الخميس الأخير من شهر شعبان المنصرم كان لي مقال تم نشره بعنوان ( حفظة القرآن نجوم تتلألأ ) ، هدفت من خلاله التركيز على هذه الفئة المجيدة التي لا تحظى في كثير من الأحيان إلى تسليط الضوء عليها ، ودعمها وتعزيزها إعلاميا وماديا ومعنويا دائما ما يكون خجولا ، إلا أنه يوجد كذلك أمثلة أخرى من أبناء هذا المجتمع يعملون بكل جهد وإخلاص وتفانٍ ، منتشرون على طول هذا الوطن الغالي ، لا تسمع لهم همسا ولا ضجرا ولا تذمرا ، في قلوبهم عشق ومحبة لمجتمعهم وأفراده ، ولا تصلنا أخبارهم ولا مبادراتهم إلا عن طريق الصدفة أو بعد سنوات عديدة ، وهذا ما وجدته في الفيديو الذي تم نشره عبر شبكات التواصل الاجتماعي يوم أمس حول مبادرة الفاضلة زهرة العوفية من ولاية الحمراء ، تلك السيدة المثابرة والنموذج الذي يستحق أن نفخر ونفاخر بها ، وشخصيا أول مرة أسمع عن تجربتها عبر القناة التي قامت بإجراء المقابلة معها ، ولا أدري أن سبق لأي مؤسسة إعلامية بالسلطنة نشرت لها مقابلة من قبل ، إلا أنني قمت باعادة تشغيل فيديو المقابلة أكثر من مرة إعجابا بما قامت به هذه المربية الفاضلة ، التي سخرت إمكاناتها المادية ووقتها وطاقتها نحو تنوير حياة أطفال قريتها والقرى المجاورة لها ، لتقود مبادرة محو الأمية في أكثر من عشرين قرية وعبر مسافات طويلة بين كل قرية وأخرى ، هذه التجربة والمبادرة العظيمة لم تكن في ظروف بيئية سهلة كما هو موجود في المدن الحديثة ، ولكن كانت في أماكن لا يمكن الوصول إليها الا بواسطة سيارات الدفع الرباعي وعبر المرور بسلسلة من الجبال الشاهقة والطرق الوعرة ، لكن كل ذلك لم يكن عائقا نحو تحقيق أمنية الأم والمعلمة زهرة ، وبتوفيق من الله ومن ثم بالروح والعزيمة العالية التي تمتلكها هذه الإنسانة الطموحة ، تم افتتاح 22 مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم ولمحو الأمية عن أفراد تلك القرى ، عمل حمل في طياته خطة مدروسة وعزيمة قوية لتحقيق هذه الأمنية والهدف المنشود ، كم هو جميل وجود أرواح بشرية تضحي وتجتهد لأجل أن ترى مجتمعها بلا أمية ، كم هو جميل وجود مثل هذه الأمثلة لمعنى المواطنة الصالحة العاشقة لتراب الوطن ، زهرة العوفية بهذا العمل النبيل أتعبت المعلمات والأمهات من بعدها ، وفي الحقيقة الأستاذة زهرة يمكن وصفها بأنها عطاء بلا حدود ، كذلك العوفية بهذا الانجاز بعثت عدة رسائل منها رسالة لمن يقوم بالاحتفال بيوم المرأة من خلال استضافة المجيدات من السيدات ، نقول لهم هذا النموذج الذي يستحق توجيه الدعوة له واستضافته وتسليط الضوء عليه ، بل أن مثل هذه الشخصيات هي من تستحق أن تقوم برعاية الفعاليات والمناسبات ، كفى تبجيلا وتعظيما لأبطال الاكسسورات والموضات ومن تقوم بكسر قيم الحشمة والحياء ، كذلك هناك رسالة وجهتها هذه المعلمة القديرة لإخوانها وأخواتها من المعلمين والمعلمات ، بأن مهنتكم من أعظم وأشرف المهن ويتطلب من الجميع الإخلاص والتفاني لأجل صناعة جيل مثقف وواعٍ ، وأن رؤية طلبتكم في منصات التتويج وفي مقاعد الجامعات والوظائف العديدة لهو مصدر فخر واعتزاز لكم ، فهنيئا لكم هذا الشرف وهذه الخدمة نحو تنوير الوطن وشبابه ، زهرة بهذه المبادرة أثبتت أن المجتمع العماني به أمثلة كثيرة من المخلصين لهذا الوطن وقائده وأفراده ، كذلك هذه المبادرة تعزز من قيم العطاء والتضحية التي يستوجب غرسها في سلوك الناشئة من أبناء المجتمع ، لذلك ارتأينا أن نعبر عن مشاعرنا واحترامنا لهذه السيدة وعائلتها الكريمة ، التي وقفت معها وساندتها في مبادرتها الإنسانية الاجتماعية التعليمية وذلك عبر هذا المقال البسيط المتواضع ، وذلك كأقل واجب نقدمه لهذه الأم والمعلمة القديرة لما قدمته من تضحيات وجهود مخلصة لأبناء مجتمعها ، سائلين الله أن ينعم عليها بموفور الصحة ودوام العافية ، وأن يبارك الله في حالها ومالها وعائلتها ، وأن يكثر المولى من أمثالها في هذا الوطن العزيز ، كما نبعث رسالة ختامية للمؤسسات الإعلامية المختلفة أن مثل هذه الأمثلة الرائعة والمخلصة هي من تستحق تسليط الضوء عليها ودعهما ومساندتها ، وذلك من باب تشجيع الآخرين نحو الاقتداء بها والافتخار بمنجزاتها .
حميد بن فاضل الشبلي
humaid.fadhil@yahoo.
com