الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر نشاط
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
Install the app
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
,, البُريمِي الأَدَبِيـَة ,,
,, البُريمِي لِلقِصَص والرِوَايات ,,
رواية/الملعونة
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="شاعرة الليل" data-source="post: 1421727" data-attributes="member: 10362"><p>.</p><p>"""</p><p></p><p>الفصل 30.</p><p></p><p></p><p></p><p>عاد الشتاء من جديد ككل عام .. عاد مثلما كان قبل أن تحبه ويرغمها والدها على الزواج بغيره ، وقبل أن يتزوج هو ويصبح أبا لجنين لم يولد بعد . تقلبت على فراشها وهي تتذكر حديثه لها بأنه يراها شريكة حياته وأما ﻷوﻻده . أحست بألم يعتصر روحها وغصة في حلقها ودمعة أحرقت جفنيها وهي تفكر به .</p><p>نهضت كاميليا من سريرها ابتلعت حبة من الدواء الخاص بالكآبة وبكت بحسرة وهو تحسب أيام الفراق منذ أن ذهبت إليه في بيته ذلك اليوم . كم كانت غبية ومتسرعة . كيف جاءت فكرت الهروب في بالها وكأنها تعيش أحداث فيلم هندي . تذكرت نظرات عماد لها وهو يطلب منها الخروج من المنزل . لم تصدق بأن تلك القسوة التي كانت في عينيه هو مصدرها ، ﻻبد أنه كان رجﻼ آخر وليس الرجل الذي وعدت نفسها بأن يكون لها . تنهدت بقوة تعادل الثمانية الشهور الماضية ، سينتهي العام نفسه والعذاب نفسه والليل نفسه بهمومه وأفكاره ودموعه . فكرت به وتساءلت ، ماذا يفعل في هذا الوقت من الليل .</p><p></p><p>كان عماد مستلقيا على سريره يفكر بطفله القادم إلى الحياة . طفل صغير من ريم وثمرة لعﻼقة ﻻ يعرف ماذا يطلق عليها . ليست عﻼقة حب ، وليست عﻼقة زوجية سوية ، كانت لحظات من المتعة . كان يشعر بأن هذا الطفل غير فيه شيئا ما في قلبه أو روحه . أصبح متضايقا أكثر ومنزعجا وشارد الفكر باستمرار . منذ أن أخبرته ريم بحملها وحتى اﻵن وهو حزين ﻷن طفله سيولد ويرى أبويه متباعدين ﻻ يجمعهما شيء غير السكوت والتجاهل والجفاء . أبوين ﻻ يحبان بعضهما وﻻ بد أنه يشعر بذلك ويسمع شجارهما وصراخهما فعمره اﻵن ستة أشهر . فكر بكاميليا وهل يستطيع أن يبعدها عن تفكيره ليلة واحدة ؟</p><p>استلقت ريم بجانبه فلم يشعر بها ، كلمته ولم يسمعها ، فسكتت تراقبه وهو يدير لها ظهره . هزت كتفه بقوة وقالت له بنبرة غاضبة :</p><p>- أﻻ تمل من السكوت ؟.. لماذا تدير لي ظهرك وأنا أكلمك ؟.. لماذا تعاملني بهذه الطريقة ؟ .. يكفي إني صابرة ومتحملة لتصرفاتك البغيضة .</p><p>بلع ريقه وعينيه تركزان النظر في سقف الغرفة ، قال لها :</p><p>- لم أنتبه لك فقد كنت أفكر بأمر ما .</p><p>تأففت وسألته بحدة :</p><p>- ما بك ؟.. و ما الذي يشغلك عني ؟.. أخبرني ﻷتفهمك وأعذرك .</p><p>- ما أفكر به ليس من شأنك .. فﻼ تشغلي نفسك بي .</p><p>غضبت منه وصرخت فيه :</p><p>- لماذا أنت جاف هكذا ؟.. هل تعلم بأنني خدعت فيك .. فلطالما كنت بالنسبة لي الزوج المثالي ومنذ اﻷيام اﻷولى لزواجنا اكتشفت صورتك الحقيقة .</p><p>تفاجأ مما قالته فلقد ذكرته بكاميليا عندما قالت له ذلك يوم جاءت تطلب منه الهرب . بلع ريقها وسألها :</p><p>- ماذا تقصدين ؟</p><p>- أنت جاف وقاسي حتى جدي لم يعامل جدتي بالطريقة التي تعاملني بها .. منذ زواجنا وأنت لم تجاملني وتقول لي بأنك تحبني مرة واحدة على اﻷقل .</p><p>حدق بها وقال :</p><p>- أنا ﻻ أكرر هذه الكلمة بمناسبة وبدون مناسبة .. فالحب ليس كلمة رخيصة .</p><p>غضبت من رده وقالت بانفعال :</p><p>- ﻻ أريدك أن ترددها على مسمعي ليﻼ ونهارا .. مرة واحدة تكفيني .</p><p>تنهد وزم شفتيه وقال لها بحدة :</p><p>- ﻻ تطلبي من أحد أن يقول بأنه يحبك فهذه الكلمة إذا لم تخرج من قلب اﻹنسان ستكون كذبا ونفاقا تجدينها لدى السفلة واللعوبين والمراهقين .</p><p>غطت نفسها باللحاف وراحت تقول :</p><p>- ﻻ فائدة منك وستبقى هكذا على الدوام .. لدي حل قد يناسبك .</p><p>أنصت لها فأردفت بسخرية :</p><p>- أعرف طبيبا في المستشفى الجامعي وهو مستشار نفسي كبير ربما تفيدك زياراته واستشاراته .</p><p>رفع اللحاف عن وجهها وخاطبها بغضب :</p><p>- أنت مسكينة وأنا ﻻ أود الرد عليك حتى ﻻ أجرح مشاعرك وأنت حامل .</p><p>لم يود إخبارها بأنه يشعر بالندم وتسرعه وتورطه بهذا الزواج الفاشل . نادم بشدة فهما يعانيان وهناك طفل قادم ليعاني معهما . كم يكرهها ويكره هذا الطفل أيضا . نهض من السرير وخرج من الغرفة متوجها لغرفة مكتبه ، وهناك استلقى على الكنبة وأغمض عينيه وتذكر كاميليا عندما قالت له ريم متعجرفة وبغيضة وأخبرته عن الموقف الذي حدث بينهما في زواج أمل . وما أن فتح عينيه حتى وجد ريم أمامه تطلب منه النهوض لينام في غرفتهما . قالت له آمره :</p><p>- هيا أنهض ونم في الغرفة .. ﻻ يعجبني أن تنام هنا .</p><p>صرخ فيها بقوة :</p><p>- أدلفي عن وجهي .. وسأترك لك المنزل بأكمله لترتاحي مني .</p><p>أمسكت يده وقالت بأسف :</p><p>- لم أقصد ما أقوله .. أعذرني يا ابن خالي .</p><p>كان غاضبا منها بعد ما قالته فأبعدها عنه ونهض متوجها لغرفته ولحقت به ، ورأته يبدل مﻼبسه . سألته باستغراب :</p><p>- وإلى أين تذهب في هذا الوقت ؟</p><p>نظر لها بازدراء وقال لها بأنه ليس مضطرا لﻺجابة ، فهددته :</p><p>- إذا خرجت اﻵن فلن تراني حينما تعود .</p><p>صرخ فيها بقوة :</p><p>- أذهبي إلى أي مكان تريدينه .. أذهبي إلى جهنم الحمراء فأنت ﻻ تعنيني .. لعن الله اليوم الذي فكرت بالزواج بك .