل النووية والذرية ، ويتسيدون البيت العالمي ( مقر الأمم المتحدة ) حيث وضع العالم على عاتقهم أماني وأحلام كثيرة ، نشر العدالة واحترام حقوق الإنسان ومساعدة المجتمعات والدول الفقيرة ، والتدخل في وقف النزاعات والحروب والاعتداءات التي تطال الدول الضعيفة من قبل الكيانات الظالمة المتغطرسة ، إلا أن واقع الحال يقول غير ذلك فلا نرى توقف للحروب ولا استغاثة للمنكوب ، وبقى ذلك المبنى الشاهق في وسط عاصمة نيويورك الأمريكية يستمع ويسجل أنين المضطهدين والمظلومين ، ليبعث عبر أمينها العام بعد كل حادثة اعتداء برقيات الشجب والتنديد والاستنكار ، إلا أن ليلة الاثنين الماضية وفي دعوة نادرة لامين عام الأمم المتحدة البرتغالي أنطونيو غوتيريش ، حيث لم يسبق أننا سمعنا أمين عام ممن سبقوه في الدورات السابقة أن تقدم بمثل هذا الطلب العاجل ، حين وجه غوتيريش دعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء العالم ، وقال أنه من يدفع أبهظ الأثمان لهذه النزاعات هم الاكثر ضعفًا النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة والمهمشين والمشردين ، استفاقة متأخرة جعلت ابن البرتغال يدعو الأطراف المتحاربة في العالم ويقول لهم ( اتركوا الأعمال العدائية واخرسوا البنادق وأخمدوا المدافع وأوقفوا الغارات الجوية ) ، هذه الدعوة العاجلة التي حركت مشاعر أمين عام الأمم المتحدة كانت بفعل التأثيرات القوية التي خلفها هجوم فيروس كرونا على الكرة الأرضية ، وهذا ما أكده في بقية الخطاب حين قال ضعوا حدًا لمرض الحرب وحاربوا المرض الذي يعصف بعالمنا ، ويبدأ ذلك بوقف القتال في كل مكان ، لقد حان الوقت لوقف النزاعات المسلحة والتركيز معًا على المعركة الحقيقة في حياتنا وهنا يقصد انتشار فيروس كورونا ، نعم فيروس لا يمكن رؤيته بالعين المجردة هي من أيقظت ضمير وتفكير غوتيريش ومعه زعماء وقادة الدول الكبرى ، لتصدر أثر ذلك دعوة عالمية لوقف الحروب والمعارك .
هل أدرك الان غوتيريش ومعه منظمة الأمم المتحدة ، أنه يجب علينا أن نهتم بتخليص العالم من تفشي الامراض والأوبئة ، هل أدركوا الان أن مصانع الذخيرة والمعدات العسكرية التدميرية لا قيمة لها عند ظهور مثل هذا الفيروس ، هل أدرك غوتيريش والقادة الذين يتسيدون العالم أن الاهتمام بتطوير العلم ومراكز الأبحاث العلمية هي ما يجب أن توليه الاهتمام تلك الدول العظمى ، هل أدرك العالم الان أن توفير كمامة الوجه أكثر أهمية من وجود الذخائر والقنابل المدمرة في مثل هذه الظروف ، هل يستوعب قادة العالم أن الاستثمار في المجال الطبي والصحي والأدوية والعقاقير هو الأجدر لضمان بقاء البشرية تعيش في صحة وسلام ، هل هذا الفيروس سيوقظ ضمائر الدول والقادة الذين نشروا الرعب والدمار في المجتمعات التي اعتدوا عليها ، هل ستلقى دعوة غوتيريش القبول لدى الأطراف المتناحرة في أرجاء العالم أم ستكون كما قال المثل ( لا حياة لمن تنادي) ، هل أرقام المصابين والأشخاص الذين لاقوا حتفهم أثر الاصابة بهذا الوباء ستعمل على تخفيف انتاج مصانع العتاد العسكري في الدول الكبرى لتحول طاقتها نحو صناعة الغذاء والدواء ، الأيام القادمة هي من ستحكم هل لمفهوم الانسانية والروح البشرية اهتمام وتقدير وتقديس عند تلك الدول التي تتحكم في مصير العالم .
وفي الختام بإذن الله سينتهي كابوس كورونا وسيتم القضاء عليه بفضل ما سوف تتوصل إليه الأبحاث العلمية لصناعة دواء يعالج المصابين من هذا الوباء ، كذلك يأمل حكماء ومثقفو وعقلاء العالم أن تستفيد جميع الحكومات العالمية من دروس هذا الفيروس ، على أن يكون الاهتمام والتركيز في المرحلة القادمة نحو توحيد العالم للقضاء على الفقر والمجاعة والأمراض المنتشرة في كثير من دول العالم الفقيرة ، وأن تقوم منظمة الأمم المتحدة في بسط السلام ووقف جميع الحروب والمعارك ورفع الظلم عن كثير من المجتمعات والشعوب ، فهل فعلا سوف يستطيع غوتيريش نحو إخراس البنادق ، أم أ ن أصحاب وملاك البنادق هم من سيخرسون فاه ولسان غوتيريش !!!؟
د.حميد بن فاضل الشبلي
humaid.fadhil@yahoo.com