لم أكن لأتخيل ما حصل. انطلق أرمد مسرعاً بنا في اتجاه الصبية الذين كانوا يلعبون الكرة، وما إن أصبحنا في وسطهم حتى هالهم منظرنا وبدأوا يصيحون علينا ويركضون خلفنا. لست ألومهم، فحمار يلبس نظارة عجيبة ويحمل فوق ظهره رجل وديك لاشك أنه أمر يستحق الصياح.
لم يكن أرمد يلوي على شيء، بل كان يسرع مخترقاً الشوارع والحارات وهو يحثنا على الثبات فوق ظهره وعدم الخوف. من كل حارة ومن كل شارع كان يخرج خلفنا الكثيرون ممن لم يستطيعوا مقاومة فضولهم. أكثرهم الصبية والشباب وحتى أصحاب السيارات. عندما اقتربنا من بيت لولوة نظرت للوراء فإذا بذلك المشهد المخيف من المطاردين بعضهم يصرخ وبعضهم يطلق منبهات السيارات.
لاحت لنا الخيمة المنصوبة أمام بيتها والناس مجتمعين حولها، راعني صوت أرمد المبحوح من الركض وهو يقول
-أين هو البدين....هل هو بين الواقفين أمام الخيمة؟.
-نعم يا أرمد. إنه ذلك الذي يقف على باب الخيمة مباشرة ويضع يديه خلف ظهر ويعتمر عمامة زرقاء مزركشة بالأحمر.
-أيها الديك....حميد....سأبطئ قليلاً، عليكما بالقفز عن ظهري والهرب بسرعة.
قفزنا عن ظهر أرمد وهربنا باتجاه النخيل، لم يأبه لنا سوى بعض الصبية الذين عادوا بسرعة لمطاردة أرمد مع البقية. آخر شيء رأيته هو أن أرمد كان متجهاً لباب الخيمة مباشرة وبكامل سرعته، ثم ثارت بعد ذلك سحب كثيفة من الغبار لم نستطع أن نرى معها شيئاً.
دخلنا أحد البساتين واختفينا بين النخيل حتى تأكدنا أن لا أحد يتبعنا ثم خرجنا للسكة ننتظر أرمد. وقفت فوق جدار البستان أستطلع وماهي إلا دقائق قليلة ورأيت أرمد يدخل السكة متجهاً نحونا وهو يكاد يطير من سرعته. أذنيه متجهتان للخلف ونظارته الشمسية تقفز وتستقر فوق عرف رقبته. قفزت من فوق الجدار للسكة لأعترض طريقه، لكنه لم يقف ولم يخفف حتى من سرعته. التف عني مواصلاً طريقه وهو يصيح بي لأختبئ. عرفت أنه مازال مطارداً. عدت للبستان لأجد حميد يختبئ تحت شجرة عنب فاختبأت معه. سمعنا جلبة الراكضين خلف أرمد ومن ثم عودتهم عنه. تأكدنا أنه أفلت عنهم. عندما خرجنا للسكة نريد اللحاق بأرمد فاجأني حميد بقوله
-لا أستطيع.....اذهب أنت أيها الديك للقاء أرمد. أحس أني سأموت لو لم أذهب لريم هذه الليلة. إني أشتاقها بشدة.
-حميد....بعد كل هذا ستعود لها. ألم تذهب لأرمد ليخلصك منها والآن تقول أنك لاتستطيع فراقها!!!!.
وكأنّي كنت أكلم جذع نخلة، وكأنه تحول حينها لرجل آخر خالي من الروح، استدار عني بعينين مذهولتين غائمتين وسار عائداً يحثّ الخطى نحو المدينة. تابعت طريقي أتبع آثار حوافر أرمد على الأرض وأنا أتوقع أن تنتهي بي نحو الصحراء.
من روايتي "الديك"/فقرة من الجزء الخامس
لم يكن أرمد يلوي على شيء، بل كان يسرع مخترقاً الشوارع والحارات وهو يحثنا على الثبات فوق ظهره وعدم الخوف. من كل حارة ومن كل شارع كان يخرج خلفنا الكثيرون ممن لم يستطيعوا مقاومة فضولهم. أكثرهم الصبية والشباب وحتى أصحاب السيارات. عندما اقتربنا من بيت لولوة نظرت للوراء فإذا بذلك المشهد المخيف من المطاردين بعضهم يصرخ وبعضهم يطلق منبهات السيارات.
لاحت لنا الخيمة المنصوبة أمام بيتها والناس مجتمعين حولها، راعني صوت أرمد المبحوح من الركض وهو يقول
-أين هو البدين....هل هو بين الواقفين أمام الخيمة؟.
-نعم يا أرمد. إنه ذلك الذي يقف على باب الخيمة مباشرة ويضع يديه خلف ظهر ويعتمر عمامة زرقاء مزركشة بالأحمر.
-أيها الديك....حميد....سأبطئ قليلاً، عليكما بالقفز عن ظهري والهرب بسرعة.
قفزنا عن ظهر أرمد وهربنا باتجاه النخيل، لم يأبه لنا سوى بعض الصبية الذين عادوا بسرعة لمطاردة أرمد مع البقية. آخر شيء رأيته هو أن أرمد كان متجهاً لباب الخيمة مباشرة وبكامل سرعته، ثم ثارت بعد ذلك سحب كثيفة من الغبار لم نستطع أن نرى معها شيئاً.
دخلنا أحد البساتين واختفينا بين النخيل حتى تأكدنا أن لا أحد يتبعنا ثم خرجنا للسكة ننتظر أرمد. وقفت فوق جدار البستان أستطلع وماهي إلا دقائق قليلة ورأيت أرمد يدخل السكة متجهاً نحونا وهو يكاد يطير من سرعته. أذنيه متجهتان للخلف ونظارته الشمسية تقفز وتستقر فوق عرف رقبته. قفزت من فوق الجدار للسكة لأعترض طريقه، لكنه لم يقف ولم يخفف حتى من سرعته. التف عني مواصلاً طريقه وهو يصيح بي لأختبئ. عرفت أنه مازال مطارداً. عدت للبستان لأجد حميد يختبئ تحت شجرة عنب فاختبأت معه. سمعنا جلبة الراكضين خلف أرمد ومن ثم عودتهم عنه. تأكدنا أنه أفلت عنهم. عندما خرجنا للسكة نريد اللحاق بأرمد فاجأني حميد بقوله
-لا أستطيع.....اذهب أنت أيها الديك للقاء أرمد. أحس أني سأموت لو لم أذهب لريم هذه الليلة. إني أشتاقها بشدة.
-حميد....بعد كل هذا ستعود لها. ألم تذهب لأرمد ليخلصك منها والآن تقول أنك لاتستطيع فراقها!!!!.
وكأنّي كنت أكلم جذع نخلة، وكأنه تحول حينها لرجل آخر خالي من الروح، استدار عني بعينين مذهولتين غائمتين وسار عائداً يحثّ الخطى نحو المدينة. تابعت طريقي أتبع آثار حوافر أرمد على الأرض وأنا أتوقع أن تنتهي بي نحو الصحراء.
من روايتي "الديك"/فقرة من الجزء الخامس