-هذا هو "الملعب"، هكذا يسميه السحرة. هنا سيجتمعون هذه الليلة أيها الديك. هذه الساحة ستمتلئ بأقذر أهل الأرض وسترى منهم أقذر الأفعال. ستراهم عراة سكارى يفعلون كل ما يخطر لك وما لا يخطر ليرضوا شيطانهم الأحمر حين يأتيهم بالجائزة. وربما كانت جائزتهم الموعودة هذه الليلة حميد المسكين ليأكلوه في آخر متعتهم ويختموا به ليلتهم.
-هل جننت يا أرمد؟! لماذا جئت بنا هنا؟
-لا أريدك أن تفكّر بشيء الآن سوى ذلك الجيش الذي لايهزم الذي كنت تحسّ به وأخبرتني عنه. تأكد أنّه معنا. لاتدع للخوف منك شيئاً. نحن أمام لحظة حاسمة. التراجع يعني الهزيمة، والإقدام يعني الانتصار.
-ألا تخشى أن يأكلونا يا أرمد؟.
-ليس علينا القلق بشأن النتائج أيها الديك فهي ليست بيدنا على كل حال. دورنا يبدأ بالنيّة الصالحة وينتهي بالعمل.
-أنا مستعدّ يا أرمد. ماذا تريديني أن أفعل؟.
-هل ترى تلك الشجرة الوحيدة في وسط الساحة؟ أريدك من الآن أن تذهب وتختبئ بين أغصانها العلوية. لا تنظر للأسفل أبداً مهما سمعت من أصوات إن كنت لا تريد أن يصيبك الهلع مما يحدث. ركّز نظرك للأعلى. في منتصف الليل أو قبله أو بعده بقليل سترى جملاً يهبط من السماء بالقرب من الشجرة . قبل هبوطه بقليل أريدك أن تصيح بأقوى ما عندك. سأكون أنا هنا أنتظر صيحتك لأنطلق لهناك. تذكّر أن لدينا فرصة وحيدة وهي أن أصل وذلك الجمل قد برك على الأرض للتو. لو وصلت قبل أن يبرك فسينتبه لي وسيرتفع، وإن وصلت متأخراً فسيكون قد استعاد هيئته، وفي كلا الحالتين سنكون أنا وأنت في خطر عظيم. سيكون المكان ممتلئً بالسحرة وسيحاولون منعي بتصوير أشياء مخيفة لي، لكني لن أرى شيئاً منها وأنا أرتدي هذه النظارة. أنت لا تتوقف عن الصياح حتى أصل، فصوتك سيضمن لي أني في الاتجاه الصحيح.
-أرمد.....ذلك الجمل هو الشيطان الذي سيأتي حاملاً حميد ليأكله السحرة هنا...أليس كذلك؟
-صدّقني أيها الديك أنّي لا أفكّر في أي شيء الآن سوى اللحظة التي سيبرك فيها ذلك الجمل، وكذلك أريدك أنت أن تفعل.
-لا أريد الابتعاد عمّا نحن بصدده.... لكنّي أرى تأثير تلك العشبة الذكرية قد بدأ يظهر عليك يا أرمد، ألن يشكّل لك هذا الأمر مشكلة ما؟!.
-دع هذا الأمر الذي هو شخصي للغاية وانطلق للشجرة بسرعة قبل أن يمتلأ هذا المكان بالسحرة.
برغم كل ما تظاهرت به من شجاعة أمام أرمد إلا أني في الحقيقة كنت أرتعد بداخلي. عندما انحدرت من التلّة للساحة ونظرت ورائي للأعلى حيث يقف أرمد ثم نظرت للمسافة بيني وبين الشجرة التي يفترض بي الإختباء بها كادت رجلاي أن تيبس من الخوف. وقفت لثواني قليلة ولولا صياح أرمد علي بالاسراع نحو الشجرة لما كنت تحركت. انطلقت بأقصى سرعة، مرّة أجري ومرّة أطير. في نصف المسافة نظرت للوراء فإذا بأرمد فوق التلّة لايبدو منه سوى خيال على صفحة الأفق.
