منذ أن بعث الله تعالى ( الوحي ) سيدنا جبريل عليه السلام ، على نبي الأمة - محمد صلى الله عليه وسلم - الذي كلفه بالدعوة نحو توجيه العباد إلى عبادة الواحد القهار ، حيث استمر عليه أفضل الصلاة والسلام في حمل لواء هذه الدعوة الخالصة لتحرير العباد من عبادة الأصنام والأوثان ، إلى أن انتقل الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى ، ومن ثم واصل الخلفاء الراشدون هذه الأمانة ، الذين تخطوا الصحاري والمحيطات والبحار ، رافعين راية لا اله إلا الله محمد رسول الله ، وكانت هذه الدعوة هي غاية مرادهم ومقصدهم ، ثم بعد ذلك مرت الأمة الإسلامية بمراحل صعبة من الويلات والصراعات والفتن ، إلى أن وصلت إليه الأوضاع فيما نراه في الوقت الراهن ، من غياب أهم عناصر ووسائل الدعوة ، لذلك لم تبقَ الدعوة موجهة كما كان يأمل بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حينما حملوا أمانتها بعد وفاة سيد وأشرف الخلق ، لقد كانت موجهة لعبادة الخالق سبحانه وتعالى ، والاقتداء بسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام ، التي كانت أبرز ملامحها احترام الإنسان والنصح والدعوة بالإحسان ، ولكن تغير حال الدعوة عند البعض في هذا الزمان ، وأصبحت بعض وسائل وقنوات الإعلام موجهة للنعرات الطائفية والمذهبية ، فكم من قناة تمجد مذهب وتقذف وتستحقر المذاهب الأخرى ، لم يعد البعض يدعو إلى ما قاله الله ورسوله ، وإنما أصبحت الاستماتة والحجة لرأي داعية وتحقير وتكفير آراء غيره ، لم يعد البعض يخلص في دعوته نحو تحرير البشر من عبادة الشجر والحجر ، وإنما انصب فكره ووقته وماله نحو تمجيد جماعة وجعلها في عليين وغيرها في الدرك الأسفل من النار ، لقد زادت حدة الصراع والفراق والخلاف بين أمة لا اله إلا الله ، بسبب التعصب والتشدد للرأي الواحد عند بعض الأطراف ، للأسف لم يعد في مصلحة الأمة تعدد القنوات والشبكات التي يطلق عليها قنوات إسلامية ، وذلك بسبب حجم ما تشاهده وتسمعه لبعض هذه القنوات من حمل لواء الحقد والتكفير لمن يخالف آراءها وأحكامها ، ولذلك بدأنا نرى في كل يوم ظهور مسمى جديد لتيار أو طائفة أو جماعة تكني نفسها بالإسلامية ، لقد ابتعد البعض عن الدعوة الخالصة لطاعة الله وطاعة الرسول ، إلى تسخير الوقت والمال والأفراد نحو معاداة وتحقير وتكفير المذاهب والطوائف الأخرى من الأمة ، مؤسف جدا أن تتحول بيوت الله من دار توجيه ودعوة وتنوير إلى أماكن تصفية حسابات مع المخالفين بالمتفجرات ، ضحايا وأشلاء بدأنا نشاهد تناثرها في مساجد بلداننا الإسلامية والعربية ، ما هذا النوع من الفكر الجديد الذي بدأنا نواجهه في مجتمعاتنا التي تؤمن بالوحدانية ، لم تعد هناك دعوة مصاحبة بالتوجيه والرشد والإحسان ، وإنما بوسائل التهديد بالعنف والقتل والنيران ، لذلك أيها القراء الأعزاء كيف تتوقعون رغبة ودافعية الأفراد والأمم التي يتم دعوتها إلى دين الاسلام ، وهي تشاهد مناظر التفجير والتدمير التي تطال بيوت الله ، كيف تتوقعون ردة فعلها وهي تسمع وترى حوادث التلاسن والتلاعن بين بعض الدعاة والقنوات الإسلامية ، أليس البعض منا قد أساء إلى روح الإسلام ، الذي وجهنا إلى مكارم الأخلاق والتسامح والبعد عن الظلم والعدوان ، والحقيقة المرة التي يجب أن نعترف بها ، هو فقدان الأمة إلى وسائل الدعوة المعتدلة ( إلا من رحم ربك ) في هذا الزمان ، وأخيراً رحم الله الأبرياء الذين ودعوا الدنيا نتيجة هذا الشقاق والخلاف ، وهنيئاً لكل داعية سعى واجتهد لدعوة البشرية ، نحو عبادة الخالق لا سواه وطاعة نبيه محمد رسول الله ، مستخدما وسائل الدعوة المقنعة بالحجة والبرهان لا بالتعصب واطلاق الشتائم والنيران .
حميد بن فاضل الشبلي
humaid.fadhil@yahoo.com