Mr.Engineer
¬°•| عضو شرف|•°¬
بعيدًا عن الفيس بوك: تعرّف على من يتلاعب بمشاعرك كل يوم
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل بضعةِ أيَّامٍ مَضَت، جاءتنا الأخبار حول فريق من العلماء استخدمته شركة فيس بوك لأداء تجربة على مُستخدمي شبكتها الاجتماعية، تَهْدُفُ إلى تحديدِ ما إذا كان من المُمْكِنِ – أو من غير المُمْكِنِ- نقل حالة معينة من العاطفة إلى عدة أشخاص، من خلال ما يُدْعَى العدوى العاطفية.
وقد أُجْرِيَت التجربة قبل بضعِ سنوات من خلال التلاعُبِ بالحالات العاطفية ومشاعر المُستخَدِمين – وفي هذه الحالة هُمْ أيضًا المُسْتَخدَمين!- عبر تغيير الخوارزمية المُستخدمة لعرض المنشورات على الشبكة الاجتماعية. رُبما هي بضعة أسابيع أخرى، قبل أن ننسى تلاعب الفيس بوك معنا، ويعود الجميع إلى استخدامه دون أي ضَجَر قطّ.
الذي أراه مثيرًا للاهتمام – والسخرية في نفس الوقت- أنه بهذا القدر من سوء ما حدث، كانت ردود أفعال الناس أقل من المتوقع، في حين توجد هناك حالات أخرى كثيرة من التلاعُبِ بالمشاعر في هذا اليوم وهذا العصر، ولا أرى أحدًا يبكي ويسخط منها.
وعلى الرغم من حقيقة أن تجربة فيس بوك كانت لمدة أسبوع متواصل تتلاعب بمشاعرنا، هناك العديد من حالات التلاعب بَدَت لنا مألوفة ومقبولة، لدرجة أن الأمر بلغ التحكُّم في عقول المُستخدِمين – مرة أخرى: أو المُستَخْدَمِين!!- لتصبح خاضعة لسياقٍ ما دون الشعور بوجودها.
حتى لا نُطيل في المُقدّمة – نعم، هذه للأسف مجرد مقدمة!- إليكم ثلاثة أمثلة للتلاعب بمشاعركم بصورةٍ يومية، ولا أحد يشكو منها، وإن شَكَى منها أحدهم، ربما يكون السبب أن من تلاعب به أراد ذلك.
كلامي غير واضح؟ حسنًا، حان وقت الاستفاضة في الحديث:
أ. التلاعب الإعلامي على الإنترنت
أراكم تعتقدون أن وسائل الإعلام – أو بعضها- هي موثوقة وجديرة بالثقة، أليس كذلك؟ جيِّد. المشكلة الوحيدة ها هنا – أكره أن أخبركم بذلك- أن الجزء الأكبر من هذه الأخبار غير صحيح، حتى وإن تمَّت هذه الأخبار بالفعل، فالأمر ليس كما تتوقّعون!
تُشكِّلُ وسائل الإعلام الآن كل شيء تقريبًا، حيث نقرأها، ونسمعها، ونُشاهدها. ببساطة شديدة، أصبحت الأخبار تحتوي على كثيرٍ من المُبالغة والتهويل أو التقليل من الشأن والتبسيط على حدٍّ سواء. وفي الحالات الأكثر تَطرُّفَاً، يتم التشويه والتلفيق.
بالتأكيد هُناك من لا يُرحِّب بكلماتي تلك – بانتظار النُقَّادِ في التعليقات! ولا يتَّفق معها، لكني أعود باللومِ من جديد على وسائل الإعلام التي فقدت موثوقيتها. إنها باختصار لم تَعُد تُعْلِمَ الناس، وإنما تجبرهم على قراءة الأشياء.