عندما اقتربت لمسافة من الشجرة رأيت أن أغصانها عالية وجذعها طويل. كان لابد لي أن أزيد من سرعتي لأقصى حد ثم أحاول الطيران قبلها بمسافة لأتمكن من الوصول للأغصان في الأعلى.صعدت لأعلى غصن وبحثت عن مكان كثيف الأوراق أختبئ فيه. شعرت ببعض الأمان ولكن لبعض الوقت فقط. أول ما أرعبني هو حين حاولت أن أحرك قدمي قليلاً على الغصن فلم أستطع. تخيلت أن الشيطان عرف مكاني وقيدني حتى يأتي ويأكلني. ثم تبينت بعد ذلك أنّي جلست على الصمغ الذي تفرزه الشجرة من أغصانها. بعد انقضاء حوالي الساعة حدث أمر رهيب كاد يخرج قلبي من فمي حينها. كان القمر قد نشر نوره على تلك الساحة، وفي وسط بحر الهدوء سمعت صوت ارتطام شيء ثقيل بالأرض خلفي مباشرة وأحسست أن كتلة هواء مرتّ من فوقي. شعرت بخوف شديد أفقدني القدرة حتى على الالتفات لبعض الوقت. عندما استدرت لأنظر كان هناك في الأسفل على مسافة من الشجرة امرأة كأنها قامت للتو من سقطتها تترنح. كانت تلبس ثوباً داكناً وبلا غطاء على رأسها. وقفت قليلاً ثم مضت مسرعة للبقعة المفتوحة من الساحة الواقعة بيني وبين مكان أرمد. مضى بعض الوقت قبل أن أسمع أصوات حديث متقطعة، ثم أصوات جماعية تردد كلمات غريبة. أخافتني صرخات وبكاء هستيري دام فترة طويلة ثم توقف فجأة. بعد ذلك علت أصوات كثيرة تردد ذات الكلمات الغريبة. بلغ بي الخوف منتهاه حين تقدم صوب الشجرة خيال عاري تماماً عرفت أنها امرأة من شعرها. سقطت تلك المرأة على وجهها قبل أن تصل للشجرة، ظهر حيوان أسود كالكلب وأخذ يلعقها، بعد قليل قامت تلك المرأة وكأنها منتشية بجنون وأخذت تركض عائدة من حيث أتت.تذكّرت نصيحة أرمد بأن لا أنظر لما يحدث في الأسفل، ولو بقيت أنظر لفقدت عقلي.
بقيت هادئاً أمسح بعيني السماء حتى ارتفع القمر وصار فوقي مباشرة. شعور غريب راودني حينها بأن الذي ننتظره قادم. أخذت أصوات السحرة تعلو وهم يرددون تلك الكلمات الغريبة برتابة. خمنّت أن الكلمات ربما تكون اسماً لذلك الشيطان.
أحسست باقتراب الأصوات تجاهي. توقعتها استعداداً لوصول ألشخص الأهم في الاحتفال. لم يخب ظنّي، كان هناك شيء ما معلّق في الهواء على ارتفاع كبير يتجه نحونا بهدوؤ من جهة الشرق. اضطربت بشدة لأنه كان عليّ أن أقدر وقت وصوله للأرض والوقت الذي سيستغرقه أرمد للوصول لهنا. مع اقتراب ذلك الشيء هالني منظره ولبسني الخوف الشديد. تبينته جملاً ضخماً بقوائم ضخمة تتدلى نصف مثنيّة. عندما اقترب أكثر استطعت ملاحظة البياض على ظهره فعرفت أنّه حميد المسكين. من شدّة الخوف أخذتني رجفة شديدة، حاولت أن أصيح فلم تطاوعني حنجرتي ولم أستطع حتى فتح منقاري. في لحظة دنا فيها بارتفاع نخلة عالية حدث شيء مريع. رأيت حميد ينزلق من على ظهره ثم انفلت وبدأ يهوي للوراء. حينها فقط انطلق صوتي بصياح متواصل لم يوقفه شيء. خيل لي أن أعمدة نيران تخرج من الأرض في اتجاه السماء، ثم هيء لي أن الشجرة التي أقف عليها تمشي بي، خيالات كثيرة رأيتها حقائق لكن لحسن الحظ كل ذلك لم يوقف صياحي المستمر. نظرت في اتجاه أرمد، استطعت رؤية لمعان نظارته في ضوء القمر، لاشك أنه كان منطلقاً كالرصاصة نحو هدفه.
