`¤*«مُحمدْ البادِيْ»*-¤
¬°•| غَيثُ مِن الَعطاء ُ|•°¬
سنحت لي الفرصة مؤخراً للحديث مع أستاذة العلوم السياسية بجامعة أوهيو كارين داويشا بينما كنت أتجول في ربوع العاصمة واشنطن. تناقشنا عن شعور القادة الغربيين حول مشاركة نفس طاولة المفاوضات مع فلاديمير بوتين
بقلم: أناستاسيا كيريلينكو
صحافية تحقيقات مستقلة ومؤلفة الفلم الوثائقي: من هو مستر بوتين؟
ترجمة: محمد البادي
مما لا شك فيه هو أنهم مدركون لتقاصيل الصعود الإجرامي لبوتين في هرم السلطة المفصل في كتاب: كليبتوقراطية بوتين(الترجمة الحرفية: دولة اللص بوتين) أو في فلم: من هو مستر بوتين؟ ولا يمكن تجاهل البينة في هذين الإصدارين أضف أن وكالات الاستخبارات الغربية ربطت بوتين بغسيل الأموال المرتبطة بتجارة المخدرات وأنشطة القمار وكان المستفيد من وراء من تفجير الشقق أيضا في عام ٢٠٠٠.
لوقت طويل، ظننت أن أوباما، وميركل، وآخرين ينتابهم شعور كالذي انتابني عندما كنت طالبة في المدرسة تجاه الفتاة التي كنت أجلس بجوارها. فبينما كنت قارئة كتب نهمة، كانت هي تعيد السنة الدراسية للمرة الثالثة وأدينت بتهمة الاغتصاب.
ومع ذلك كانت قادرة على الظهور بمظهر لائق. لقد سمحت لها بأن تنقل فروضي المدرسية، واطلعت على تفاصيل أكثر عن الجريمة التي أدينت بها. ويتحتم علي أن أقول أنها كانت ودودة معي. لماذا كنت على يقين من أن بوتين يحافظ على مظهره أمام القادة الغربيين أو صناع القرار؟ إن جورج بوش انخدع بعيني بوتين. وفي الآونة الأخيرة، حضر العالم في العلوم السياسية إيفان كراستيف مأدبة عشاء لحاشية بوتين في عام ٢٠١٥ بعد ضم شبه جزيرة القرم. قال كراستيف أن الرئيس الروسي كان في مزاج جيد، ويلقي بالنكات. ولما سأل ما إذا كانت روسيا فعلا سوف تغير اتجاه بوصلتها للسياسة الخارجية من أوروبا للصين كما تزعم الدعاية الروسية، أجاب بوتين متبسما: لا، لا، لدينا توجه تقليدي ولا نغيره كما يفعل بعض الناس. وكأنه كان يغمز من قناة جماعة حقوق المثليين في الغرب المشهورة باسم: جاي روب.
ولا يحافظ بوتين بالضرورة على لباقته في المحادثات مع القادة الغربيين. قرأت هذا الصيف كتاباً تحقيقياً جديداً للصحفي الفرنسي نيكولاس هينين: فرنسا الروسية- شبكات بوتين في فرنسا، والذي خصصه لسياسة النفوذ في فرنسا. وقد ساعدني الكتاب على تبصيري أكثر عن أعمال بوتين.
إن كل ناطق بالفرنسية ليتذكر فيديو: ساركوزي السكران أثناء قمة مجموعة الدول الصناعية الثمانية عام ٢٠٠٧. وفيه يقول ساركوزي باللغة الفرنسية: أطلب منكم أن تغفروا لي وصولي متأخراً، وذلك بسبب محادثتي المطولة مع السيد بوتين. كان ساركوزي شاحباً، ومنقطع النفس، وواجماً.
حتى أن ذلك دفع قناةً بلجيكيةٍ للقول أن ساركوزي شرب الفودكا مع بوتين ذلك اليوم. المشكلة هي أن ساركوزي لا يشرب أبدا لدرجة أسخطت منتجي الخمور الفرنسيين وحدا أحدهم للقول بائساً: رئيس لا يشرب هو رئيس لا يحمل ذرة وطنية لخمر بلدنا كمثل شيراك.