المُستخدِمون – أو الـ.. حسنًا لا مزيد من الملل!- لا يهتمُّون ما إذا كانت الأخبار صحيحة أم لا، هل هي ذات جودة أم لا، فقط ضع إحدى الشائعات، وعُنوانٌ جذَّاب، والكل سيدخُل إلى الخبر، سواء كان لمجرد الفضول أو بسبب تخدير العنوان للمخ بسبب نقص المعلومات الحقيقية عن ذلك الخبر، لا يهم أيهما يأتي أولًا.
ويبدو لي، أنه لسببٍ ما، تحوَّلَت وسائل الإعلام من كونها وسيلة لإيصال المعلومات للجمهور، إلى وسيلة من وسائل الترفيه. وأفضل وسائل الترفيه، هي ما يكون وراءها مجموعة ما أو جماعة ما تبذل المزيد من الأموال؛ للحفاظ على استمرار غلق هذه الدائرة بإحكام على عقول جمهورها.
بعبارة أخرى: لا يهم أن تستفيضوا في عملية البحث للتأكُّدِ من حصولكم على المعلومات الصحيحة، فقط تأكدوا عند مُشاهدة أي خبر أو مقال، أنه يحمل قيمةً ما، وليس لمجرد جذبِ معظم القُرَّاء.
إن لم يتَّضح لكم ما الذي أعنيه بذلك، فإن ما أقصده هو – للأسف- هناك الكثير من وسائل الإعلام تجُرّكم جرًّا إليها دون أن تُشعركم بذلك، لكن الحصول على اهتمامكم فقط هو الوسيلة والغاية، الأمر الذي سيجلب – فيما بعد- السعادة والسرور للمُعْلِنين.
لذلك، هل يُمكنكم أن تتصوَّروا أنكم تُتابعون كل ما يحدث في جميع أنحاء العالم؟ الحقيقة هي مجرد خداع لأجل النقر، ثم النقر، ثم الُمشاركة، ثم جلب المزيد من أصدقائكم المخدوعين أمثالكم. هذا يا أصدقائي هو التَّلاعُب.
قبل أن أنتهي من هذا الجانب، تذكَّروا أنني لم أخبركم بذلك من أجل التخوين، أو أنني أنصح بعدم قراءة أي شيء على الإنترنت، والعودة للعصر الحجري وإرسال الأخبار على لحاء شجرة أو مع حمامة زاجلة. كل ما ذكرته لكم أن هناك لُعبة، إذا أردتم الخوض فيها، عليكم فقط بأن تتذكروا قواعدها، التي من خلالها تستطيعون إدراك الوقت المُناسب للتوقُّف عن اللَعِب!
ب. التلاعب التسويقي
هناك احتمال أن العديد منكم يُدرك ذلك جيدًا، وأنَّكم متفقون مع ما أنا على بصدد قوله، سأكتبه على أي حال: إذا كنتم تعتقدون أن الإعلانات هدفها هو الترويج لـ (المنتجات-السلع-الخدمات) المعروضة للشراء، فأنتم مخطئون خطأً فادحًا حيال ذلك!
لا داعي كي يتفاجأ عقلكم الواعي عند قراءة العبارة السابقة، بل أرى أنه يتحتّم علي إخباركم بسرٍّ صغير. باختصار: كل الأشياء التي يتم الإعلان عنها في المجلات والصحف وعلى شاشة التلفاز، مع اختلاف أنواعها وشرائحها، إلا أن المنهج المُتَّبع واحد، وما يتم التلاعب عليه هو أمر واحد، والمُستهدف هو شخص واحد: أنت.
مرة أخرى أسمع أصوات الضجر والاختلاف، لا يهم، دعوني فقط أنتهي من المقال و”خذوا راحتكم!” بعد ذلك. الناس لا ترغب في امتلاك شيء واحد أو اثنين أو أكثر، وذلك حتى يشعروا بالرضا عن أنفسهم، والفخر عند التحدث حول ما يملكونه مع الآخرين. إنه ذلك الشعور الذي يُحدِّثكم “لا تقلق، أنت لست أقل ممن يكلمك الآن، أنت مثله، أنت تملك هاتفًا حديثًا مثله، سيارة جديدة مثله، منزلًا فخمًا مثله، سعيدًا مثله، …الخ”. إنها الرغبة يا حضرات.