</p><p>لحقت به وهي تقول :</p><p>- ﻻ تجعل من الحبة قبة فأنا لم أكن أقصد .. أنت تتحين الفرصة لنتشاجر فقط .</p><p>خرج من المنزل وركب سيارته ، مشى ﻻ يعرف إلى أين يذهب فالليل يوشك أن ينتصف . أحس بثورة الغضب تزداد في نفسه وهو يتذكر ما قالته ريم ، كان وحيدا وضائعا ﻻ يعرف إلى أين يذهب . سار في الطريق المؤدية إلى المزرعة ليبتعد عن ريم وعن قلقه وتفكيره وحيرته وندمه . اتصلت به عدة مرات ولم يجبها وأطفأ هاتفه فلم يرد سماع صوتها . دخل اﻻستراحة وأشعل اﻷنوار ودخل أحد غرف النوم واستلقى على الفراش وتغطى . أغمض عينيه فهو يريد أن ينام بدون قلق وتفكير وهموم فمنذ سنوات وهو ينام والهموم تشاركه سريره . حاول أن يتذكر يوما واحد نام فيه هادئا . كان ذلك منذ زمن طويل ، قبل أن يرتكب خطأ الزواج بريم وقبل أن يتعرف على كاميليا ويحبها ، وقبل أن يفسخ خطوبته بسوسن ، وقبل أن يموت عﻼء وتصر والدته على القصاص من قاتله وعدم العفو عنه بالرغم من وساطة كبار رجال القطيف وشيوخها . نام براحة قبل أكثر من خمسة عشر عاما .</p><p></p><p>*******.</p><p></p><p>أستيقظ ظهرا من نومه وهو يشعر بالتعب والضيق وبسرعة تذكر شعوره البارحة وهو يخرج من منزله بعد شجاره مع ريم . عاد إلى منزله ولم يجدها فقد نفذت وعدها، ﻻ بد أنها ذهبت تشتكيه لوالديها وسيصل اﻷمر بسرعة ﻷمه وستتصل به وتستدعيه لتناقشه فيما حدث . أستحم بسرعة وارتدى مﻼبسه وهم بالخروج إلى المطعم لتناول طعام الغذاء . أتصل به ماجد ولم يجبه ، ركب سيارته وتوجه إلى المطعم المجمع التجاري ليتناول الطعام وحده ويستعيد بعضا من ذكرياته مع كاميليا ، فهو ﻻ يريد أن يرى أحدا أو يتحدث مع أحد . يريد أن يبقى وحده ليفكر في حياته الرتيبة وأخطاءه وزوجته وطفله القادم والمرأة التي يحبها ورسائلها له في الجريدة . ترجل من سيارته ونظارته الشمسية تخفي عينيه الغاضبتين وهو يتذكر كﻼم ريم بشأن الطبيب النفسي . وما أن دخل من بوابة المطعم حتى رن هاتفه الجوال كانت أمه المتصلة تطلب منه زيارتها ، قال لها بأنه سيتناول غذاءه أوﻻ لكنها أصرت على قدومه حاﻻ فهي تريد الحديث معه بشأن هام . لم يشأ مجادلتها ورضخ بسرعة لطلبها ومن يستطيع معارضتها ؟</p><p>عرف بأن ريم أثارت زوبعة بشأن شجارهما البارحة وأن أمه ستوبخه لخروجه من المنزل في وقت متأخر . دخل إلى البيت ووجدها في الصالة تتحدث عبر الهاتف . أنهت مكالمتها ورحبت به عندما جلس بجانبها . اسند رأسه على اﻷريكة وقال لها وهو مغمض العينين :</p><p>- هل عرفت بأن ريم تركت المنزل ؟</p><p>بلعت ريقها وقالت له وهي تحاول إخفاء استياءها منه:</p><p>- عرفت بأنك تشاجرت معها وتركت المنزل في وقت متأخر من الليل. وأردفت :</p><p>- لماذا تعامل زوجتك وأم طفلك القادم بقسوة ؟</p><p>تنهد وقال :</p><p>- تشاجرنا و..</p><p>قاطعته :</p><p>- ولماذا تركت المنزل ؟.. بعلمي أن المرأة تترك بيت زوجها ﻻ الرجل .</p><p>أجابها بغضب :</p><p>- لم أتحمل تصرفاتها وكﻼمها البارحة .. لو لم أخرج من البيت لربما فقدت أعصابي وضربتها .. هي متعجرفة وبغيضة ومغرورة وتظن أنها قدمت تضحية لزواجها مني ورفضها ﻻبن عمها .. ليتها تزوجته وتفاديت حدوث أكبر خطأ في حياتي .</p><p>سكت للحظات وأكمل يقول ﻷمه بأنه ﻻ يطيق ريم وﻻ يتحمل تصرفاتها البتة . كانت أمه تخشى أن يقدم على طﻼق زوجته فأمسكت بيده وقالت :</p><p>- ريم هي زوجة العمر وكﻼمك غير مقبول بالمرة وعليك أن تذهب لتصالحها حتى لو كانت هي المخطئة .</p><p>رفض الذهاب لمصالحتها فهي خرجت من المنزل وحدها وعليها أن تعود وحدها لكنها حدقت به بعينيها القويتين وقالت له بحدة :</p><p>- ريم ليست لعبة لتتركها في بيت والدها وﻻ تسأل عنها .. أذهب إلى محل المجوهرات وأشتري لها خاتما ماسيا أو ساعة وأذهب لتصالحها وﻻ تدع الموضوع يكبر .</p><p>رن هاتفها الجوال وانزعاج عندما رأى اسم عمته نورة ، فلم يرد عليها وقال ﻷمه :</p><p>- لقد اتصلت عمتي اﻵن .. وهذا ما كان ينقصني .</p><p>طلب منه أن يرد عليها فقال لها بصراحة بأنه لن يذهب لمصالحة ريم وسيدعها تبقى لعدة أيام في منزل والديها ليرتاح منها وتهدأ نفسه ثم يذهب إليها ويتفاهمان . أعادت عمته اﻻتصال ولم يرد عليها ، وقال ﻷمه :</p><p>- ﻻبد أن ريم هي من تحثها على اﻻتصال بي وإزعاجي ..</p><p>أرغمته أمه على الرد فأجاب على مضض وتفاجأ بعمته تبكي وهي تخبره بأن ريم مصابة بآﻻم شديدة في بطنها وظهرها مشابهة ﻵﻻم الوﻻدة وهم في طريقهم إلى المستشفى الخاص بالخبر ﻷنها تتابع حملها هناك . سكت بجمود وعينيه مفتوحتين وانسحب الدم من وجهه وقال ﻷمه :</p><p>- سينقلونها إلى المستشفى .. كيف تلد اﻵن وقد أكملت الشهر السادس منذ أسبوع فقط ؟</p><p>طمأنته أمه بأنها قد تكون آﻻم الوﻻدة الكاذبة وأصابتها بسبب التوتر واﻹرهاق . قاد سيارته بسرعة وهو يفكر بريم وبالطفل وأمه تحاول تهدئته . أحس بالخوف عليهما ودعا الله أن ﻻ يصيبها مكروه . وصل إلى المستشفى ودخل بسرعة من بوابة الطوارئ ووجد عمته وزوجها خارجا . سألهما عن ريم فرد زوج عمته بوجه عابس بأنها في غرفة الطوارئ والطبيبة تفحصها . سكت ﻻ يعرف ماذا يقول ودعا الله أن ينجي ريم وطفله من أي أذى . وبعد لحظات خرجت الممرضة وبيدها ورقة وتسأل :</p><p>- من هو زوج ريم ؟</p><p>أجاب عماد بقلق :</p><p>- أنا .. هل ريم بخير ؟</p><p>طلبت منه التوقيع بالموافقة على ﻹجراء عملية جراحية لزوجته في حال الحاجة فسألها بخوف :</p><p>- ما الذي يحدث لها ؟ هل هي بخير ؟</p><p>- لديها أعراض وﻻدة مبكرة .. وسنحاول قدر اﻹمكان تجنب ذلك فالجنين صغير جدا .</p><p>أحس بقلبه ينقبض وهو يرى عمته تبكي ، وزوج عمته يتحسب على من كان السبب بصوت مرتفع ، وأمه تطلب منه التوقيع بسرعة . وقع على الورقة وهو في حالة الذهول ، فالطفل يخرج إلى الدنيا اﻵن وقبل أوانه وسيرى والديه متباعدين ومتخاصمين . في غصون لحظات خرجت الممرضات ريم من غرفة الطوارئ ووجها أصفر وهي تصرخ من اﻷلم والمحلول السائل يجري في وريدها . أخذوها بسرعة إلى غرفة الوﻻدة وخرجت الطبيبة وراءها بسرعة .</p><p>لحقوا بها وجلسوا في المقاعد المقابلة لغرفة الوﻻدة ينتظرون والجو يسوده التوتر والصمت . كانت نظرات عمته تبعث له برسائل نارية صامتة وهو ساكت ويدعو الله أن تكون ريم والطفل بخير . بقيا لساعة دون أن يخبرهما أحد عما يجري في الداخل . كان عماد على أعصابة وهو ينتظر فنهض من على كرسيه ودق جرس باب غرفة الوﻻدة خرجت الممرضة وطلب منها الحديث مع الطبيبة التي جاءت وطلب منها شرحا لما يحدث . سألها بعينين ضيقتين من التوتر :</p><p>- كيف تنقلونها لغرفة الوﻻدة وهي لم تتم الحمل بعد ؟</p><p>- ريم تعاني من أعرض الوﻻدة المبكرة .. وهي اﻵن تحت المراقبة .. وسنحاول قدر اﻹمكان تجنب وﻻدتها برغم بدء اتساع عنق الرحم .. سنراقب وضعها وحالة الطفل وسنتدخل في الوقت المﻼئم .</p><p>هز رأسه وسألها عن وضع الطفل في حال وﻻدته ، فأجابته بصراحة :</p><p>- نحن خائفون على الطفل فلو ولدته اﻵن سيكون صغيرا وضعيفا وسيحتاج لوضعه في العناية المركزة الخاصة باﻷطفال الخدج .</p><p></p><p>عاد عماد إلى منزله قبل منتصف الليل وريم بقيت في غرفة الوﻻدة تحت المراقبة .كان يشعر بالتعب والجوع فهو لم يأكل شيئا منذ استيقاظه من النوم . ذهب إلى المطبخ وشرب كوبا من اللبن وأكل تفاحة وتوجه لغرفته . بدل مﻼبسه ورمى نفسه على سريره وهو يفكر بالطفل القادم إلى الحياة وﻷول مرة يشعر بعاطفة حياله . تذكر كﻼم الطبيبة بأنه سيكون صغيرا وضعيفا . أحس بالذنب لتفكيره به بشكل سيء منذ أن عرف بوجوده في أحشاء ريم . ونام على أفكاره واستيقظ على الساعة الثامنة على صوت رنين الهاتف . وما أن فتح عينيه حتى تذكر بأن ريم في المستشفى ، وتذكر بأن اليوم السبت وهو لم يذهب للشركة أيضا .</p><p>رفع سماعة الهاتف وسمع صوت أمه في الطرف اﻵخر ، سألها عن ريم فأخبرته بأنها بصحة جيدة وقد ولدت قبل قليل طفﻼ ذكرا وهو في العناية المركزة للخدج . خرج بسرعة متوجها للمستشفى لرؤية ريم فمنذ خروجه من المنزل تلك الليلة وهو لم يقابلها ولم يتحدث معها ، وحتى عندما عرضت عليه الطبيبة رؤيتها في غرفة الوﻻدة رفض ذلك ، فهو لم يكن يريد أن يراها تصرخ من اﻷلم ..</p><p>صعد إلى الطابق الثاني في المستشفى وسأل عن غرفتها دلته عليها إحدى الممرضات . وقبل أن يطرق الباب تذكر بأنه لم يجلب لها ورودا أو شكوﻻتة . دخل إلى الغرفة الخاصة بهدوء وخوف وقلق ووجد ريم نائمة على السرير وهي شاحبة ومتعبة . فتحت عينيها الدامعتين وهو يقترب منها ببطء وابتسامه باهتة على وجهه . قال لها :</p><p>- حمد الله على سﻼمتك .</p><p>وبنبرة غضب قالت :</p><p>- هل عرفت بأن الطفل في العناية المركزة .. أنت السبب في وﻻدتي المبكرة ولن أسامحك .</p><p>أمسك بيدها وقال لها مطمئنا :</p><p>- سيكون بخير .. فهو ﻻ ذنب له بمشاكلنا وخﻼفتنا .</p><p>بكت بحرقة وهي تكرر بأنه السبب في ما أصابها وضمها إليه محاوﻻ التخفيف عنها فقالت له وهي بين ذراعيه :</p><p>- لم أرى طفلي بجانبي .. أخذه طبيب اﻷطفال إلى غرفة العناية مباشرة عندما ولد وهو ﻻ يبكي وﻻ يتنفس .. لم أستطع حتى أن أضعه على صدري وأقبله كأي أم ترى وليدها الذي تعبت بحمله ووﻻدته .. لن أسامحك إذا أصابه مكروه .</p><p>قالت كلمتها ونشجت بالبكاء وهي بين ذراعيه ، شعر بأن قلبه يتقطع وعليه أن يبدو متماسكا أمامها فهي نفساء ومتعبة . طبع قبلة على جبينها واستأذنها للخروج ومقابلة طبيب اﻷطفال ، فرفعت رأسها وقالت له :</p><p>- سأذهب معك .. أريد أن أرى طفلي وأطمأن عليه .</p><p>بلع ريقه وطلب منها أن ترتاح فهي ولدت منذ ساعات فقط . طرق الباب ودخلت الطبيبة ومعها الممرضة ، فطلبت منها وهي تبكي السماح لها بالذهاب لرؤية طفلها . اقتربت منها الطبيبة وقالت لها بلطف :</p><p>- أفضل أن تذهبي في وقت ﻻحق فأنت مازلت متعبة وربما يصيبك دوار .. أذهبي ليﻼ بعد أن تأخذي قسطا من النوم والراحة فالممرضات سيسمحن لك ولزوجك بزيارته في أي وقت .</p><p>ذهب عماد للعناية المركزة داخل الحضانة بعد أن وعد ريم أن يخبرها عن حالة الطفل بعد عودته وسيذهب معها مرة أخرى . ذهب ودق الجرس ، كان قلبه مقبوضا وخائفا وهو يفكر بالطفل ، جاءت الممرضة وأخبرها بأنه يريد رؤية طفل ريم فهو والده ، طلبت منه أن يرتدي غطاء الرأس والحذاء ، ويرتدي اللباس اﻷزرق الخاص . ذهب برفقتها مرورا بالحضانة العادية والرضع فيها يصرخون ، وبعضهم نائمون . ومر بغرفة أخرى خاصة بالعناية المتوسطة ، ومن ثم العناية المركزة . وجد عددا متفرقا من اﻷسرة الصغيرة والحاضنات المغلقة والمرتبطة بشاشات مراقبة وجميع اﻷطفال صغار في الحجم ومربوطون بالكثير من اﻷسﻼك ولم يكن يعرف أي واحد هو ابنه .