وساركوزي الذي قد يصبح مرشحاً في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة هو الآن واحدٌ من أكثر المنافحين الغربيين استماتةً عن بوتين، ولربما أعلاهم صوتاً بعد (الإيطالي) بيرلسكوني. فهو قد حضر منتدى سانت بطرسبرج الاقتصادي وقال: إن شبه جزيرة القرم روسية. ولما كان رئيساً لفرنسا، وقع على بيع حاملة الطائرات المروحية المعروفة باسم ميسترال لروسيا بعد عدوان روسيا على جورجيا. ومكن أيضاً من أعمال البناء لكنسية أرثوذكسية ضخمة تحمل وضعاً دبلوماسياً بجنب برج إيفل. من كان يظن بأن ساركوزي الآن هو نقيض نفسه فقط في عام ٢٠٠٧ قبل قمة الثماني؟
حقائق لا غير
دعم ساركوزي علانية سياسة مؤيدة لحلف شمال الأطلسي ومعادية لبوتين خلال حملته وفي بدايات حملته الانتخابية وفترة توليه الرئاسة. في عام ٢٠٠٦، ذهب إلى الولايات المتحدة ووعد بإيقاف التوبيخ الفرنسي للولايات المتحدة الذي بدأه جاك شيراك. حتى أنه رد على الانتقادات بأنه أطلسي أكثر من الأطلسيين أنفسهم بالقول: إنه يضحكني أن أولئك الذين ينتقدونني للقائي بوش قد صافحوا أنفسهم يدي بوتين. وبحلول عام ٢٠٠٩، استعاد ساركوزي عضوية فرنسا في الوحدات العسكرية لحلف شمال الأطلسي التي علقها شارل ديغول منذ عام ١٩٦٦، كما وعد سابقاً. وبالعودة إلى عام ٢٠٠٧، نجد أن ساركوزي قد دعم أيضاً عضويتي جورجيا وأوكرانيا لبرنامج حلف شمال الأطلسي: الشراكة من أجل السلام. وفي عام ٢٠٠٨، عطل ساركوزي نفسه خطة العمل لعضويتهما.
كشف نيكولاس لينين حدث فعلاً في عام ٢٠٠٧. وقد أشار إلى مصدرٍ حضر اجتماع بوتين بساركوزي.
وإذاً، يخبرنا نيكولاس هينين (في الصفحات ١١٢-١١٣ في كتابه سالف الذكر): من المرجح أن المحادثة التي دارت بين الرئيس الفرنسي ونظيره الروسي في قمة الثمانية في هليجيندام (٢٠٠٧) قد خطت سطور القدر لعلاقتيهما حسب شاهد عيانٍ حضر حديثهما. كان في معية الجانب الفرنسي ٣ أشخاص ومترجمٌ فقط. وكان ساركوزي من ابتدأ الحديث أولاً. وكان ما يزال واثقاً برؤاه، ومؤمناً بأن حواراً مفتوحاً بين شخصين من ذات الرتبة ممكنٌ. ( أنا لست مثل جاك شيراك، معي أنا، سوف نتحدث عن آنا بوليتيكوفسكايا (الاسم الذي يمقته بوتين وقد حذره منه المترجم). استغرق حديث ساركوزي من جانبٍ واحدٍ بضع دقائق، وطوال الوقت كان بوتين يستمع بصمت. في النهاية، توقف ساركوزي، ثم التزم الصمت. قطع بوتين الصمت بجفاء وقال: جميلٌ، هل انتهيت؟ ساركوزي حائرٌ. ( إذاً سوف أشرح لك- واصل بوتين - بلدك كهذا(عمل حركةً بيديه على شكل حلقةٍ صغيرة) وبلدي هكذا ( فرد ذراعيه على مصراعيهما). أو تابع لهجتك معي كهذه وحينها سأسحقك، أو فلتغيرها وحينئذ سوف أجعلك ملكاً على أوروبا.
استعمل بوتين كلمات مسيئة ومهينة لزيادة التأثير. كان ساركوزي مصدوماً، وغادر غاضباً. لقد سقط ذهنياً.
حدث كل هذا في عهد بوتين عام ٢٠٠٧ الذي اتسم نسبياً بالضعف. يخيفني تصور كيف وبأي أسلوب كان بوتين قادراً على القول لزعماء العالمِ على انفرادٍ خلال حواراتهم المفتوحةِ في السنوات التي تلتها. ماذا يقول بوتين الآن للرئيس التركي أردوجان أثناء لقائهما في سانت بطرسبرج: بلدي شاسع! وبالمناسبة أنا أسيطر على الجريمة، أنا على قمة اتحاد المخابرات والعصابات الذي لا يدمر، وقادرون على شن هجماتٍ إرهابيةٍ، سوف أسحقك، هل وصلت؟ (وإذا كان فعلاً هو الحال) بماذا سيجيب أردوجان؟ هل سيعقد مؤتمراً صحفياً؟ أم سيبلغ الاستخبارات الأمريكية؟
لا أظن. فأما بالنسبة لساركوزي فهو أبعد ما يكون عن كونه ضحيةً فقط. بل الغرب كله أبعد ما يكون عن كونه ضحيةً مسكينةً. إن بوتين يعدُ فيوفي. ونيكولاس هينين لفت انتباهي للتالي عندما تواصلت معه: حيث أن ساركوزي يعد من السياسيين الفرنسيين المواليين لبوتين الانتهازيين ويلعب كلعب بوتين، فإن بوتين بالمقابل لا يفوت فرصةً أن يمتدح ساركوزي. وتؤكد الآن الدعاية الرسمية الروسية أن ساركوزي ليس الرئيس السابق ولكنه أيضاً الرئيس المقبل لفرنسا. وسوف يكشف لنا الزمن عن الثمن الحقيقي والقيمة لهذا الدعم.