تستخدم وكالات – أو أفراد- التسويق هذه الرغبة لصالحها عند تصميم الحملات، ستلاحظون أن معظم الإعلانات التجارية تهتم بأمر واحد، وهو الأمر الذي سيعود عليكم عند شراء هذا المنتج، وأن حياتكم ستتحوّل تمامًا، وسيظهر قوس قزح من حولك، ولن يتركك وشأنك حتى في الحمَّام!
هل أُبالغ؟ موافق، لنعتبر أنني قد بالغت قليلًا. لكن كل ما أعنيه أن الحقيقة هي خلاف ما نراه في الإعلانات التجارية، عن نفسي لم أشعر أنني بتلك النشوة من الرقص والغناء عند فتح علبة صودا “كانز”. ولا أظن أن أحدكم يرتسم على وجهه تلك الابتسامة العريضة دومًا عند كل استحمام لمجرد استخدامه لتلك الصابونة الفلانية، أو النوع الفلاني من الشاور جل.
بكل بساطة، العديد من الحملات التسويقية – الإعلانات- لا تفشل؛ لأنهم بدلًا من التركيز على أهم خصائص هذا المنتج بأسلوبٍ جذاب ويحترم العقول، فإنهم يُصوّرون لكم وهْمًا ليس له أي علاقة لا بالواقع أو المنتج، وأن حياتكم لن تكون أروع مما أنتم عليه الآن إلا بالمنتج.
إليكم مقولة أحدهم (بتصرف) “تلعب الإعلانات إمَّا على رغبة موجودة أو مفقودة، ثم التركيز عليها للتأثير على عقلك الباطن؛ حتى تظن أن العلكة ستجعل منكِ شخصًا محبوبًا للجميع، أو أن معجون الأسنان سيجعل منكَ إنسانًا جذَّابًا للنساء، وأن لون بشرتكِ رديء طالما لا تستخدمين كريم التفتيح، وأنك بدون استخدام الشامبو فأنت لا تثق في نفسك، وأن السمراء ستصبح شقراء، والسمينة ستصبح نحيفة، وأن هذا الجل سيجعل منكَ مشهورًا، ومسحوق الغسيل سيمنحك حياة زوجية سعيدة، وأن جميع النساء فاتنات متبرجات، وأن جميع الرجال حتى النحيف منهم لديهم عضلات أسفل ملابسهم… الخ”.
ختامًا لهذه النقطة، لا أنكر أن التسويق أمر ضروري لتعزيز الأعمال التجارية وزيادة المبيعات، لكن علينا التفرقة بين ما يحترم العقول، وبين ما جُلَّ همَّه الدندنة ثم الدندنة من أجل زرع ودسّ فكرة بداخلكم. آخر شيء، الحملات التسويقية ربما لا تكون من أجل منتج يُباع وحسب، بل وهناك ما هو من أجل تغيير أنماط التفكير والعقول. فانتبهوا.
ج. التلاعب السياسي
امممم، وإن كان هذا هو المثال الأخير اليوم من أنواع التلاعب اليومي، إلا أنني لا أعلم من أين أبدأ فيه لعمقه. بداية لابد من معرفة أن الأمر لا يرتبط بجهةٍ ما أو حكومة ما. بل كل من يغوص في السياسة قد يتلاعب بكم سياسًا.
دعوني ألخص مبدأ التلاعب السياسي في جملة سهلة على العقول والأذهان: أن أقنعك للقيام بما أريده منك دون أن أطلبه منك. هذا هو التلاعب السياسي باختصار!