</p><p>أحس بأنه سيختنق والممرضة تشير له على الطفل الموضوع في سرير خاص مربع الشكل مكشوف من اﻷعلى تغطيه مدفأة خاصة . كان صغيرا جدا حتى أن حفاظه يغطي معظم جسمه المغطى بالوبر الكثيف . وسلك مدخل في سرته مرتبط بمحلول للتغذية الخاصة وسلك يراقب مستوى اﻷوكسجين في دمه ، وأسﻼك أخرى في ظهره وصدره العاري تراقب العﻼمات الحيوية . وأنبوب آخر في فمه متصل بجهاز كبير بجانبه من أجل التنفس ، والممرضة المسئولة عنه جالسة بجانبه وأمامها الكثير من اﻷوراق ، وطلبت منه أن يغسل يديه جيدا قبل أن يلمسه . أقترب من الطفل ووجده مغمض العينين ونائم على ظهره ، وبطنه يرتفع ويهبط بسرعة . مد يده ولمس جلده الرقيق كانت أوردته ظاهرة وكأن جلده مجرد نسيج شفاف . قرب رأسه من أذن الطفل ونطق اﻵذان في أذنه اليمنى واﻹقامة في اليسرى . وسأل الممرضة عنه فأحالته إلى الطبيب اﻷطفال الذي قال له :</p><p>- كونه ولد بعد خمسة وعشرون أسبوعا فرئتيه ﻻ تعمل بالشكل المطلوب ولذا بدأنا التنفس الصناعي .. وجهازه الهضمي ليس مؤهﻼ بعد لذا نغذيه عن طريق السرة .. والطفل ولد قبل أوانه ونحن نحاول أن</p><p>نساعده ولكن المشكلة اﻷساسية هي التنفس فمستوى اﻷكسجين ينخفض بحدة بين فترة وأخرى .</p><p>أحس بالدموع تتجمع في عينيه ، وعاطفة غريبة يشعر بها للمرة اﻷولى نحو الطفل تنتابه ، فسأل الطبيب :</p><p>- وهل سيعيش ؟</p><p>كان الطبيب جادا ومتعاطفا معه وهو يقول :</p><p>- أتمنى ذلك .. نحن سنقوم بواجبنا والباقي على الله .</p><p>عقد حاجبيه وقال :</p><p>- وكأنك تقول بأنه لن يعيش .</p><p>- هو صغير جدا وجسمه لم ينضج بعد .</p><p>وأمامه فتح حفاظ الطفل كاشفا عن أعضائه الصغيرة ، وقال :</p><p>- أنت كإنسان عادي ولست طبيبا ربما ﻻ تستطيع التفريق إذا كان هذا الطفل ذكرا أو أنثى .</p><p>هز رأسه موافقا ونزلت دموعه من عينيه ومسحهما بيده وقال للطبيب بألم :</p><p>- أرجوك يا دكتور أبذل ما في وسعك من أجله .</p><p>- هذا واجبنا .. وأنت أدعو الله أن تستقر حالته وينجو .</p><p>فرك جبينه وسأل الطبيب :</p><p>- وماذا أقول ﻷمه ؟.. هي تريد أن تراه .</p><p>طلب منه الطبيب أن يشرح لزوجته اﻷمر بشكل مبسط ، فتأفف وقال :</p><p>- هي طبيبة وتعرف كل شيء وستطلب شرحا كامﻼ .</p><p>دعاه للقدوم مع زوجته مساءا لرؤية الطفل فشكره وألقى نظرة سريعة على الطفل وخرج من الحضانة وصورة الطفل مازالت أمام عينيه . ذهب إلى غرفة ريم الخاصة وهو يقدم رجل ويؤخر أخرى ﻻ يعرف كيف يواجهها وماذا يقول لها . اصطنع ابتسامه ودخل وجد عمته وزوجها جالسين . سلم عليهما واقترب من ريم وقال لها :</p><p>- لقد رأيته .. هو صغير لكن الطبيب طمأنني بأن وضعه مستقر وسيبقى في الحضانة لعدة أيام حتى يكبر .</p><p>وسألته بسرعة :</p><p>- التنفس ؟</p><p>بلع ريقه وقال :</p><p>- اصطناعي .. يتنفس من أنبوبة في فمه .</p><p>بكت وهي تقول :</p><p>- طفلي المسكين مازال غير قادر على التنفس بعد .</p><p>أسندت رأسها بيديها وخاطبته من بين دموعها :</p><p>- أنت السبب في وﻻدتي المبكرة.</p><p>دمت عيني عماد من جديد وهو يستمع ﻹتهامات ريم . أحس بأنها صادقة فيما قالته وأنه السبب في ذلك ، فلو لم يتشاجر معها تلك الليلة ، ولم يخرج من المنزل لما حدث ما حدث . نهض من كرسيه بصمت وأدار وجهه للحائط وهو يمسح دموعه وريم مازالت تبكي بحرقة وألم . طرق الباب من جديد ودخلت أمه وعانقت ريم وطمأنتها بان الطفل سيكون بخير وكثيرات ولدن قبل أوانهن وأصبح أطفالهن كبار اﻵن . بكت ريم مجددا وحاولت النهوض من السرير ومنعها والدها ، فصرخت :</p><p>- أريد أن أرى طفلي اﻵن ولن أنتظر حتى الليل .. أنا بصحة جيدة .</p><p>بقي عماد صامتا وريم تدق الجرس ﻻستدعاء الممرضة وتصرخ بصوت مرتفع . جاءت الطبيبة مع ممرضة أخرى على صوت صراخها القوي . قالت للطبيبة وهي تنتحب من البكاء :</p><p>- أريد أن أرى طفلي اﻵن .</p><p>أوصتها الطبيبة بالذهاب مع زوجها والعودة سريعا لترتاح . فأقترب عماد منها وأمسك بيدها وذهبا إلى الحضانة . طرقا الباب وأرتديا المﻼبس الخاصة وتوجها لغرفة العناية المركزة . أوصلتهما الممرضة إلى الطفل في سريره الخاص . وبسرعة أمسكت به ريم وقبلته وهي تبكي وجاء الطبيب بسرعة وشرح لها حالته . فسكنت قليﻼ وبقي الطفل بين ذراعيها لدقائق قبل أن يطلب منها الطبيب إعادته إلى سريره الخاص .</p><p>***</p><p></p><p>ودعت كاميليا صديقتيها أمام بوابة المجمع العسكري الطبي وركبت سيارتها وطلبت من السائق التوجه إلى المستشفى الخاص بالدمام . كانت تشعر بالضيق واﻹنزعاج عندما أخبرتها نسرين بشأن وﻻدة طفل عماد المبكرة . تضايقت وشعرت بألم في قلبها سرى بسرعة إلى جميع أطرافها . كانت تشعر بالتعب واﻹرهاق فهي لم تنم البارحة أبدا وظلت مستيقظة تفكر بعماد وبحياتها البائسة ومشاكلها مع زوجها . غطت عينيها ودموعها بنظراتها الشمسية وهي تفكر بالخطوة المقدمة عليها وهي زيارة الطبيبة النفسية . كانت تريد حﻼ لوجعها وقلقها وعدم قدرتها على النوم ، تريد أن ترتاح من التفكير واﻷرق فالدواء العشبي الذي استخدمته ضد الكآبة لم يفدها بشيء . دخلت على الدكتورة ليلى . سلمت عليها ونزعت النظارة وبانت عينيها العسليتين الغارقتين بالدموع ، فقالت لها الطبيبة بابتسامة رزينة :</p><p>- خير يا كاميليا .. لماذا البكاء ؟.. على فكرة اسمك جميل .</p><p>مسحت دموعها بمنديل وقالت :</p><p>- أنا تعيسة ومتعبة .. منذ عدة أشهر وأنا أعاني من صعوبة في النوم وكآبة لم أستطع التخلص منها .</p><p>حكت للطبيبة عن أحداث السنوات اﻷخيرة ، منذ لقائها بعماد وعﻼقتها به ﻷربع سنوات مرورا بزواجها اﻹجباري بناصر وحتى اﻵن . أخبرتها عن تفاصيل عﻼقتها الزوجية وعن الفشل والبرودة وكل شيء ، واستمعت لها الطبيبة بإصغاء شديد . أحست براحة بمجرد تفريغ ما في قلبها ﻷحد يتفهمها وينصت لها بدون أن يلومها أو يعاتبها أو يحملها أدنى مسئولية .