وبينما البنك يفتح أبوابه، إذا برجل في منتصف الأربعينات من العمر، تبدو عليه علامات الضيق والكآبة، يرافقه ابن له في حوالي الخامسة من العمر، يستجدي إحدى الموظفات كي تسمح له بسحب الأربعة ريالات المتبقية له في رصيده!
وأنا أتابع الحوار الماثل أمامي وقعت عيني على خبر صحفي في الصحيفة الموضوعة على الطاولة القريبة. يقول الخبر :"قام أحد المواطنين في إحدى ولايات السلطنة بشراء ثمار نخلة (النشو)بــ1500 ريال عماني. وأكد المواطن على أن ما قام به يأتي في إطار تشجيع المزارع العماني ودعمه".
يا لغرابة الدنيا. أحدهم يأتي من الصباح الباكر منتظراً افتتاح البنك كي ( يترجى ) موظفيه بأن يسمحوا له بسحب مبلغ هزيل هو كل ما تبقى له في حسابه، ربما احتاجه لشراء حليب لطفل رضيع، أو حذاء رخيص لطفله الحافي، أو دواء لا يوجد بالمستشفى لأم عجوز، ولا يهم ما سيحدث بالغد، فهناك ربك كريم. بينما يحتار آخر فيما يفعله بماله الوفير، فيرشده تفكيره إلى شراء خمسة عراجين (عذوق) نخل شبه مستوية، بحجة دعم المزارع العماني وتشجيعه ! وكأن الدنيا عدمت من الفقراء والأيتام والمحتاجين.
وحتى لحظة كتابة هذه السطور لم أجد من يقنعني بعلاقة دفع هذا المبلغ الباهظ بتشجيع الفلاح العماني. وهل لو قام ثري آخر بدفع مبلغ مماثل لصياد اصطاد سمكة برأسين مثلاً، فإن ذلك يدخل في باب تشجيع الصياد العماني!
نحتاج أحياناً إلى التصالح مع نفوسنا. نحتاج كذلك إلى استلهام سير آبائنا ( الأميين) الذين كانوا لا يتركون مناسبة دون أن يقوموا بما يجعلهم يرضون ضمائرهم تجاه خالقهم، وتجاه أهلهم السابقين، فيخرجون الصدقات في كل مناسبة، ويقتسمون اللقمة مع الجار البعيد قبل القريب، ويعتنون بتربية اليتيم القريب وكفالته، لذا لم يكن من السهولة وقتها التفريق بين غنيهم وفقيرهم، شيخهم وصغيرهم.
يا من أعطاك الله من فضله، ويسر عليك من عطائه.. قبل أن تشتري الموديل الأخير من (الجلاكسي) تذكر أن هناك من لا يستطيع دفع أجار بيت متهالك، وقبل أن تحجز لسفرتك الصيفية تخيل وضع مواطن لا يملك شراء جهاز تكييف يخفف عليه حر الصيف وهموم دنياه، وقبل أن تزايد على شراء رقم سيارة مميز، فكر في مدى فرحة طالبة فقيرة حلمت يوماً باستكمال دراستها لولا وضع أسرتها المادي الصعب، وعندما تفكر في الذهاب لأداء مناسك العمرة للمرة الثالثة خلال هذا العام تذكر أنك بمبلغ العمرة تستطيع أن تكسو عشرة أيتام. وقبل أن تفعل كل ذلك اسأل نفسك كذلك: هل أنت ملتزم بأداء الزكاة الواجبة؟ ومتى قمت آخر مرة بإخراج صدقة عنك أو عن أحد من أهلك.
ثم لماذا نشتري أحدث المنتجات، ولماذا نفكر في السفر، ولماذا نحرص على ارتياد أغلى المطاعم، ولماذا نحرص على الحج السنوي، ولماذا ولماذا. أليس من أجل إدخال شيء من السعادة على قلوبنا؟ إذا لماذا لا نشارك الآخرين فرحتنا. لماذا لا تعم الفرحة الجميع. تخيل وأنت تعاني من أرق ليلي أن هناك من يدعو لك الآن لأنك فرجت كربة عنه، وتخيل وأنت غارق في همّ عملي أن هناك طفلاً ترتسم على محياه السعادة بسبب قميص جديد قمت بشرائه له، وتخيل عشرات المواقف المشابهة، وهي مواقف قد لا يكلفك الكثير في سبيل صناعتها.
ترى هل هو أمر صعب أن يفكر كل منا في كل شهر أن يتذكر جاراً أو إنساناً محتاجاً يعرفه، فيجود عليه بمبلغ بسيط، أو يقدم له بعض المساعدات العينية الضرورية. الأمر لا يكلف سوى الرغبة أولاً، ومبلغ بسيط قد لا يتجاوز (5-10) ريالات، وهو مبلغ قد نصرفه يومياً في أمور ربما تكون أقل أهمية.