وإن كان الأمر يتشابه مع التسويق في بضعة أساسيات، لكن المشكلة أن الكثير والكثير هم ضحايا التلاعب السياسي، وهم مُقتنعون تمامًا أنهم اختاروا بأنفسهم الطريقة التي يتصرفون بها. وغني عن القول إن الحقيقة بعيدة عن ذلك تمامًا.
مثال على ذلك، اعترفت الحكومة الأمريكية أنها هي من تسببت في الثورات العربية، وبالرغم من ذلك، لا يزال هناك من يقول إنه هو من قام بالثورة دون أن يفرض عليه أحد القيام بذلك وبدون توجُّه معين و و و. هذا هو التلاعب السياسي.
أنت من تدور حوله الدوائر، وبعدما أن يتلاعب بك وبمشاعرك على وتر الفقر، وقلة الرخاء، والظلم، والفساد. وأنه في عام كذا سينضب البترول، وفي عام كذا سنعيش في وحل الفقر. والترويج للتهديدات؛ ينتظرون منك وحدك رد الفعل وكأنه نابع من شخصك.
لن أخوض كثيرًا في التلاعب السياسي لأنه مُعقَّد، لكن عليّ تذكيركم بما يحدث الآن في الدول العربية إثر ما يفعله “مُهيِّجِي النفوس” الآن، والحمد لله على نعمة الأمن والأمان في بلادنا الحبيبة السعودية، ومصر، والإمارات، وسائر الدول الشقيقة.
وفي نهاية الأمر..
لذلك فإن لديكم ثلاثة أمثلة للتلاعب اليومي بمشاعركم دون أن يلاحظها أحد، على الرغم أن البعض قد يرى استعطافًا يستنكره، أو باطلًا يرفضه، لكن طالما أن سمحت لنفسك بالمتابعة اليومية لهذه الأمور والأباطيل، سيتم التلاعب بك حتمًا ولابُدّ في يومٍ ما، وبدلًا من أن تكونوا مُتحكِّمين فيما ترغبون كمُسْتَخدِمين، ستتحوَّلُون إلى مُجرَّدِ …
أراكم على خير.
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل بضعةِ أيَّامٍ مَضَت، جاءتنا الأخبار حول فريق من العلماء استخدمته شركة فيس بوك لأداء تجربة على مُستخدمي شبكتها الاجتماعية، تَهْدُفُ إلى تحديدِ ما إذا كان من المُمْكِنِ – أو من غير المُمْكِنِ- نقل حالة معينة من العاطفة إلى عدة أشخاص، من خلال ما يُدْعَى العدوى العاطفية.
وقد أُجْرِيَت التجربة قبل بضعِ سنوات من خلال التلاعُبِ بالحالات العاطفية ومشاعر المُستخَدِمين – وفي هذه الحالة هُمْ أيضًا المُسْتَخدَمين!- عبر تغيير الخوارزمية المُستخدمة لعرض المنشورات على الشبكة الاجتماعية. رُبما هي بضعة أسابيع أخرى، قبل أن ننسى تلاعب الفيس بوك معنا، ويعود الجميع إلى استخدامه دون أي ضَجَر قطّ.
الذي أراه مثيرًا للاهتمام – والسخرية في نفس الوقت- أنه بهذا القدر من سوء ما حدث، كانت ردود أفعال الناس أقل من المتوقع، في حين توجد هناك حالات أخرى كثيرة من التلاعُبِ بالمشاعر في هذا اليوم وهذا العصر، ولا أرى أحدًا يبكي ويسخط منها.
وعلى الرغم من حقيقة أن تجربة فيس بوك كانت لمدة أسبوع متواصل تتلاعب بمشاعرنا، هناك العديد من حالات التلاعب بَدَت لنا مألوفة ومقبولة، لدرجة أن الأمر بلغ التحكُّم في عقول المُستخدِمين – مرة أخرى: أو المُستَخْدَمِين!!- لتصبح خاضعة لسياقٍ ما دون الشعور بوجودها.