حميد استطاع التعلّق بالذيل وترددت صرخاته المستغيثة في أجواء المكان جاوبتها صرخات ابتهاج من السحرة المنتظرين على الأرض. كنت أقلّب بصري بجنون بين الشيطان الهابط وأرمد المنطلق كالشهاب. أحسست أن الأمر استغرق دهراً حتى وطئت أقدام الشيطان الأرض وبرك وهو يصدر هديراً عميقاً مرعباً. حميد ترنّح وسقط وقبل أن يستقرّ في سقطته هجم عليه حيوانان كالضباع يجرانه.
رغم كل الصياح والهدير المتداخل كاد نهيق أرمد أن يشق السماء، نظرت فإذا هو ولم يتبقّ له سوى بضع خطوات ليصل، بدا لي حينها حجمه صغيراً بالنسبة للجمل الشيطان وتعجّبت ماذا يمكن أن يفعل به. الأعجب والذي لم يفتني ملاحظته هو عضو أرمد الذكري المنتفخ بفعل تلك العشبة التي أفرط في تناولها أول الليل.
كانت لحظة عصيبة عليّ تلك التي وضع أرمد قائمتيه الأماميتين على بعد خطوة واحدة من مؤخرة الجمل، كان رأس الجمل بدأء يرتد للوراء وكأنه استشعر شيئاً، لكن الوقت كان قد فات وأصبح أرمد قافزاً في الهواء ليستقرّ على مؤخرته ويتمسّك بأسنانه في ظهره. حاول أرمد رفع نفسه للأعلى بتحريك قدميه الخلفيتين في الهواء دون جدوى. إلتفّ رأس الجمل برقبته الطويلة للوراء وهو يصدر صوتاً مخيفاً ينمّ عن ألم شديد. استطاع أن يصل لإحدى قدمي أرمد فعضّها ورفعه لأعلى. حينها حصل ما يبدو أنّ أرمد خطط له منذ البداية. لقد أصبح وضع أرمد من مؤخرة الجمل بوضع التلقيح تماماً . وكأن قوة ألف حمار اجتمعت فيه حينها فدفع نفسه وغمد سلاحه كما أراد. أفلت الشيطان أرمد على وضعيته تلك وعاد رأسه للأمام وسكن للحظة كأنّه يحاول ابتلاع شيء. ثم أخذ يهزّ رأسه بعنف شديد حتى حسبت رأسه سينقطع. رفع بعدها رأسه لأعلى بكامل امتداد رقبته وأصدر صوتاً عظيماً غليظاً وكأن أمعاءه خرجت من فمه.
تعالت مع صرخته تلك صرخات كثيرة من حولنا. أطلق أرمد قبضة أسنانه من ظهر الجمل وانزلق للوراء وسقط على ظهره وقوائمه للأعلى. وهو يحاول الوقوف صاح بي أن أهرب وأنجو بحياتي. لم أعرف لأين أهرب حتى رأيته قام يعدو في الإتجاه الذي جئنا منه. هبطت من الشجرة طائراً في إثر أرمد لكني وجدت نفسي أصطدم بوجه رجل من أؤلئك الذين كان يفترض بهم تناول وجبة شهيّة من لحم حميد المسكين. ويا للمصادفة،لم يكن ذلك الرجل سوى أخي البدين. سقط مستلقياً على ظهره من هول المفاجأة. للحظة نسيت خوفي وتجاهلت صوت أرمد وهو يحثني على اللحاق به، اشتعل في قلبي غضب عارم، وكنت أستطيع تمزيق وجهه بمخالبي أو اقتلاع عينيه بمنقاري جزاء كل ما مررت به. لكنّي لم أجرؤ على ذلك. منعتني ملامح أمي التي تميّز قسمات وجهه. تركته وأسرعت للحاق بأرمد. كان الهدير المخيف للجمل مازال يملأ الفضاء. لم نشعر بأننا ابتعدنا حتى وصلنا لأعلى التلّة الفاصلة حيث وقفنا أول وصولنا للساحة. استدار أرمد ووقف ينظر. طلب منّي إزاحة النظارة الشمسية عن عينيه قائلاً
-بصرك أحدّ من بصري بلاشك أيها الديك، هل ما أراه هناك سحابة سوداء؟!.
-نعم يا أرمد....يا للعجب!!!...إنها سحابة سوداء معتمة ترتفع من الأرض. ماذا فعلت به يا أرمد؟!.
