مقال اليوم نستأذن فيه كتاب التاريخ ، وليسمحوا لنا في سرد حكاية قصر الزعفران باسلوبنا المتواضع ، إستجابة لطلبات متابعي صفحة الفيس والتويتر الذين طلبوا سرد نبذة عن حكاية القصر ، بعدما نشرت له صور ومقطع فيديو على صفحتي قبل عدة أشهر ، ولذلك الزائر لجامعة عين شمس في جمهورية مصر العربية ، سوف يشد انتباهه وجود تحفة معمارية تتوسط حرم الجامعة ، إنه قصر الزعفران الذي ربما الكثير من الجمهور لم يتمكن من مشاهدته أو زيارته ، أما الذين تمكنوا من زيارة هذه التحفة التاريخية ربما البعض منهم يجهل حكاية هذا القصر الجميل ، الذي دارت في أروقته كثير من المفاوضات التاريخية بين مصر وأقطار أخرى ، كما استقبل العديد من الملوك والرؤساء ، لذلك تشير المصادر التي حصلنا عليها من إدارة جامعة عين شمس ، أن قصر الزعفران بني في عهد الخديوي إسماعيل على أنقاض ( قصر الحصوة ) الذي بناه محمد علي مؤسس الدولة المصرية الحديثة في منطقة العباسية ، وتقول المصادر أنه في عام 1864م اشترى الخديوي إسماعيل القصر ، ثم في عام 1870م طلب من المهندس( مغربي بك سعد ) وكيل وزارة الأوقاف بتصميم قصر الزعفران والإشراف على بنائه ، وقد بني القصر على غرار قصر فرساي بفرنسا الذي قضى فيه الخديوي إسماعيل فترة تعليمه ، ثم في عام 1872م أهدى القصر لوالدته المريضة ( السيدة خوشيار هانم ) كنوع من الاستشفاء ، حيث نصحها الأطباء بالهواء النقي ، لذا بُني القصر وسط حديقة مزروعة بنبات الزعفران ذو الرائحة الزكية ، وذلك بهدف أن تتعافى والدته بعد استنشاقها للنبتة الطيبة ، ولكن في عام 1882م وبعد هزيمة عرابي ووصول الجيش الإنجليزي إلى القاهرة ، طلب الخديوي توفيق من جدته خوشيار إخلاء القصر لإقامة الضابط الإنجليزي ، الذي امتدت إقامته لخمس سنوات ، وبعد وفاة زوجة الخديوي إسماعيل باع ورثتها القصر للحكومة مقابل ألف فدان من الأراضي الأميرية ، ثم في عام 1908م قررت وزارة المعارف المصرية إنشاء مدرسة ثانوية يطلق عليها اسم ملك مصر ، فوقع الاختيار على قصر الزعفران ليكون مقر للمدرسة التي سميت ( مدرسة فؤاد الأول ) ، ثم توالت الأحداث حيث نقلت مدرسة فؤاد الأول إلى المبنى المخصص لها بالعباسية عام 1925م ، وحلت محلها إدارة الجامعة المصرية ( جامعة القاهرة ) ، التي إيضا انتقلت تدريجيا إلى مقرها الجديد في الجيزة ، وبعد خروج الجامعة المصرية من قصر الزعفران ، تولت وزارة الخارجية المسؤولية حيث اشترت القصر وجعلته دارا للضيافة واستقبال زوار مصر من الملوك والأمراء الأجانب ، لذلك تشير المصادر بأن أول من نزل هذا القصر من الملوك هو ( عما نويل ) ملك أيطاليا ، ثم الملك ( ألبير ) ملك بلجيكا ، وفي عام 1946م زار الملك عبدالعزيز ال سعود القصر حيث التقى باللورد كيلرن المندوب السامي البريطاني ، كذلك من أهم ذكريات القصر التاريخية هو توقيع معاهدة 1936م بين زعيم الأمة مصطفى النحاس والمندوب السامي البريطاني كيليرن في ردهات هذا القصر ، ولا زالت المنضدة التي تم توقيع المعاهدة عليها موجودة في مكانها بالقاعة الرئيسية ، كما دارت في أروقة القصر كثير من المفاوضات التاريخية السياسية بين مصر وانجلترا ، كذلك أقامت فيه جامعة الدول العربية قبل وبعد تاسيسها بعض الاحتفالات والاجتماعات ، ومنها احتفال عام 1945م الذي كان بمناسبة خروج أول ميثاق للجامعة وقع عليه مندبو الدول العربية وعددهم سبع دول فقط ، وفي عام 1952م أخلت وزارة الخارجية القصر ليكون مقراً لجامعة ( إبراهيم باشا ) ، التي تحول اسمها فيما بعد بمسماها الجديد ( جامعة عين شمس ) وحتى وقتنا الحاضر ، ليتحول هذا القصر إلى منارة بارزة للعلم والمعرفة ، هذه التحفة الفنية ( قصر الزعفران ) تم تسجيلها عام 1985م ضمن الآثار الإسلامية ، باعتبارها أثرا تاريخيا شهد وقائع تاريخ مصر الحديث والمعاصر ، لذا قامت جامعة عين شمس بترميمه بالتعاون مع هيئة الآثار ، ومما يميز هذا القصر انه جمع بين طرازين هما الطراز القوطي والباروك وهما
المستعملان في كثير من قصور القرن التاسع عشر ، كما يتكون القصر من ثلاثة طوابق وطابق آخر تحت الأرض ، كذلك باب القصر من الزجاج المعشق ويعد تحفه من تحف القصر ، أما سلم البهو الكبير فقد صُنع من النحاس ومغطى بطبقة مذهبة ، كما أن سقف القصر عبارة عن زجاج بلوري معشق بالرصاص وبألوان زاهية ، أيضا يحتوي القصر على الأعمدة ذات الطراز اليوناني والروماني من الرخام الأخضر والأصفر بتيجان مذهبة ، إضافة إلى أن حوائط الحجرات عبارة عن بانوهات مزينة من الجص بأشكال الورود والزهور الملونة والمذهبة ، إضافة إلى وجود مقتنيات ومميزات تميز بها هذا القصر لا يسمح الوقت لسردها جميعا في هذا المقال البسيط ، وختاما عسى أن نكون قد وفقنا في سرد حكاية هذا القصر الذي تحيط به أسوار جامعة عين شمس .
د.حميد بن فاضل الشبلي
Humaid.fadhil@yahoo.com
الخميس :- 2019/9/19م
https://www.omandaily.om/?p=729629