حتى لا نُطيل في المُقدّمة – نعم، هذه للأسف مجرد مقدمة!- إليكم ثلاثة أمثلة للتلاعب بمشاعركم بصورةٍ يومية، ولا أحد يشكو منها، وإن شَكَى منها أحدهم، ربما يكون السبب أن من تلاعب به أراد ذلك.
كلامي غير واضح؟ حسنًا، حان وقت الاستفاضة في الحديث:
أ. التلاعب الإعلامي على الإنترنت
أراكم تعتقدون أن وسائل الإعلام – أو بعضها- هي موثوقة وجديرة بالثقة، أليس كذلك؟ جيِّد. المشكلة الوحيدة ها هنا – أكره أن أخبركم بذلك- أن الجزء الأكبر من هذه الأخبار غير صحيح، حتى وإن تمَّت هذه الأخبار بالفعل، فالأمر ليس كما تتوقّعون!
تُشكِّلُ وسائل الإعلام الآن كل شيء تقريبًا، حيث نقرأها، ونسمعها، ونُشاهدها. ببساطة شديدة، أصبحت الأخبار تحتوي على كثيرٍ من المُبالغة والتهويل أو التقليل من الشأن والتبسيط على حدٍّ سواء. وفي الحالات الأكثر تَطرُّفَاً، يتم التشويه والتلفيق.
بالتأكيد هُناك من لا يُرحِّب بكلماتي تلك – بانتظار النُقَّادِ في التعليقات! ولا يتَّفق معها، لكني أعود باللومِ من جديد على وسائل الإعلام التي فقدت موثوقيتها. إنها باختصار لم تَعُد تُعْلِمَ الناس، وإنما تجبرهم على قراءة الأشياء.
المُستخدِمون – أو الـ.. حسنًا لا مزيد من الملل!- لا يهتمُّون ما إذا كانت الأخبار صحيحة أم لا، هل هي ذات جودة أم لا، فقط ضع إحدى الشائعات، وعُنوانٌ جذَّاب، والكل سيدخُل إلى الخبر، سواء كان لمجرد الفضول أو بسبب تخدير العنوان للمخ بسبب نقص المعلومات الحقيقية عن ذلك الخبر، لا يهم أيهما يأتي أولًا.
ويبدو لي، أنه لسببٍ ما، تحوَّلَت وسائل الإعلام من كونها وسيلة لإيصال المعلومات للجمهور، إلى وسيلة من وسائل الترفيه. وأفضل وسائل الترفيه، هي ما يكون وراءها مجموعة ما أو جماعة ما تبذل المزيد من الأموال؛ للحفاظ على استمرار غلق هذه الدائرة بإحكام على عقول جمهورها.
بعبارة أخرى: لا يهم أن تستفيضوا في عملية البحث للتأكُّدِ من حصولكم على المعلومات الصحيحة، فقط تأكدوا عند مُشاهدة أي خبر أو مقال، أنه يحمل قيمةً ما، وليس لمجرد جذبِ معظم القُرَّاء.
إن لم يتَّضح لكم ما الذي أعنيه بذلك، فإن ما أقصده هو – للأسف- هناك الكثير من وسائل الإعلام تجُرّكم جرًّا إليها دون أن تُشعركم بذلك، لكن الحصول على اهتمامكم فقط هو الوسيلة والغاية، الأمر الذي سيجلب – فيما بعد- السعادة والسرور للمُعْلِنين.
لذلك، هل يُمكنكم أن تتصوَّروا أنكم تُتابعون كل ما يحدث في جميع أنحاء العالم؟ الحقيقة هي مجرد خداع لأجل النقر، ثم النقر، ثم الُمشاركة، ثم جلب المزيد من أصدقائكم المخدوعين أمثالكم. هذا يا أصدقائي هو التَّلاعُب.
قبل أن أنتهي من هذا الجانب، تذكَّروا أنني لم أخبركم بذلك من أجل التخوين، أو أنني أنصح بعدم قراءة أي شيء على الإنترنت، والعودة للعصر الحجري وإرسال الأخبار على لحاء شجرة أو مع حمامة زاجلة. كل ما ذكرته لكم أن هناك لُعبة، إذا أردتم الخوض فيها، عليكم فقط بأن تتذكروا قواعدها، التي من خلالها تستطيعون إدراك الوقت المُناسب للتوقُّف عن اللَعِب!
ب. التلاعب التسويقي
هناك احتمال أن العديد منكم يُدرك ذلك جيدًا، وأنَّكم متفقون مع ما أنا على بصدد قوله، سأكتبه على أي حال: إذا كنتم تعتقدون أن الإعلانات هدفها هو الترويج لـ (المنتجات-السلع-الخدمات) المعروضة للشراء، فأنتم مخطئون خطأً فادحًا حيال ذلك!
لا داعي كي يتفاجأ عقلكم الواعي عند قراءة العبارة السابقة، بل أرى أنه يتحتّم علي إخباركم بسرٍّ صغير. باختصار: كل الأشياء التي يتم الإعلان عنها في المجلات والصحف وعلى شاشة التلفاز، مع اختلاف أنواعها وشرائحها، إلا أن المنهج المُتَّبع واحد، وما يتم التلاعب عليه هو أمر واحد، والمُستهدف هو شخص واحد: أنت.
مرة أخرى أسمع أصوات الضجر والاختلاف، لا يهم، دعوني فقط أنتهي من المقال و”خذوا راحتكم!” بعد ذلك. الناس لا ترغب في امتلاك شيء واحد أو اثنين أو أكثر، وذلك حتى يشعروا بالرضا عن أنفسهم، والفخر عند التحدث حول ما يملكونه مع الآخرين. إنه ذلك الشعور الذي يُحدِّثكم “لا تقلق، أنت لست أقل ممن يكلمك الآن، أنت مثله، أنت تملك هاتفًا حديثًا مثله، سيارة جديدة مثله، منزلًا فخمًا مثله، سعيدًا مثله، …الخ”. إنها الرغبة يا حضرات.
تستخدم وكالات – أو أفراد- التسويق هذه الرغبة لصالحها عند تصميم الحملات، ستلاحظون أن معظم الإعلانات التجارية تهتم بأمر واحد، وهو الأمر الذي سيعود عليكم عند شراء هذا المنتج، وأن حياتكم ستتحوّل تمامًا، وسيظهر قوس قزح من حولك، ولن يتركك وشأنك حتى في الحمَّام!
هل أُبالغ؟ موافق، لنعتبر أنني قد بالغت قليلًا. لكن كل ما أعنيه أن الحقيقة هي خلاف ما نراه في الإعلانات التجارية، عن نفسي لم أشعر أنني بتلك النشوة من الرقص والغناء عند فتح علبة صودا “كانز”. ولا أظن أن أحدكم يرتسم على وجهه تلك الابتسامة العريضة دومًا عند كل استحمام لمجرد استخدامه لتلك الصابونة الفلانية، أو النوع الفلاني من الشاور جل.
بكل بساطة، العديد من الحملات التسويقية – الإعلانات- لا تفشل؛ لأنهم بدلًا من التركيز على أهم خصائص هذا المنتج بأسلوبٍ جذاب ويحترم العقول، فإنهم يُصوّرون لكم وهْمًا ليس له أي علاقة لا بالواقع أو المنتج، وأن حياتكم لن تكون أروع مما أنتم عليه الآن إلا بالمنتج.
