`¤*«مُحمدْ البادِيْ»*-¤
¬°•| غَيثُ مِن الَعطاء ُ|•°¬
يمكن لأحد ما أن يستنتج من الإستهلالية أن كتاب : تغييب العقل المسلم لكاتبه روبرت ريلي سيثير لغطا كثيرا. وسيشعل العنوان لوحده شرارة من الغضب، والنزاع. ولكن، عندما يقرأ القارئ محتوى الكتاب، سيجد هنالك فكرة تحمس النقاش حول تبعات إعتقادات معينة.
المسألة المحورية في هذا الكتاب هي ( حكاية استمساك الإسلام بدور المنطق بعد إذ عرضه الفاتحون للفكر الإغريقي، وفقدانه في النهاية في خضم الصراع المميت الذي تلا ذلك). يقارن ريلي ذلك بما فعله الغرب لمعالجة بعض من عين تالك المسائل. (القدريه (الرب ذاته العلية), والجبرية (لا سبب ولا نتيجة في النظام الطبيعي) التي وجدت عند علماء الكلام المسلمين بين القرنين التاسع والثاني عشر. ولم يلق الغرب كبير أهمية بتلك المسائل حتى جاء ديفيد هيوم وبدأ بالكتابة عنها في القرن الثامن عشر. وبحلول ذلك العصر، تولد اقرار بالحقيقة كاف لمجابهة الهجمة... وللأسف، لم يكن الحال كذلك في الإسلام السني الذي ولجت إليه هذه الأفكار قبل ذلك بوقت مبكر.
استكشف ريلي تأريخ تطور الفكر عند المسلمين. في البداية، لما اتصل الإسلام بالفلسفة الغربية، حصل الكثير من التفاعل. وكان أحد الصراعات المبكرة بين إرادة الإنسان الحرة، وبين القدر. ونشب هذا الصراع حول تفسير الآيات المحكمات في القرآن، وثار الجدل أيضا حول ما إذا كان القرآن حادثا مخلوقا أم خالدا غير مخلوق. وحدت فكرة القرآن خالدا أو غير مخلوق من قدرة العقلانية على التعمق في تفسير القرآن.
قاد تطور التدبر عند المسلم للقرآن، ولإرادة الله إلى استبدال السببية بالعقلانية. كذلك، تعين هجر هذا النقاش العقلاني بسبب أن القرآن مشيئة الله والتي لم تقر صراحة علم الكلام (فرع من الفلسفة وعلم الكلام عند المسلمين). وأكثر من ذلك، استتبع هذا تدمير فكرة استقلالية الفكر حيث يمكن للمنطق فقط أن يؤير تأثيرا فاعلا ضمن منظومة الوحي.
أضف إلى ذلك أيضا أن الخلق نفسه ليس له سبب أصيل. كل لحظة هي تجلي فقط ثانية بثانية لمشيئة الرب. بينما قد يسارع أحدهم للقول بأن المسيحية هي نفسها كذلك (وبعض فروعها في الواقع تعتنق هذا المذهب) إلا أن هناك تمييزا مهما بين كلتي النظرتين، فوجهة النظر المسحية للرب تصور أفعال الرب أنها نابعة من طبيعته، وعليه فإنه سيعمل ضمن الوعود التي قطعها على نفسه، والحدود التي اختطها لنفسه. وترى معظم التصورات المسيحية الرب على أنه عاقل أصيل، وأنه يقضي وفق أساليب عقلانية. ولذا حيث أن الخلق يحدث في الواقع لحظة بلحظة بمشيئة الرب، فإنه لا يغير من مشيئته عشوائيا. ويجادل ريلي بأن تصور المسلم للرب أن إرادته مطلقة (في مقابل طبيعته) وعليه فهناك حتمية مطلقة. ويمكن لله في أية لحظة أن يشاء شيئا لم يشأه من قبل. زد عليه أن لا أحد يمكنه أن يقول أن أحدا يعرف الرب بسبب أنه مشيئته علية. وفي المشيئة العلية لا يوجد سبب وراء أي فعل معين، ولذا لا سبيل لمعرفة الرب معرفة أصيلة.
وعاقبة أخرى لتصوير الرب على أن ذاته علية أن الخير والشر هما مصطلحان خاويان من الأساس. ( فإذا الله ذو إرادة علية، فالخير والشر هما حكم الله – فبعض الأشياء حلال (مشروعة/ جائزة) وأخرى حرام (ممنوعة/ غير مشروعة) لأنها بكل يسر سببها أن الله قال كذلك، وليس بسبب أشياء في حد ذاتها. وبذلك فإن حكم الله فوق حكم المخلوقين، وأن جعل الشر شرا لا معنى له حيث إن الشر ليس إلا ما حرمه الرب. وإيمان هذا أساسه هو جبري.