-صدّقني أيها الديك، لم تكن أكثر من حقنة. لقد جمعت له ما كان يخرجه من نفوس ضحاياه وحقنته به مرّة واحدة.
من رواية الديك-فقرة من الجزء الخامس
-هل جننت يا أرمد؟! لماذا جئت بنا هنا؟
-لا أريدك أن تفكّر بشيء الآن سوى ذلك الجيش الذي لايهزم الذي كنت تحسّ به وأخبرتني عنه. تأكد أنّه معنا. لاتدع للخوف منك شيئاً. نحن أمام لحظة حاسمة. التراجع يعني الهزيمة، والإقدام يعني الانتصار.
-ألا تخشى أن يأكلونا يا أرمد؟.
-ليس علينا القلق بشأن النتائج أيها الديك فهي ليست بيدنا على كل حال. دورنا يبدأ بالنيّة الصالحة وينتهي بالعمل.
-أنا مستعدّ يا أرمد. ماذا تريديني أن أفعل؟.
-هل ترى تلك الشجرة الوحيدة في وسط الساحة؟ أريدك من الآن أن تذهب وتختبئ بين أغصانها العلوية. لا تنظر للأسفل أبداً مهما سمعت من أصوات إن كنت لا تريد أن يصيبك الهلع مما يحدث. ركّز نظرك للأعلى. في منتصف الليل أو قبله أو بعده بقليل سترى جملاً يهبط من السماء بالقرب من الشجرة . قبل هبوطه بقليل أريدك أن تصيح بأقوى ما عندك. سأكون أنا هنا أنتظر صيحتك لأنطلق لهناك. تذكّر أن لدينا فرصة وحيدة وهي أن أصل وذلك الجمل قد برك على الأرض للتو. لو وصلت قبل أن يبرك فسينتبه لي وسيرتفع، وإن وصلت متأخراً فسيكون قد استعاد هيئته، وفي كلا الحالتين سنكون أنا وأنت في خطر عظيم. سيكون المكان ممتلئً بالسحرة وسيحاولون منعي بتصوير أشياء مخيفة لي، لكني لن أرى شيئاً منها وأنا أرتدي هذه النظارة. أنت لا تتوقف عن الصياح حتى أصل، فصوتك سيضمن لي أني في الاتجاه الصحيح.
-أرمد.....ذلك الجمل هو الشيطان الذي سيأتي حاملاً حميد ليأكله السحرة هنا...أليس كذلك؟
-صدّقني أيها الديك أنّي لا أفكّر في أي شيء الآن سوى اللحظة التي سيبرك فيها ذلك الجمل، وكذلك أريدك أنت أن تفعل.
-لا أريد الابتعاد عمّا نحن بصدده.... لكنّي أرى تأثير تلك العشبة الذكرية قد بدأ يظهر عليك يا أرمد، ألن يشكّل لك هذا الأمر مشكلة ما؟!.
-دع هذا الأمر الذي هو شخصي للغاية وانطلق للشجرة بسرعة قبل أن يمتلأ هذا المكان بالسحرة.
برغم كل ما تظاهرت به من شجاعة أمام أرمد إلا أني في الحقيقة كنت أرتعد بداخلي. عندما انحدرت من التلّة للساحة ونظرت ورائي للأعلى حيث يقف أرمد ثم نظرت للمسافة بيني وبين الشجرة التي يفترض بي الإختباء بها كادت رجلاي أن تيبس من الخوف. وقفت لثواني قليلة ولولا صياح أرمد علي بالاسراع نحو الشجرة لما كنت تحركت. انطلقت بأقصى سرعة، مرّة أجري ومرّة أطير. في نصف المسافة نظرت للوراء فإذا بأرمد فوق التلّة لايبدو منه سوى خيال على صفحة الأفق.
عندما اقتربت لمسافة من الشجرة رأيت أن أغصانها عالية وجذعها طويل. كان لابد لي أن أزيد من سرعتي لأقصى حد ثم أحاول الطيران قبلها بمسافة لأتمكن من الوصول للأغصان في الأعلى.صعدت لأعلى غصن وبحثت عن مكان كثيف الأوراق أختبئ فيه. شعرت ببعض الأمان ولكن لبعض الوقت فقط. أول ما أرعبني هو حين حاولت أن أحرك قدمي قليلاً على الغصن فلم أستطع. تخيلت أن الشيطان عرف مكاني وقيدني حتى يأتي ويأكلني. ثم تبينت بعد ذلك أنّي جلست على الصمغ الذي تفرزه الشجرة من أغصانها. بعد انقضاء حوالي الساعة حدث أمر رهيب كاد يخرج قلبي من فمي حينها. كان القمر قد نشر نوره على تلك الساحة، وفي وسط بحر الهدوء سمعت صوت ارتطام شيء ثقيل بالأرض خلفي مباشرة وأحسست أن كتلة هواء مرتّ من فوقي. شعرت بخوف شديد أفقدني القدرة حتى على الالتفات لبعض الوقت. عندما استدرت لأنظر كان هناك في الأسفل على مسافة من الشجرة امرأة كأنها قامت للتو من سقطتها تترنح. كانت تلبس ثوباً داكناً وبلا غطاء على رأسها. وقفت قليلاً ثم مضت مسرعة للبقعة المفتوحة من الساحة الواقعة بيني وبين مكان أرمد. مضى بعض الوقت قبل أن أسمع أصوات حديث متقطعة، ثم أصوات جماعية تردد كلمات غريبة. أخافتني صرخات وبكاء هستيري دام فترة طويلة ثم توقف فجأة. بعد ذلك علت أصوات كثيرة تردد ذات الكلمات الغريبة. بلغ بي الخوف منتهاه حين تقدم صوب الشجرة خيال عاري تماماً عرفت أنها امرأة من شعرها. سقطت تلك المرأة على وجهها قبل أن تصل للشجرة، ظهر حيوان أسود كالكلب وأخذ يلعقها، بعد قليل قامت تلك المرأة وكأنها منتشية بجنون وأخذت تركض عائدة من حيث أتت.تذكّرت نصيحة أرمد بأن لا أنظر لما يحدث في الأسفل، ولو بقيت أنظر لفقدت عقلي.
بقيت هادئاً أمسح بعيني السماء حتى ارتفع القمر وصار فوقي مباشرة. شعور غريب راودني حينها بأن الذي ننتظره قادم. أخذت أصوات السحرة تعلو وهم يرددون تلك الكلمات الغريبة برتابة. خمنّت أن الكلمات ربما تكون اسماً لذلك الشيطان.
أحسست باقتراب الأصوات تجاهي. توقعتها استعداداً لوصول ألشخص الأهم في الاحتفال. لم يخب ظنّي، كان هناك شيء ما معلّق في الهواء على ارتفاع كبير يتجه نحونا بهدوؤ من جهة الشرق. اضطربت بشدة لأنه كان عليّ أن أقدر وقت وصوله للأرض والوقت الذي سيستغرقه أرمد للوصول لهنا. مع اقتراب ذلك الشيء هالني منظره ولبسني الخوف الشديد. تبينته جملاً ضخماً بقوائم ضخمة تتدلى نصف مثنيّة. عندما اقترب أكثر استطعت ملاحظة البياض على ظهره فعرفت أنّه حميد المسكين. من شدّة الخوف أخذتني رجفة شديدة، حاولت أن أصيح فلم تطاوعني حنجرتي ولم أستطع حتى فتح منقاري. في لحظة دنا فيها بارتفاع نخلة عالية حدث شيء مريع. رأيت حميد ينزلق من على ظهره ثم انفلت وبدأ يهوي للوراء. حينها فقط انطلق صوتي بصياح متواصل لم يوقفه شيء. خيل لي أن أعمدة نيران تخرج من الأرض في اتجاه السماء، ثم هيء لي أن الشجرة التي أقف عليها تمشي بي، خيالات كثيرة رأيتها حقائق لكن لحسن الحظ كل ذلك لم يوقف صياحي المستمر. نظرت في اتجاه أرمد، استطعت رؤية لمعان نظارته في ضوء القمر، لاشك أنه كان منطلقاً كالرصاصة نحو هدفه.
حميد استطاع التعلّق بالذيل وترددت صرخاته المستغيثة في أجواء المكان جاوبتها صرخات ابتهاج من السحرة المنتظرين على الأرض. كنت أقلّب بصري بجنون بين الشيطان الهابط وأرمد المنطلق كالشهاب. أحسست أن الأمر استغرق دهراً حتى وطئت أقدام الشيطان الأرض وبرك وهو يصدر هديراً عميقاً مرعباً. حميد ترنّح وسقط وقبل أن يستقرّ في سقطته هجم عليه حيوانان كالضباع يجرانه.