نعم مجتمعنا بخير، وأهل الخير كثر، والمبادرات الخيرية في ازدياد، فقط اعتبر ما كتبت أنه من باب (وذكّــر..)، فليست مهمتنا أن نريح القارئ. مهمتنا أن يطوي القارئ مقالاتنا فتبدأ متاعبه وتساؤلاته. إن مهمتنا هي تحريك الرؤوس لا إراحتها، فهل سننجح في ذلك؟
وأنا أتابع الحوار الماثل أمامي وقعت عيني على خبر صحفي في الصحيفة الموضوعة على الطاولة القريبة. يقول الخبر :"قام أحد المواطنين في إحدى ولايات السلطنة بشراء ثمار نخلة (النشو)بــ1500 ريال عماني. وأكد المواطن على أن ما قام به يأتي في إطار تشجيع المزارع العماني ودعمه".
يا لغرابة الدنيا. أحدهم يأتي من الصباح الباكر منتظراً افتتاح البنك كي ( يترجى ) موظفيه بأن يسمحوا له بسحب مبلغ هزيل هو كل ما تبقى له في حسابه، ربما احتاجه لشراء حليب لطفل رضيع، أو حذاء رخيص لطفله الحافي، أو دواء لا يوجد بالمستشفى لأم عجوز، ولا يهم ما سيحدث بالغد، فهناك ربك كريم. بينما يحتار آخر فيما يفعله بماله الوفير، فيرشده تفكيره إلى شراء خمسة عراجين (عذوق) نخل شبه مستوية، بحجة دعم المزارع العماني وتشجيعه ! وكأن الدنيا عدمت من الفقراء والأيتام والمحتاجين.
وحتى لحظة كتابة هذه السطور لم أجد من يقنعني بعلاقة دفع هذا المبلغ الباهظ بتشجيع الفلاح العماني. وهل لو قام ثري آخر بدفع مبلغ مماثل لصياد اصطاد سمكة برأسين مثلاً، فإن ذلك يدخل في باب تشجيع الصياد العماني!
نحتاج أحياناً إلى التصالح مع نفوسنا. نحتاج كذلك إلى استلهام سير آبائنا ( الأميين) الذين كانوا لا يتركون مناسبة دون أن يقوموا بما يجعلهم يرضون ضمائرهم تجاه خالقهم، وتجاه أهلهم السابقين، فيخرجون الصدقات في كل مناسبة، ويقتسمون اللقمة مع الجار البعيد قبل القريب، ويعتنون بتربية اليتيم القريب وكفالته، لذا لم يكن من السهولة وقتها التفريق بين غنيهم وفقيرهم، شيخهم وصغيرهم.
يا من أعطاك الله من فضله، ويسر عليك من عطائه.. قبل أن تشتري الموديل الأخير من (الجلاكسي) تذكر أن هناك من لا يستطيع دفع أجار بيت متهالك، وقبل أن تحجز لسفرتك الصيفية تخيل وضع مواطن لا يملك شراء جهاز تكييف يخفف عليه حر الصيف وهموم دنياه، وقبل أن تزايد على شراء رقم سيارة مميز، فكر في مدى فرحة طالبة فقيرة حلمت يوماً باستكمال دراستها لولا وضع أسرتها المادي الصعب، وعندما تفكر في الذهاب لأداء مناسك العمرة للمرة الثالثة خلال هذا العام تذكر أنك بمبلغ العمرة تستطيع أن تكسو عشرة أيتام. وقبل أن تفعل كل ذلك اسأل نفسك كذلك: هل أنت ملتزم بأداء الزكاة الواجبة؟ ومتى قمت آخر مرة بإخراج صدقة عنك أو عن أحد من أهلك.
ثم لماذا نشتري أحدث المنتجات، ولماذا نفكر في السفر، ولماذا نحرص على ارتياد أغلى المطاعم، ولماذا نحرص على الحج السنوي، ولماذا ولماذا. أليس من أجل إدخال شيء من السعادة على قلوبنا؟ إذا لماذا لا نشارك الآخرين فرحتنا. لماذا لا تعم الفرحة الجميع. تخيل وأنت تعاني من أرق ليلي أن هناك من يدعو لك الآن لأنك فرجت كربة عنه، وتخيل وأنت غارق في همّ عملي أن هناك طفلاً ترتسم على محياه السعادة بسبب قميص جديد قمت بشرائه له، وتخيل عشرات المواقف المشابهة، وهي مواقف قد لا يكلفك الكثير في سبيل صناعتها.
ترى هل هو أمر صعب أن يفكر كل منا في كل شهر أن يتذكر جاراً أو إنساناً محتاجاً يعرفه، فيجود عليه بمبلغ بسيط، أو يقدم له بعض المساعدات العينية الضرورية. الأمر لا يكلف سوى الرغبة أولاً، ومبلغ بسيط قد لا يتجاوز (5-10) ريالات، وهو مبلغ قد نصرفه يومياً في أمور ربما تكون أقل أهمية.
نعم مجتمعنا بخير، وأهل الخير كثر، والمبادرات الخيرية في ازدياد، فقط اعتبر ما كتبت أنه من باب (وذكّــر..)، فليست مهمتنا أن نريح القارئ. مهمتنا أن يطوي القارئ مقالاتنا فتبدأ متاعبه وتساؤلاته. إن مهمتنا هي تحريك الرؤوس لا إراحتها، فهل سننجح في ذلك؟