وينافح ريلي أن أؤلئك المعتقدات جرت كذلك عواقب وخيمة على الإسلام في المجال السياسي. وقوضت هذه المواقف العقدية من قمية البشر الأصيلة، وأحلت في الصدارة القوة على المنطق. وتكون الديموقراطية هي الجواب على سؤال لم يطرحه العالم المسلم بعد، فإذا كان الرب ذو إرادة علية، فإن خلفاءه في الأرض يعملون فقط وفق ما يبدو له، وتكون أحكامهم مثل حكمه في العشوائية ف(مسؤولية الإنسان أن يطيع فقط). وأخيرا، ( لا أساس إنطلوجيا للمساواة في حقوق الإنسان في الإسلام الذي شرعن التفرقة بين الرجل والمرأة، بين المؤمن وغير المؤمن، بين الحر والعبد.
على أن تلك العواقب أوغلت بعيدا، وأصابت العلوم أيضا. فإذا كانت إرادة الله تحدث جميع الأشياء، فتفسيرنا لتلك الأشياء تفسيرا طبيعيا هو سب لله. فبدل أن نقول بأن الهيدروجين والأكسجين ينتجان الماء، قيل للناس أن يقولوا: عندما نجلب الهيدروجين والأكسجين معا، يخلق الماء بمشيئة الله. وإنكار مسبب ثاني يمس بالطبع حقولا في الحياة أكثر واقعية كذلك. وفي الأخير، إذا أراد الله شيئا ليحدث، فإنه سيحدث، وإلا فلن يحدث.
ويستعرض ريلي عددا من المصادر المعاصرة، مثبتا كيف أن هذه المسائل قوضت تقويضا جذريا في العالم المسلم حيث يمكن لأي شيء أن يمرر كقصة إخبارية أو أي شيء على أنه صحيح. أضف إلى ذلك أن العالم الإسلامي ينزع نحو التخلف والأمية. ويجادل بأن بعضا من ذلك يعود إلى تبعات المعتقدات المذكورة أعلاه.
تأريخيا، أطلت معضلة الإسلام بين العقل والحتمية برأسها عندما بدأ الفاتحون المسلمون في التقهقر. عندما وقعت الهزائم، تعين على المسلمين أن يتساءلوا لماذا ينهزمون في الوقت الذي نفترض فيه أن مشيئة الله شاءت لهم النصر. صورها بعضهم على أنها نتيجة لجمود التطور الفكري والمعرفي في العالم الإسلامي. على أن آخرين رأوها حاجة للعودة إلى الإسلام الأول، والتطرف أكثر. وبذلك فإن العالم الإسلامي والقول لريلي يواجه محنة: هل يمكن إعادة بعث المنطق في علم الكلام المسلم، وإحيائه في جميع أوجه الحياة، وبالتالي تحرير العالم الإسلامي من ربقة القدرية؟ أو سوف يمضي الإسلام في طريقه، ويعظم الجبرية الراديكالية للطبيعة والرب في حين يرمي المنطق وراءه ظهريا؟ يالها من محنة.
ويلفت النظر أن ريلي دعم فرضياته باقتباسات من فلاسفة ومتكلمين مسلمين عديدين. واقتبس في عمله كله من عدد كبير من العلماء من مصادر حديثة وقديمة. وما تعج به هذه الإقتبسات هو أن أفكاره لم توجد من العدم، بل إن فرضية أن المشيئة المطلقة، والمتصرفة، والعشوائية لله من وراء كل حادث تقوض المنطقية.
ومن المثير للإهتمام حول هذه الفكرة أن نشير بإيجاز إلى أن بعضا من تلك الفرضيات توجد في فروع معينة للمسيحية. فمتى نصبت مشيئة الرب على أنها المصدر المطلق لكل حادث على الأرض (القدرية/الجبرية) وليس كونها مشيئة إلهية توجه مثل هذه الأعمال، سيصيب المنطق والعقلانية بكل يسر مثل ما أصابهما عند تطور الفكر المسلم. وبالمثل، إذا عد الكتاب المقدس فوق أي بحث عقلاني لتفسير معانيه، فستستبدل القدرات الفكرية للإنسان بالإيمان الأعمى. وعليه يخدم كتاب ريلي كونه تحذيرا للمسيحين من الخوض في مثل هذه الآراء المذهبية، وهو أيضا دعوة للمسلمين للعودة إلى عقلنة إيمانهم.
[ترجمتي]
المسألة المحورية في هذا الكتاب هي ( حكاية استمساك الإسلام بدور المنطق بعد إذ عرضه الفاتحون للفكر الإغريقي، وفقدانه في النهاية في خضم الصراع المميت الذي تلا ذلك). يقارن ريلي ذلك بما فعله الغرب لمعالجة بعض من عين تالك المسائل. (القدريه (الرب ذاته العلية), والجبرية (لا سبب ولا نتيجة في النظام الطبيعي) التي وجدت عند علماء الكلام المسلمين بين القرنين التاسع والثاني عشر. ولم يلق الغرب كبير أهمية بتلك المسائل حتى جاء ديفيد هيوم وبدأ بالكتابة عنها في القرن الثامن عشر. وبحلول ذلك العصر، تولد اقرار بالحقيقة كاف لمجابهة الهجمة... وللأسف، لم يكن الحال كذلك في الإسلام السني الذي ولجت إليه هذه الأفكار قبل ذلك بوقت مبكر.
استكشف ريلي تأريخ تطور الفكر عند المسلمين. في البداية، لما اتصل الإسلام بالفلسفة الغربية، حصل الكثير من التفاعل. وكان أحد الصراعات المبكرة بين إرادة الإنسان الحرة، وبين القدر. ونشب هذا الصراع حول تفسير الآيات المحكمات في القرآن، وثار الجدل أيضا حول ما إذا كان القرآن حادثا مخلوقا أم خالدا غير مخلوق. وحدت فكرة القرآن خالدا أو غير مخلوق من قدرة العقلانية على التعمق في تفسير القرآن.
قاد تطور التدبر عند المسلم للقرآن، ولإرادة الله إلى استبدال السببية بالعقلانية. كذلك، تعين هجر هذا النقاش العقلاني بسبب أن القرآن مشيئة الله والتي لم تقر صراحة علم الكلام (فرع من الفلسفة وعلم الكلام عند المسلمين). وأكثر من ذلك، استتبع هذا تدمير فكرة استقلالية الفكر حيث يمكن للمنطق فقط أن يؤير تأثيرا فاعلا ضمن منظومة الوحي.
أضف إلى ذلك أيضا أن الخلق نفسه ليس له سبب أصيل. كل لحظة هي تجلي فقط ثانية بثانية لمشيئة الرب. بينما قد يسارع أحدهم للقول بأن المسيحية هي نفسها كذلك (وبعض فروعها في الواقع تعتنق هذا المذهب) إلا أن هناك تمييزا مهما بين كلتي النظرتين، فوجهة النظر المسحية للرب تصور أفعال الرب أنها نابعة من طبيعته، وعليه فإنه سيعمل ضمن الوعود التي قطعها على نفسه، والحدود التي اختطها لنفسه. وترى معظم التصورات المسيحية الرب على أنه عاقل أصيل، وأنه يقضي وفق أساليب عقلانية. ولذا حيث أن الخلق يحدث في الواقع لحظة بلحظة بمشيئة الرب، فإنه لا يغير من مشيئته عشوائيا. ويجادل ريلي بأن تصور المسلم للرب أن إرادته مطلقة (في مقابل طبيعته) وعليه فهناك حتمية مطلقة. ويمكن لله في أية لحظة أن يشاء شيئا لم يشأه من قبل. زد عليه أن لا أحد يمكنه أن يقول أن أحدا يعرف الرب بسبب أنه مشيئته علية. وفي المشيئة العلية لا يوجد سبب وراء أي فعل معين، ولذا لا سبيل لمعرفة الرب معرفة أصيلة.
وعاقبة أخرى لتصوير الرب على أن ذاته علية أن الخير والشر هما مصطلحان خاويان من الأساس. ( فإذا الله ذو إرادة علية، فالخير والشر هما حكم الله – فبعض الأشياء حلال (مشروعة/ جائزة) وأخرى حرام (ممنوعة/ غير مشروعة) لأنها بكل يسر سببها أن الله قال كذلك، وليس بسبب أشياء في حد ذاتها. وبذلك فإن حكم الله فوق حكم المخلوقين، وأن جعل الشر شرا لا معنى له حيث إن الشر ليس إلا ما حرمه الرب. وإيمان هذا أساسه هو جبري.
وينافح ريلي أن أؤلئك المعتقدات جرت كذلك عواقب وخيمة على الإسلام في المجال السياسي. وقوضت هذه المواقف العقدية من قمية البشر الأصيلة، وأحلت في الصدارة القوة على المنطق. وتكون الديموقراطية هي الجواب على سؤال لم يطرحه العالم المسلم بعد، فإذا كان الرب ذو إرادة علية، فإن خلفاءه في الأرض يعملون فقط وفق ما يبدو له، وتكون أحكامهم مثل حكمه في العشوائية ف(مسؤولية الإنسان أن يطيع فقط). وأخيرا، ( لا أساس إنطلوجيا للمساواة في حقوق الإنسان في الإسلام الذي شرعن التفرقة بين الرجل والمرأة، بين المؤمن وغير المؤمن، بين الحر والعبد.
على أن تلك العواقب أوغلت بعيدا، وأصابت العلوم أيضا. فإذا كانت إرادة الله تحدث جميع الأشياء، فتفسيرنا لتلك الأشياء تفسيرا طبيعيا هو سب لله. فبدل أن نقول بأن الهيدروجين والأكسجين ينتجان الماء، قيل للناس أن يقولوا: عندما نجلب الهيدروجين والأكسجين معا، يخلق الماء بمشيئة الله. وإنكار مسبب ثاني يمس بالطبع حقولا في الحياة أكثر واقعية كذلك. وفي الأخير، إذا أراد الله شيئا ليحدث، فإنه سيحدث، وإلا فلن يحدث.
ويستعرض ريلي عددا من المصادر المعاصرة، مثبتا كيف أن هذه المسائل قوضت تقويضا جذريا في العالم المسلم حيث يمكن لأي شيء أن يمرر كقصة إخبارية أو أي شيء على أنه صحيح. أضف إلى ذلك أن العالم الإسلامي ينزع نحو التخلف والأمية. ويجادل بأن بعضا من ذلك يعود إلى تبعات المعتقدات المذكورة أعلاه.
تأريخيا، أطلت معضلة الإسلام بين العقل والحتمية برأسها عندما بدأ الفاتحون المسلمون في التقهقر. عندما وقعت الهزائم، تعين على المسلمين أن يتساءلوا لماذا ينهزمون في الوقت الذي نفترض فيه أن مشيئة الله شاءت لهم النصر. صورها بعضهم على أنها نتيجة لجمود التطور الفكري والمعرفي في العالم الإسلامي. على أن آخرين رأوها حاجة للعودة إلى الإسلام الأول، والتطرف أكثر. وبذلك فإن العالم الإسلامي والقول لريلي يواجه محنة: هل يمكن إعادة بعث المنطق في علم الكلام المسلم، وإحيائه في جميع أوجه الحياة، وبالتالي تحرير العالم الإسلامي من ربقة القدرية؟ أو سوف يمضي الإسلام في طريقه، ويعظم الجبرية الراديكالية للطبيعة والرب في حين يرمي المنطق وراءه ظهريا؟ يالها من محنة.
ويلفت النظر أن ريلي دعم فرضياته باقتباسات من فلاسفة ومتكلمين مسلمين عديدين. واقتبس في عمله كله من عدد كبير من العلماء من مصادر حديثة وقديمة. وما تعج به هذه الإقتبسات هو أن أفكاره لم توجد من العدم، بل إن فرضية أن المشيئة المطلقة، والمتصرفة، والعشوائية لله من وراء كل حادث تقوض المنطقية.
ومن المثير للإهتمام حول هذه الفكرة أن نشير بإيجاز إلى أن بعضا من تلك الفرضيات توجد في فروع معينة للمسيحية. فمتى نصبت مشيئة الرب على أنها المصدر المطلق لكل حادث على الأرض (القدرية/الجبرية) وليس كونها مشيئة إلهية توجه مثل هذه الأعمال، سيصيب المنطق والعقلانية بكل يسر مثل ما أصابهما عند تطور الفكر المسلم. وبالمثل، إذا عد الكتاب المقدس فوق أي بحث عقلاني لتفسير معانيه، فستستبدل القدرات الفكرية للإنسان بالإيمان الأعمى. وعليه يخدم كتاب ريلي كونه تحذيرا للمسيحين من الخوض في مثل هذه الآراء المذهبية، وهو أيضا دعوة للمسلمين للعودة إلى عقلنة إيمانهم.
[ترجمتي]
التعديل الأخير: