كثير من الباحثين يتساءلون عن تاريخ مكتبة الاسكندرية ، وعما تحتويه من إرث ثقافي ومعرفي جعلها من أشهر المعالم السياحية التي تستحق الزيارة ، ولكوني سكنت بالقرب من هذا المعلم الثقافي الذي تشرفت بالاستفادة من خدماته مرات عديدة ، لذا كانت لي كتابات وتغريدات حكت قصة وتاريخ هذه المكتبة قمت بنشرها مسبقا، كما أنه لا يمنع مرة أخرى أن نعيد الحديث عن سيرة هذا المكان التنويري استجابة لرغبات كثير من السائلين ، ولذلك فإن الزائر لجمهورية مصر العربية (المحروسة)سيحظى بالتمتع وزيارة العديد من المواقع الأثرية والثقافية والسياحية المختلفة ، فهناك الأهرامات أحد عجائب الدنيا وكذلك القلاع والمعابد والمتاحف التي تمثل آثار وتاريخ حضارات قديمة عاشت على أرض الكنانة ، وغيرها الكثير والكثير من الأماكن التي تستحق الزيارة والمشاهدة في مختلف محافظات المحروسة ، ويأتي من ضمنها محافظة الإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط والتي أشتهرت بمكتبتها العريقة منذ مئات السنين ..
وقصة المكتبة كما ترويها الكتب والمراجع العلمية أن بطليموس الأول (مؤسس الحكم البطلمي في مصر) ، أراد أن يحقق لمملكته السيادة في التعليم والثقافة ، وتوافقت هذه الرغبة تماما مع اقتراح ديمتريوس الفاليري في إنشاء مجمع علمي أطلق عليه اسم( الموسيون)مع مكتبة عالمية تلحق به في الإسكندرية ، وترجع بداية إنشاء كلا المؤسستين إلى عهد الملك بطليموس الأول ، ولكن يرجع الفضل إلى الملك بطليموس الثاني في إتمام المشروع حتى أخذ شكله النهائي ، وللأسف يظل الشكل المعماري للمكتبة القديمة غير معروف وكذلك الأمر بالنسبة لموقعها على الرغم أنها كانت موجودة في الحي الملكي ، كما أن مكتبة الإسكندرية القديمة تعتبر الأشهر والأكبر في زمانها وأيضا إلى دورها الرئيسي كمستودع للفافات(الكتب) ، إلى ذلك فقد ضمت بين جنباتها مترجمين ومحققين وكتبه ، ويعتبر أمين المكتبة ( رئيس المكتبة ) واحد من أكبر المناصب الرسمية في الدولة وأرفعها شأنا ويتم تعيينه من قبل الملك شخصيا حيث يتم اختياره بين كبار العلماء والأدباء.
إن مكتبة الإسكندرية القديمة هي أول مكتبة عالمية أهتم ( البطالمة ) كثيرا بتزويدها بكل أنواع المعرفة المتاحة في ذلك الوقت ، فاهتموا بجمع الكتب من مختلف الثقافات وترجمتها إلى لغة الدولة الرسمية اليونانية ، كما حرصوا على اقتناء أصول الأعمال واستخدموا لذلك العديد من الطرق وإلى جانب الشراء والنسخ اهتموا بتفتيش جميع السفن المارة في مياه وبحار الإسكندرية للعثور على الكتب ثم إرسالها للمكتبة لنسخها مع الاحتفاظ بالأصل وإرجاع النسخ ، كما أنه لا يوجد حصر دقيق لعدد اللفافات (الكتب) التي احتوتها المكتبة القديمة ، لكن من المرجح أنها بلغت في أوج ازدهارها حوالي 700،000 لفافة ، أي ما يعادل في يومنا هذا حوالي100،000- 125،000 كتاب.
واندثرت المكتبة القديمة على مدار ما يقرب من 450 عام ، بداية من الحريق الشهير الذي نشب في الإسكندرية سنة48سنة ق.م يليه الاضطرابات السياسية التي حدثت في العصر الروماني والتي غزا بسببها الجنود الرومان أكثر من مرة الإسكندرية ، الأمر الذي أدى إلى تدمير الحي الملكي بالكامل ، وأعتمدت الحركة العلمية بعد ذلك على المكتبة الصغرى التي دمرت بدورها عند تحول الأمبراطورية الرومانية من الديانة الوثنية إلى المسيحية في نهاية القرن الرابع الميلادي ، وبناء على ذلك فمن المرجح أن المكتبة قد اندثرت تماما قبل الفتح العربي لمصر بأكثر من قرنين.
وفي عام 1972م بدأت فكرة إحياء المكتبة ، ثم في عام 1989م تم تنظيم مسابقة عالمية لاختيار أفضل تصميم للمكتبة المراد بنائها ، حيث فاز تصميم للشركة النرويجية (سنوهتا)بالمركز الأول ، وفي عام 2002م وبدعم من منظمة اليونسكو وعدة جهات أخرى تم تدشين مكتبة الإسكندرية الجديدة حيث تمت إعادة إحياء المكتبة في مشروع ضخم ليتم بناء المكتبة من جديد في موقع قريب من المكتبة القديمة ، حيث تم افتتاح المكتبة الحديثة بتاريخ 16 أكتوبر 2002م في حفل دولي كبير لتكون منارة للثقافة ونافذة مصر على العالم ولكي تكون المكتبة الجديدة رائدة في المجال الرقمي ومركزا للمعرفة والتسامح والحوار والتفاهم ، ولذلك أصبحت المكتبة تحتوي على ملايين من الكتب وعلى مركز للأرشيف الإلكتروني للكتب ، وكذلك على العديد من الصور والمخطوطات والآثار القديمة لحضارة مصر، كما إن هذا الصرح العلمي الكبير يستقبل سنويا ما يقارب800،000زائر.
إن مثل هذه المشاريع العلمية بالوطن العربي لهي من أولويات الألفية الجديدة في عالمنا العربي والإسلامي لكي نكون مع ركب الدول الحديثة والمتقدمة في ظل الثورات العلمية والثقافية المتطورة التي يشهدها عالمنا المعاصر ، ولذلك فإن مكتبة حصن الشموخ بولاية منح ومكتبة جامع السلطان قابوس بصحار ، تعتبر نماذج جميلة في عملية نشر ثقافة القراءة وبث المعرفة في المجتمع العماني ، كذلك توجد بعض المكتبات الحكومية والخاصة والأهلية المنتشرة في ولايات السلطنة التي لا يسمح الوقت لذكرها في هذا المقال ، ولكن بكل تأكيد تعتبر مساهمة في موضوع تشجيع ودعم القراءة فلها كل الشكر والتقدير .
حميد بن فاضل الشبلي
humaid.fadhil@yahoo.com