</p><p>حكت لها عن عماد والحب الذي ينهش قلبها ، وعن ناصر وخيانته اﻷخيرة وعودتها إليه رغما عنها . طلبت منها الطبيبة قطع العﻼج العشبي وأعطتها حبوبا مهدئة بنسبة قليلة جدا . وحبوبا أخرى لتساعدها على النوم ، وموعدا بعد أسبوعين من أجل تقييم وضعها من جديد . اشترت الدواء من الصيدلية وركبت سيارتها . كانت تفكر بعماد وبطفله الصغير وتتمنى أن يكون بخير ووصلت إلى بيتها وهي مازالت على أفكارها ..</p><p>"</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="شاعرة الليل, post: 1421727, member: 10362"] . """ الفصل 30. عاد الشتاء من جديد ككل عام .. عاد مثلما كان قبل أن تحبه ويرغمها والدها على الزواج بغيره ، وقبل أن يتزوج هو ويصبح أبا لجنين لم يولد بعد . تقلبت على فراشها وهي تتذكر حديثه لها بأنه يراها شريكة حياته وأما ﻷوﻻده . أحست بألم يعتصر روحها وغصة في حلقها ودمعة أحرقت جفنيها وهي تفكر به . نهضت كاميليا من سريرها ابتلعت حبة من الدواء الخاص بالكآبة وبكت بحسرة وهو تحسب أيام الفراق منذ أن ذهبت إليه في بيته ذلك اليوم . كم كانت غبية ومتسرعة . كيف جاءت فكرت الهروب في بالها وكأنها تعيش أحداث فيلم هندي . تذكرت نظرات عماد لها وهو يطلب منها الخروج من المنزل . لم تصدق بأن تلك القسوة التي كانت في عينيه هو مصدرها ، ﻻبد أنه كان رجﻼ آخر وليس الرجل الذي وعدت نفسها بأن يكون لها . تنهدت بقوة تعادل الثمانية الشهور الماضية ، سينتهي العام نفسه والعذاب نفسه والليل نفسه بهمومه وأفكاره ودموعه . فكرت به وتساءلت ، ماذا يفعل في هذا الوقت من الليل . كان عماد مستلقيا على سريره يفكر بطفله القادم إلى الحياة . طفل صغير من ريم وثمرة لعﻼقة ﻻ يعرف ماذا يطلق عليها . ليست عﻼقة حب ، وليست عﻼقة زوجية سوية ، كانت لحظات من المتعة . كان يشعر بأن هذا الطفل غير فيه شيئا ما في قلبه أو روحه . أصبح متضايقا أكثر ومنزعجا وشارد الفكر باستمرار . منذ أن أخبرته ريم بحملها وحتى اﻵن وهو حزين ﻷن طفله سيولد ويرى أبويه متباعدين ﻻ يجمعهما شيء غير السكوت والتجاهل والجفاء . أبوين ﻻ يحبان بعضهما وﻻ بد أنه يشعر بذلك ويسمع شجارهما وصراخهما فعمره اﻵن ستة أشهر . فكر بكاميليا وهل يستطيع أن يبعدها عن تفكيره ليلة واحدة ؟ استلقت ريم بجانبه فلم يشعر بها ، كلمته ولم يسمعها ، فسكتت تراقبه وهو يدير لها ظهره . هزت كتفه بقوة وقالت له بنبرة غاضبة : - أﻻ تمل من السكوت ؟.. لماذا تدير لي ظهرك وأنا أكلمك ؟.. لماذا تعاملني بهذه الطريقة ؟ .. يكفي إني صابرة ومتحملة لتصرفاتك البغيضة . بلع ريقه وعينيه تركزان النظر في سقف الغرفة ، قال لها : - لم أنتبه لك فقد كنت أفكر بأمر ما . تأففت وسألته بحدة : - ما بك ؟.. و ما الذي يشغلك عني ؟.. أخبرني ﻷتفهمك وأعذرك . - ما أفكر به ليس من شأنك .. فﻼ تشغلي نفسك بي . غضبت منه وصرخت فيه : - لماذا أنت جاف هكذا ؟.. هل تعلم بأنني خدعت فيك .. فلطالما كنت بالنسبة لي الزوج المثالي ومنذ اﻷيام اﻷولى لزواجنا اكتشفت صورتك الحقيقة . تفاجأ مما قالته فلقد ذكرته بكاميليا عندما قالت له ذلك يوم جاءت تطلب منه الهرب . بلع ريقها وسألها : - ماذا تقصدين ؟ - أنت جاف وقاسي حتى جدي لم يعامل جدتي بالطريقة التي تعاملني بها .. منذ زواجنا وأنت لم تجاملني وتقول لي بأنك تحبني مرة واحدة على اﻷقل . حدق بها وقال : - أنا ﻻ أكرر هذه الكلمة بمناسبة وبدون مناسبة .. فالحب ليس كلمة رخيصة . غضبت من رده وقالت بانفعال : - ﻻ أريدك أن ترددها على مسمعي ليﻼ ونهارا .. مرة واحدة تكفيني . تنهد وزم شفتيه وقال لها بحدة : - ﻻ تطلبي من أحد أن يقول بأنه يحبك فهذه الكلمة إذا لم تخرج من قلب اﻹنسان ستكون كذبا ونفاقا تجدينها لدى السفلة واللعوبين والمراهقين . غطت نفسها باللحاف وراحت تقول : - ﻻ فائدة منك وستبقى هكذا على الدوام .. لدي حل قد يناسبك . أنصت لها فأردفت بسخرية : - أعرف طبيبا في المستشفى الجامعي وهو مستشار نفسي كبير ربما تفيدك زياراته واستشاراته . رفع اللحاف عن وجهها وخاطبها بغضب : - أنت مسكينة وأنا ﻻ أود الرد عليك حتى ﻻ أجرح مشاعرك وأنت حامل . لم يود إخبارها بأنه يشعر بالندم وتسرعه وتورطه بهذا الزواج الفاشل . نادم بشدة فهما يعانيان وهناك طفل قادم ليعاني معهما . كم يكرهها ويكره هذا الطفل أيضا . نهض من السرير وخرج من الغرفة متوجها لغرفة مكتبه ، وهناك استلقى على الكنبة وأغمض عينيه وتذكر كاميليا عندما قالت له ريم متعجرفة وبغيضة وأخبرته عن الموقف الذي حدث بينهما في زواج أمل . وما أن فتح عينيه حتى وجد ريم أمامه تطلب منه النهوض لينام في غرفتهما . قالت له آمره : - هيا أنهض ونم في الغرفة .. ﻻ يعجبني أن تنام هنا . صرخ فيها بقوة : - أدلفي عن وجهي .. وسأترك لك المنزل بأكمله لترتاحي مني . أمسكت يده وقالت بأسف : - لم أقصد ما أقوله .. أعذرني يا ابن خالي . كان غاضبا منها بعد ما قالته فأبعدها عنه ونهض متوجها لغرفته ولحقت به ، ورأته يبدل مﻼبسه . سألته باستغراب : - وإلى أين تذهب في هذا الوقت ؟ نظر لها بازدراء وقال لها بأنه ليس مضطرا لﻺجابة ، فهددته : - إذا خرجت اﻵن فلن تراني حينما تعود . صرخ فيها بقوة : - أذهبي إلى أي مكان تريدينه .. أذهبي إلى جهنم الحمراء فأنت ﻻ تعنيني .. لعن الله اليوم الذي فكرت بالزواج بك . لحقت به وهي تقول : - ﻻ تجعل من الحبة قبة فأنا لم أكن أقصد .. أنت تتحين الفرصة لنتشاجر فقط . خرج من المنزل وركب سيارته ، مشى ﻻ يعرف إلى أين يذهب فالليل يوشك أن ينتصف . أحس بثورة الغضب تزداد في نفسه وهو يتذكر ما قالته ريم ، كان وحيدا وضائعا ﻻ يعرف إلى أين يذهب . سار في الطريق المؤدية إلى المزرعة ليبتعد عن ريم وعن قلقه وتفكيره وحيرته وندمه . اتصلت به عدة مرات ولم يجبها وأطفأ هاتفه فلم يرد سماع صوتها . دخل اﻻستراحة وأشعل اﻷنوار ودخل أحد غرف النوم واستلقى على الفراش وتغطى . أغمض عينيه فهو يريد أن ينام بدون قلق وتفكير وهموم فمنذ سنوات وهو ينام والهموم تشاركه سريره . حاول أن يتذكر يوما واحد نام فيه هادئا . كان ذلك منذ زمن طويل ، قبل أن يرتكب خطأ الزواج بريم وقبل أن يتعرف على كاميليا ويحبها ، وقبل أن يفسخ خطوبته بسوسن ، وقبل أن يموت عﻼء وتصر والدته على القصاص من قاتله وعدم العفو عنه بالرغم من وساطة كبار رجال القطيف وشيوخها . نام براحة قبل أكثر من خمسة عشر عاما . *******. أستيقظ ظهرا من نومه وهو يشعر بالتعب والضيق وبسرعة تذكر شعوره البارحة وهو يخرج من منزله بعد شجاره مع ريم . عاد إلى منزله ولم يجدها فقد نفذت وعدها، ﻻ بد أنها ذهبت تشتكيه لوالديها وسيصل اﻷمر بسرعة ﻷمه وستتصل به وتستدعيه لتناقشه فيما حدث . أستحم بسرعة وارتدى مﻼبسه وهم بالخروج إلى المطعم لتناول طعام الغذاء . أتصل به ماجد ولم يجبه ، ركب سيارته وتوجه إلى المطعم المجمع التجاري ليتناول الطعام وحده ويستعيد بعضا من ذكرياته مع كاميليا ، فهو ﻻ يريد أن يرى أحدا أو يتحدث مع أحد . يريد أن يبقى وحده ليفكر في حياته الرتيبة وأخطاءه وزوجته وطفله القادم والمرأة التي يحبها ورسائلها له في الجريدة . ترجل من سيارته ونظارته الشمسية تخفي عينيه الغاضبتين وهو يتذكر كﻼم ريم بشأن الطبيب النفسي . وما أن دخل من بوابة المطعم حتى رن هاتفه الجوال كانت أمه المتصلة تطلب منه زيارتها ، قال لها بأنه سيتناول غذاءه أوﻻ لكنها أصرت على قدومه حاﻻ فهي تريد الحديث معه بشأن هام . لم يشأ مجادلتها ورضخ بسرعة لطلبها ومن يستطيع معارضتها ؟ عرف بأن ريم أثارت زوبعة بشأن شجارهما البارحة وأن أمه ستوبخه لخروجه من المنزل في وقت متأخر . دخل إلى البيت ووجدها في الصالة تتحدث عبر الهاتف . أنهت مكالمتها ورحبت به عندما جلس بجانبها . اسند رأسه على اﻷريكة وقال لها وهو مغمض العينين : - هل عرفت بأن ريم تركت المنزل ؟ بلعت ريقها وقالت له وهي تحاول إخفاء استياءها منه: - عرفت بأنك تشاجرت معها وتركت المنزل في وقت متأخر من الليل. وأردفت : - لماذا تعامل زوجتك وأم طفلك القادم بقسوة ؟ تنهد وقال : - تشاجرنا و.. قاطعته : - ولماذا تركت المنزل ؟.. بعلمي أن المرأة تترك بيت زوجها ﻻ الرجل . أجابها بغضب : - لم أتحمل تصرفاتها وكﻼمها البارحة .. لو لم أخرج من البيت لربما فقدت أعصابي وضربتها .. هي متعجرفة وبغيضة ومغرورة وتظن أنها قدمت تضحية لزواجها مني ورفضها ﻻبن عمها .. ليتها تزوجته وتفاديت حدوث أكبر خطأ في حياتي . سكت للحظات وأكمل يقول ﻷمه بأنه ﻻ يطيق ريم وﻻ يتحمل تصرفاتها البتة . كانت أمه تخشى أن يقدم على طﻼق زوجته فأمسكت بيده وقالت : - ريم هي زوجة العمر وكﻼمك غير مقبول بالمرة وعليك أن تذهب لتصالحها حتى لو كانت هي المخطئة . رفض الذهاب لمصالحتها فهي خرجت من المنزل وحدها وعليها أن تعود وحدها لكنها حدقت به بعينيها القويتين وقالت له بحدة : - ريم ليست لعبة لتتركها في بيت والدها وﻻ تسأل عنها .. أذهب إلى محل المجوهرات وأشتري لها خاتما ماسيا أو ساعة وأذهب لتصالحها وﻻ تدع الموضوع يكبر . رن هاتفها الجوال وانزعاج عندما رأى اسم عمته نورة ، فلم يرد عليها وقال ﻷمه : - لقد اتصلت عمتي اﻵن .. وهذا ما كان ينقصني . طلب منه أن يرد عليها فقال لها بصراحة بأنه لن يذهب لمصالحة ريم وسيدعها تبقى لعدة أيام في منزل والديها ليرتاح منها وتهدأ نفسه ثم يذهب إليها ويتفاهمان . أعادت عمته اﻻتصال ولم يرد عليها ، وقال ﻷمه : - ﻻبد أن ريم هي من تحثها على اﻻتصال بي وإزعاجي .. أرغمته أمه على الرد فأجاب على مضض وتفاجأ بعمته تبكي وهي تخبره بأن ريم مصابة بآﻻم شديدة في بطنها وظهرها مشابهة ﻵﻻم الوﻻدة وهم في طريقهم إلى المستشفى الخاص بالخبر ﻷنها تتابع حملها هناك . سكت بجمود وعينيه مفتوحتين وانسحب الدم من وجهه وقال ﻷمه : - سينقلونها إلى المستشفى .. كيف تلد اﻵن وقد أكملت الشهر السادس منذ أسبوع فقط ؟ طمأنته أمه بأنها قد تكون آﻻم الوﻻدة الكاذبة وأصابتها بسبب التوتر واﻹرهاق . قاد سيارته بسرعة وهو يفكر بريم وبالطفل وأمه تحاول تهدئته . أحس بالخوف عليهما ودعا الله أن ﻻ يصيبها مكروه . وصل إلى المستشفى ودخل بسرعة من بوابة الطوارئ ووجد عمته وزوجها خارجا . سألهما عن ريم فرد زوج عمته بوجه عابس بأنها في غرفة الطوارئ والطبيبة تفحصها . سكت ﻻ يعرف ماذا يقول ودعا الله أن ينجي ريم وطفله من أي أذى . وبعد لحظات خرجت الممرضة وبيدها ورقة وتسأل : - من هو زوج ريم ؟ أجاب عماد بقلق : - أنا .. هل ريم بخير ؟ طلبت منه التوقيع بالموافقة على ﻹجراء عملية جراحية لزوجته في حال الحاجة فسألها بخوف : - ما الذي يحدث لها ؟ هل هي بخير ؟ - لديها أعراض وﻻدة مبكرة .. وسنحاول قدر اﻹمكان تجنب ذلك فالجنين صغير جدا . أحس بقلبه ينقبض وهو يرى عمته تبكي ، وزوج عمته يتحسب على من كان السبب بصوت مرتفع ، وأمه تطلب منه التوقيع بسرعة . وقع على الورقة وهو في حالة الذهول ، فالطفل يخرج إلى الدنيا اﻵن وقبل أوانه وسيرى والديه متباعدين ومتخاصمين . في غصون لحظات خرجت الممرضات ريم من غرفة الطوارئ ووجها أصفر وهي تصرخ من اﻷلم والمحلول السائل يجري في وريدها . أخذوها بسرعة إلى غرفة الوﻻدة وخرجت الطبيبة وراءها بسرعة . لحقوا بها وجلسوا في المقاعد المقابلة لغرفة الوﻻدة ينتظرون والجو يسوده التوتر والصمت . كانت نظرات عمته تبعث له برسائل نارية صامتة وهو ساكت ويدعو الله أن تكون ريم والطفل بخير . بقيا لساعة دون أن يخبرهما أحد عما يجري في الداخل . كان عماد على أعصابة وهو ينتظر فنهض من على كرسيه ودق جرس باب غرفة الوﻻدة خرجت الممرضة وطلب منها الحديث مع الطبيبة التي جاءت وطلب منها شرحا لما يحدث . سألها بعينين ضيقتين من التوتر : - كيف تنقلونها لغرفة الوﻻدة وهي لم تتم الحمل بعد ؟ - ريم تعاني من أعرض الوﻻدة المبكرة .. وهي اﻵن تحت المراقبة .. وسنحاول قدر اﻹمكان تجنب وﻻدتها برغم بدء اتساع عنق الرحم .. سنراقب وضعها وحالة الطفل وسنتدخل في الوقت المﻼئم . هز رأسه وسألها عن وضع الطفل في حال وﻻدته ، فأجابته بصراحة : - نحن خائفون على الطفل فلو ولدته اﻵن سيكون صغيرا وضعيفا وسيحتاج لوضعه في العناية المركزة الخاصة باﻷطفال الخدج . عاد عماد إلى منزله قبل منتصف الليل وريم بقيت في غرفة الوﻻدة تحت المراقبة .كان يشعر بالتعب والجوع فهو لم يأكل شيئا منذ استيقاظه من النوم . ذهب إلى المطبخ وشرب كوبا من اللبن وأكل تفاحة وتوجه لغرفته . بدل مﻼبسه ورمى نفسه على سريره وهو يفكر بالطفل القادم إلى الحياة وﻷول مرة يشعر بعاطفة حياله . تذكر كﻼم الطبيبة بأنه سيكون صغيرا وضعيفا . أحس بالذنب لتفكيره به بشكل سيء منذ أن عرف بوجوده في أحشاء ريم . ونام على أفكاره واستيقظ على الساعة الثامنة على صوت رنين الهاتف . وما أن فتح عينيه حتى تذكر بأن ريم في المستشفى ، وتذكر بأن اليوم السبت وهو لم يذهب للشركة أيضا . رفع سماعة الهاتف وسمع صوت أمه في الطرف اﻵخر ، سألها عن ريم فأخبرته بأنها بصحة جيدة وقد ولدت قبل قليل طفﻼ ذكرا وهو في العناية المركزة للخدج . خرج بسرعة متوجها للمستشفى لرؤية ريم فمنذ خروجه من المنزل تلك الليلة وهو لم يقابلها ولم يتحدث معها ، وحتى عندما عرضت عليه الطبيبة رؤيتها في غرفة الوﻻدة رفض ذلك ، فهو لم يكن يريد أن يراها تصرخ من اﻷلم .. صعد إلى الطابق الثاني في المستشفى وسأل عن غرفتها دلته عليها إحدى الممرضات . وقبل أن يطرق الباب تذكر بأنه لم يجلب لها ورودا أو شكوﻻتة . دخل إلى الغرفة الخاصة بهدوء وخوف وقلق ووجد ريم نائمة على السرير وهي شاحبة ومتعبة . فتحت عينيها الدامعتين وهو يقترب منها ببطء وابتسامه باهتة على وجهه . قال لها : - حمد الله على سﻼمتك . وبنبرة غضب قالت : - هل عرفت بأن الطفل في العناية المركزة .. أنت السبب في وﻻدتي المبكرة ولن أسامحك . أمسك بيدها وقال لها مطمئنا : - سيكون بخير .. فهو ﻻ ذنب له بمشاكلنا وخﻼفتنا . بكت بحرقة وهي تكرر بأنه السبب في ما أصابها وضمها إليه محاوﻻ التخفيف عنها فقالت له وهي بين ذراعيه : - لم أرى طفلي بجانبي .. أخذه طبيب اﻷطفال إلى غرفة العناية مباشرة عندما ولد وهو ﻻ يبكي وﻻ يتنفس .. لم أستطع حتى أن أضعه على صدري وأقبله كأي أم ترى وليدها الذي تعبت بحمله ووﻻدته .. لن أسامحك إذا أصابه مكروه . قالت كلمتها ونشجت بالبكاء وهي بين ذراعيه ، شعر بأن قلبه يتقطع وعليه أن يبدو متماسكا أمامها فهي نفساء ومتعبة . طبع قبلة على جبينها واستأذنها للخروج ومقابلة طبيب اﻷطفال ، فرفعت رأسها وقالت له : - سأذهب معك .. أريد أن أرى طفلي وأطمأن عليه . بلع ريقه وطلب منها أن ترتاح فهي ولدت منذ ساعات فقط . طرق الباب ودخلت الطبيبة ومعها الممرضة ، فطلبت منها وهي تبكي السماح لها بالذهاب لرؤية طفلها . اقتربت منها الطبيبة وقالت لها بلطف : - أفضل أن تذهبي في وقت ﻻحق فأنت مازلت متعبة وربما يصيبك دوار .. أذهبي ليﻼ بعد أن تأخذي قسطا من النوم والراحة فالممرضات سيسمحن لك ولزوجك بزيارته في أي وقت . ذهب عماد للعناية المركزة داخل الحضانة بعد أن وعد ريم أن يخبرها عن حالة الطفل بعد عودته وسيذهب معها مرة أخرى . ذهب ودق الجرس ، كان قلبه مقبوضا وخائفا وهو يفكر بالطفل ، جاءت الممرضة وأخبرها بأنه يريد رؤية طفل ريم فهو والده ، طلبت منه أن يرتدي غطاء الرأس والحذاء ، ويرتدي اللباس اﻷزرق الخاص . ذهب برفقتها مرورا بالحضانة العادية والرضع فيها يصرخون ، وبعضهم نائمون . ومر بغرفة أخرى خاصة بالعناية المتوسطة ، ومن ثم العناية المركزة . وجد عددا متفرقا من اﻷسرة الصغيرة والحاضنات المغلقة والمرتبطة بشاشات مراقبة وجميع اﻷطفال صغار في الحجم ومربوطون بالكثير من اﻷسﻼك ولم يكن يعرف أي واحد هو ابنه . أحس بأنه سيختنق والممرضة تشير له على الطفل الموضوع في سرير خاص مربع الشكل مكشوف من اﻷعلى تغطيه مدفأة خاصة . كان صغيرا جدا حتى أن حفاظه يغطي معظم جسمه المغطى بالوبر الكثيف . وسلك مدخل في سرته مرتبط بمحلول للتغذية الخاصة وسلك يراقب مستوى اﻷوكسجين في دمه ، وأسﻼك أخرى في ظهره وصدره العاري تراقب العﻼمات الحيوية . وأنبوب آخر في فمه متصل بجهاز كبير بجانبه من أجل التنفس ، والممرضة المسئولة عنه جالسة بجانبه وأمامها الكثير من اﻷوراق ، وطلبت منه أن يغسل يديه جيدا قبل أن يلمسه . أقترب من الطفل ووجده مغمض العينين ونائم على ظهره ، وبطنه يرتفع ويهبط بسرعة . مد يده ولمس جلده الرقيق كانت أوردته ظاهرة وكأن جلده مجرد نسيج شفاف . قرب رأسه من أذن الطفل ونطق اﻵذان في أذنه اليمنى واﻹقامة في اليسرى . وسأل الممرضة عنه فأحالته إلى الطبيب اﻷطفال الذي قال له : - كونه ولد بعد خمسة وعشرون أسبوعا فرئتيه ﻻ تعمل بالشكل المطلوب ولذا بدأنا التنفس الصناعي .. وجهازه الهضمي ليس مؤهﻼ بعد لذا نغذيه عن طريق السرة .. والطفل ولد قبل أوانه ونحن نحاول أن نساعده ولكن المشكلة اﻷساسية هي التنفس فمستوى اﻷكسجين ينخفض بحدة بين فترة وأخرى . أحس بالدموع تتجمع في عينيه ، وعاطفة غريبة يشعر بها للمرة اﻷولى نحو الطفل تنتابه ، فسأل الطبيب : - وهل سيعيش ؟ كان الطبيب جادا ومتعاطفا معه وهو يقول : - أتمنى ذلك .. نحن سنقوم بواجبنا والباقي على الله . عقد حاجبيه وقال : - وكأنك تقول بأنه لن يعيش . - هو صغير جدا وجسمه لم ينضج بعد . وأمامه فتح حفاظ الطفل كاشفا عن أعضائه الصغيرة ، وقال : - أنت كإنسان عادي ولست طبيبا ربما ﻻ تستطيع التفريق إذا كان هذا الطفل ذكرا أو أنثى . هز رأسه موافقا ونزلت دموعه من عينيه ومسحهما بيده وقال للطبيب بألم : - أرجوك يا دكتور أبذل ما في وسعك من أجله . - هذا واجبنا .. وأنت أدعو الله أن تستقر حالته وينجو . فرك جبينه وسأل الطبيب : - وماذا أقول ﻷمه ؟.. هي تريد أن تراه . طلب منه الطبيب أن يشرح لزوجته اﻷمر بشكل مبسط ، فتأفف وقال : - هي طبيبة وتعرف كل شيء وستطلب شرحا كامﻼ . دعاه للقدوم مع زوجته مساءا لرؤية الطفل فشكره وألقى نظرة سريعة على الطفل وخرج من الحضانة وصورة الطفل مازالت أمام عينيه . ذهب إلى غرفة ريم الخاصة وهو يقدم رجل ويؤخر أخرى ﻻ يعرف كيف يواجهها وماذا يقول لها . اصطنع ابتسامه ودخل وجد عمته وزوجها جالسين . سلم عليهما واقترب من ريم وقال لها : - لقد رأيته .. هو صغير لكن الطبيب طمأنني بأن وضعه مستقر وسيبقى في الحضانة لعدة أيام حتى يكبر . وسألته بسرعة : - التنفس ؟ بلع ريقه وقال : - اصطناعي .. يتنفس من أنبوبة في فمه . بكت وهي تقول : - طفلي المسكين مازال غير قادر على التنفس بعد . أسندت رأسها بيديها وخاطبته من بين دموعها : - أنت السبب في وﻻدتي المبكرة. دمت عيني عماد من جديد وهو يستمع ﻹتهامات ريم . أحس بأنها صادقة فيما قالته وأنه السبب في ذلك ، فلو لم يتشاجر معها تلك الليلة ، ولم يخرج من المنزل لما حدث ما حدث . نهض من كرسيه بصمت وأدار وجهه للحائط وهو يمسح دموعه وريم مازالت تبكي بحرقة وألم . طرق الباب من جديد ودخلت أمه وعانقت ريم وطمأنتها بان الطفل سيكون بخير وكثيرات ولدن قبل أوانهن وأصبح أطفالهن كبار اﻵن . بكت ريم مجددا وحاولت النهوض من السرير ومنعها والدها ، فصرخت : - أريد أن أرى طفلي اﻵن ولن أنتظر حتى الليل .. أنا بصحة جيدة . بقي عماد صامتا وريم تدق الجرس ﻻستدعاء الممرضة وتصرخ بصوت مرتفع . جاءت الطبيبة مع ممرضة أخرى على صوت صراخها القوي . قالت للطبيبة وهي تنتحب من البكاء : - أريد أن أرى طفلي اﻵن . أوصتها الطبيبة بالذهاب مع زوجها والعودة سريعا لترتاح . فأقترب عماد منها وأمسك بيدها وذهبا إلى الحضانة . طرقا الباب وأرتديا المﻼبس الخاصة وتوجها لغرفة العناية المركزة . أوصلتهما الممرضة إلى الطفل في سريره الخاص . وبسرعة أمسكت به ريم وقبلته وهي تبكي وجاء الطبيب بسرعة وشرح لها حالته . فسكنت قليﻼ وبقي الطفل بين ذراعيها لدقائق قبل أن يطلب منها الطبيب إعادته إلى سريره الخاص . *** ودعت كاميليا صديقتيها أمام بوابة المجمع العسكري الطبي وركبت سيارتها وطلبت من السائق التوجه إلى المستشفى الخاص بالدمام . كانت تشعر بالضيق واﻹنزعاج عندما أخبرتها نسرين بشأن وﻻدة طفل عماد المبكرة . تضايقت وشعرت بألم في قلبها سرى بسرعة إلى جميع أطرافها . كانت تشعر بالتعب واﻹرهاق فهي لم تنم البارحة أبدا وظلت مستيقظة تفكر بعماد وبحياتها البائسة ومشاكلها مع زوجها . غطت عينيها ودموعها بنظراتها الشمسية وهي تفكر بالخطوة المقدمة عليها وهي زيارة الطبيبة النفسية . كانت تريد حﻼ لوجعها وقلقها وعدم قدرتها على النوم ، تريد أن ترتاح من التفكير واﻷرق فالدواء العشبي الذي استخدمته ضد الكآبة لم يفدها بشيء . دخلت على الدكتورة ليلى . سلمت عليها ونزعت النظارة وبانت عينيها العسليتين الغارقتين بالدموع ، فقالت لها الطبيبة بابتسامة رزينة : - خير يا كاميليا .. لماذا البكاء ؟.. على فكرة اسمك جميل . مسحت دموعها بمنديل وقالت : - أنا تعيسة ومتعبة .. منذ عدة أشهر وأنا أعاني من صعوبة في النوم وكآبة لم أستطع التخلص منها . حكت للطبيبة عن أحداث السنوات اﻷخيرة ، منذ لقائها بعماد وعﻼقتها به ﻷربع سنوات مرورا بزواجها اﻹجباري بناصر وحتى اﻵن . أخبرتها عن تفاصيل عﻼقتها الزوجية وعن الفشل والبرودة وكل شيء ، واستمعت لها الطبيبة بإصغاء شديد . أحست براحة بمجرد تفريغ ما في قلبها ﻷحد يتفهمها وينصت لها بدون أن يلومها أو يعاتبها أو يحملها أدنى مسئولية . حكت لها عن عماد والحب الذي ينهش قلبها ، وعن ناصر وخيانته اﻷخيرة وعودتها إليه رغما عنها . طلبت منها الطبيبة قطع العﻼج العشبي وأعطتها حبوبا مهدئة بنسبة قليلة جدا . وحبوبا أخرى لتساعدها على النوم ، وموعدا بعد أسبوعين من أجل تقييم وضعها من جديد . اشترت الدواء من الصيدلية وركبت سيارتها . كانت تفكر بعماد وبطفله الصغير وتتمنى أن يكون بخير ووصلت إلى بيتها وهي مازالت على أفكارها .. " [/QUOTE]
الإسم
التحقق
رد
الرئيسية
المنتديات
,, البُريمِي الأَدَبِيـَة ,,
,, البُريمِي لِلقِصَص والرِوَايات ,,
رواية/الملعونة
أعلى