إليكم مقولة أحدهم (بتصرف) “تلعب الإعلانات إمَّا على رغبة موجودة أو مفقودة، ثم التركيز عليها للتأثير على عقلك الباطن؛ حتى تظن أن العلكة ستجعل منكِ شخصًا محبوبًا للجميع، أو أن معجون الأسنان سيجعل منكَ إنسانًا جذَّابًا للنساء، وأن لون بشرتكِ رديء طالما لا تستخدمين كريم التفتيح، وأنك بدون استخدام الشامبو فأنت لا تثق في نفسك، وأن السمراء ستصبح شقراء، والسمينة ستصبح نحيفة، وأن هذا الجل سيجعل منكَ مشهورًا، ومسحوق الغسيل سيمنحك حياة زوجية سعيدة، وأن جميع النساء فاتنات متبرجات، وأن جميع الرجال حتى النحيف منهم لديهم عضلات أسفل ملابسهم… الخ”.
ختامًا لهذه النقطة، لا أنكر أن التسويق أمر ضروري لتعزيز الأعمال التجارية وزيادة المبيعات، لكن علينا التفرقة بين ما يحترم العقول، وبين ما جُلَّ همَّه الدندنة ثم الدندنة من أجل زرع ودسّ فكرة بداخلكم. آخر شيء، الحملات التسويقية ربما لا تكون من أجل منتج يُباع وحسب، بل وهناك ما هو من أجل تغيير أنماط التفكير والعقول. فانتبهوا.
ج. التلاعب السياسي
امممم، وإن كان هذا هو المثال الأخير اليوم من أنواع التلاعب اليومي، إلا أنني لا أعلم من أين أبدأ فيه لعمقه. بداية لابد من معرفة أن الأمر لا يرتبط بجهةٍ ما أو حكومة ما. بل كل من يغوص في السياسة قد يتلاعب بكم سياسًا.
دعوني ألخص مبدأ التلاعب السياسي في جملة سهلة على العقول والأذهان: أن أقنعك للقيام بما أريده منك دون أن أطلبه منك. هذا هو التلاعب السياسي باختصار!
وإن كان الأمر يتشابه مع التسويق في بضعة أساسيات، لكن المشكلة أن الكثير والكثير هم ضحايا التلاعب السياسي، وهم مُقتنعون تمامًا أنهم اختاروا بأنفسهم الطريقة التي يتصرفون بها. وغني عن القول إن الحقيقة بعيدة عن ذلك تمامًا.
مثال على ذلك، اعترفت الحكومة الأمريكية أنها هي من تسببت في الثورات العربية، وبالرغم من ذلك، لا يزال هناك من يقول إنه هو من قام بالثورة دون أن يفرض عليه أحد القيام بذلك وبدون توجُّه معين و و و. هذا هو التلاعب السياسي.
أنت من تدور حوله الدوائر، وبعدما أن يتلاعب بك وبمشاعرك على وتر الفقر، وقلة الرخاء، والظلم، والفساد. وأنه في عام كذا سينضب البترول، وفي عام كذا سنعيش في وحل الفقر. والترويج للتهديدات؛ ينتظرون منك وحدك رد الفعل وكأنه نابع من شخصك.
لن أخوض كثيرًا في التلاعب السياسي لأنه مُعقَّد، لكن عليّ تذكيركم بما يحدث الآن في الدول العربية إثر ما يفعله “مُهيِّجِي النفوس” الآن، والحمد لله على نعمة الأمن والأمان في بلادنا الحبيبة السعودية، ومصر، والإمارات، وسائر الدول الشقيقة.
وفي نهاية الأمر..
لذلك فإن لديكم ثلاثة أمثلة للتلاعب اليومي بمشاعركم دون أن يلاحظها أحد، على الرغم أن البعض قد يرى استعطافًا يستنكره، أو باطلًا يرفضه، لكن طالما أن سمحت لنفسك بالمتابعة اليومية لهذه الأمور والأباطيل، سيتم التلاعب بك حتمًا ولابُدّ في يومٍ ما، وبدلًا من أن تكونوا مُتحكِّمين فيما ترغبون كمُسْتَخدِمين، ستتحوَّلُون إلى مُجرَّدِ …
أراكم على خير.
التعديل الأخير: