الواسطة هي إحدى الأسلحة الفتاكة في حياة أي مجتمع ، ولذلك تُعتبر من ضمن السلوكيات الممنوعة والمحظورة دوليا وقانونيا وأخلاقيا ، ولا تقل شأناً عن خطر الأسلحة المدمرة والمستخدمة في المعارك والحروب ، وعندما تتواجد هذه الآفة المقيتة في تعامل أي مجتمع ، فإن طائلة التخلف والظلم وظهور الكفاءات الضعيفة تبدو ظاهرة للعيان في حياة وسلوك ذلك المجتمع .
إن أبسط تعريف لمفهوم الواسطة هو أنها ( تُحرم المستحق ) ، وكذلك هي تجاوز للأنظمة واعتداء على الحقوق ومنحها لمن لا يستحقها ، كما يعرفها البعض على أنها أخطر أنواع الفساد الخفي ، الذي يُدمر ويُهلك المجتمعات ويُدخلها في عاصفة الفساد الإداري والمالي ، وبسبب هذه الواسطة المحرمة شرعا وعرفا ، تمت استباحة الأنظمة والاعتداء على القوانين ، ولذلك سنجد فئة يطبق عليها القانون ، وأخرى لا تهتم ولا تكترث ولا تضع أي احترام لأي حكم أو نظام ، كما يفسرها المثل المحلي ( حد ولد سبعة وحد ولد تسعة ) ، وبسبب هذا المرض الخبيث قُتلت أحلام كثير من المجيدين ، وصعدت أسماء المطبلين والمقربين وأتباع وحاشية أولئك الفاسدين ، كم من موهبة مبدعة وكفاءة مخلصة ، دُفنت وطُمست من مواصلة مشوار تألقها وتميزها ، واستُبدلت بفئة أمتلكت ما لم تمتلكه تلك الفئة الكادحة من دعم ومساندة أصحاب الواسطة الخفية ، كثير من المؤسسات كانت في حاجة ماسة لإبداع وإخلاص أبنائها ، وذلك لما تمتلكه من طاقة ومعارف ستساعد على التطوير والتعمير ، ولكن تلك المؤسسات ظُلمت قبل أن يُظلم أولئك المبدعين ، حينها لا عجب عندما تقل الانتاجية ويسود بين العاملين التذمر والحقد والعدوانية .
في عالم الحياة المدنية الحديثة تكثر الشعارات والنداءات التي تدعو إلى العدالة الاجتماعية ، لأنها إن فقدت هذه الخاصية فإن ذلك سيترتب عليه فقدان تطور ونمو ذلك المجتمع ، ولكن عندما يشعر جميع الأفراد بالمساواة وأن الأنظمة والقوانين مطبقة سواء على الجميع ، عندها لن يجرؤ أي فرد على أي تجاوز أو اعتداء .
إن الرسالة التوعوية التي نأمل أن نوجهها للمجتمع ومؤسساته حول ظاهرة الواسطة المُقيتة ، هو توعية الجميع حول العواقب المستقبلية التي ستورثها تلك الظاهرة عندما تسود في حياة أي مجتمع ، ولعل أبرزها هو مدى الاحباط الذي سيتولد للأجيال القادمة ، والتي سترى أنه لا فائدة من الجد والاجتهاد في العمل إذا لم تكن مدعوماً عبر أطراف خفية ، وبالتالي سيقل الانتاج والإبداع في عمل أي مؤسسة ، وسيلجأ الناس إلى التعامل المادي والرشوة والتحايل ، وكذلك الأمر عندما يضعف تطبيق القوانين في عمل أي مؤسسة ، فإن ذلك سيزيد من عدد المتهاونين والمتخاذلين والمتجاوزين لأي نظام أو قانون صادر من تلك المؤسسة ، وعليه يتطلب من الجميع أن يكون القدوة في تطبيق الأنظمة والقوانين ، وأن لا يكون التعامل مع طرف يختلف عن بقية الأطراف ، وكذلك الأمر يتطلب دعم المواهب المجيدة في عمل كل مؤسسة ، لتكون مثال للمواهب والإبداعات القادمة ، كما تتضمن رسالتنا التوعوية نصيحة لأولئك المُنتعشين بنتائج الواسطة السقيمة ، أن فرحتكم بسلب حقوق المظلومين ، لن تغفلها عين الله السميع العليم ، الذي توعد بنصرة المظلوم ولو بعد حين ، كما نذكرهم بأن باب التوبة مفتوح عند الله الغفور الرحيم ، اللهم هل بلغت .. اللهم فأشهد .
حميد بن فاضل الشبلي
humaid.fadhil@yahoo.
com