رغم كل الصياح والهدير المتداخل كاد نهيق أرمد أن يشق السماء، نظرت فإذا هو ولم يتبقّ له سوى بضع خطوات ليصل، بدا لي حينها حجمه صغيراً بالنسبة للجمل الشيطان وتعجّبت ماذا يمكن أن يفعل به. الأعجب والذي لم يفتني ملاحظته هو عضو أرمد الذكري المنتفخ بفعل تلك العشبة التي أفرط في تناولها أول الليل.
كانت لحظة عصيبة عليّ تلك التي وضع أرمد قائمتيه الأماميتين على بعد خطوة واحدة من مؤخرة الجمل، كان رأس الجمل بدأء يرتد للوراء وكأنه استشعر شيئاً، لكن الوقت كان قد فات وأصبح أرمد قافزاً في الهواء ليستقرّ على مؤخرته ويتمسّك بأسنانه في ظهره. حاول أرمد رفع نفسه للأعلى بتحريك قدميه الخلفيتين في الهواء دون جدوى. إلتفّ رأس الجمل برقبته الطويلة للوراء وهو يصدر صوتاً مخيفاً ينمّ عن ألم شديد. استطاع أن يصل لإحدى قدمي أرمد فعضّها ورفعه لأعلى. حينها حصل ما يبدو أنّ أرمد خطط له منذ البداية. لقد أصبح وضع أرمد من مؤخرة الجمل بوضع التلقيح تماماً . وكأن قوة ألف حمار اجتمعت فيه حينها فدفع نفسه وغمد سلاحه كما أراد. أفلت الشيطان أرمد على وضعيته تلك وعاد رأسه للأمام وسكن للحظة كأنّه يحاول ابتلاع شيء. ثم أخذ يهزّ رأسه بعنف شديد حتى حسبت رأسه سينقطع. رفع بعدها رأسه لأعلى بكامل امتداد رقبته وأصدر صوتاً عظيماً غليظاً وكأن أمعاءه خرجت من فمه.
تعالت مع صرخته تلك صرخات كثيرة من حولنا. أطلق أرمد قبضة أسنانه من ظهر الجمل وانزلق للوراء وسقط على ظهره وقوائمه للأعلى. وهو يحاول الوقوف صاح بي أن أهرب وأنجو بحياتي. لم أعرف لأين أهرب حتى رأيته قام يعدو في الإتجاه الذي جئنا منه. هبطت من الشجرة طائراً في إثر أرمد لكني وجدت نفسي أصطدم بوجه رجل من أؤلئك الذين كان يفترض بهم تناول وجبة شهيّة من لحم حميد المسكين. ويا للمصادفة،لم يكن ذلك الرجل سوى أخي البدين. سقط مستلقياً على ظهره من هول المفاجأة. للحظة نسيت خوفي وتجاهلت صوت أرمد وهو يحثني على اللحاق به، اشتعل في قلبي غضب عارم، وكنت أستطيع تمزيق وجهه بمخالبي أو اقتلاع عينيه بمنقاري جزاء كل ما مررت به. لكنّي لم أجرؤ على ذلك. منعتني ملامح أمي التي تميّز قسمات وجهه. تركته وأسرعت للحاق بأرمد. كان الهدير المخيف للجمل مازال يملأ الفضاء. لم نشعر بأننا ابتعدنا حتى وصلنا لأعلى التلّة الفاصلة حيث وقفنا أول وصولنا للساحة. استدار أرمد ووقف ينظر. طلب منّي إزاحة النظارة الشمسية عن عينيه قائلاً
-بصرك أحدّ من بصري بلاشك أيها الديك، هل ما أراه هناك سحابة سوداء؟!.
-نعم يا أرمد....يا للعجب!!!...إنها سحابة سوداء معتمة ترتفع من الأرض. ماذا فعلت به يا أرمد؟!.
-صدّقني أيها الديك، لم تكن أكثر من حقنة. لقد جمعت له ما كان يخرجه من نفوس ضحاياه وحقنته به مرّة واحدة.
من رواية الديك-فقرة من الجزء الخامس