`¤*«مُحمدْ البادِيْ»*-¤
¬°•| غَيثُ مِن الَعطاء ُ|•°¬
بسم الله الرحمن الرحيم
ما بعد الشيوخ: الإنهيار القادم للمالك الخليج
After the Sheikhs: The Coming Collapse of the Gulf Monarchies
لـكريستوفر إم دافيدسون
بالكاد انقضت أربعون سنة منذ أن ألف فريد هوليداي كتابه الخطير (الجزيرة العربية من دون سلاطين Arabia without Sultans). الآن، في خضم الربيع العربي، كتب شاب أكاديمي بريطاني سردا مهما لآفاق منطقة الخليج، مسميا دراسته تلك ب (ما بعد الشيوخ: الإنهيار القادم لممالك الخليج). كلا العنوانين يحتويان على عنصر جامح من أحلام اليقضة ( wishful thinking). ولكن كريستوفر يحاول أن يستشرف دلائل عن انهيار وشيك.
تعد المملكة العربية السعودية، والكويت، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة، وعمان من مجموعة متمايزة. وتقبع الجمهورية اليمنية التي ينخر فيها الفقر في تصنيف تعيس لوحدها. تتمتع ثلاث ملكيات من أصل ست باحتياطات واسعة من النفط أو الغاز، وبثروة هائلة، وجميعها تنتظم في أنظمة سياسية عفا الزمن عليها بدا عليها القلق بينما كان التغيير يعصف في الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا. ولقد جبرت الدول الغنية منها الرتق بالمال، ولكن ظل التشظي الكامن مكانه.
يجادل دافيدسون أن الأمراء، والملوك، والشيوخ (عمان الوحيدة التي لديها سلطان) استمرت لوقت طويل بسبب أنها طعمت ظاهريا المؤسسات الحديثة بقواعد قوى تقليدية. فالولاء يشترى في مقابل الإستقرار، والسخاء في توفير الخدمات- بالرغم من أن الإنفاق لا يمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى بمعدلاته الحالية. فلا يوجد ضرائب تجمع، ولا تمثيل، إذ ساعدت الفروقات، والدين، والجشع الغربي في حشر المنتقدين في زاوية، وجعل الحال يراوح مكانه.
ولا يساعد الموقف المنحاز للمستشرقين في تبيان الصورة، وهذا الكتاب هو رواية مجردة من العاطفة عن حسابات سياسية لا ترحم، وعن استهلاك ضخم (تعد الإمارات العربية المتحدة أكبر مستهلك لخمر scotch)، وميزانيات مبهمة، وصناديق ثروة سيادية تشفط أصولا تعادل محلات هارولد، وإستاد الإمارات. وتعود رعاية المناسبات الرياضية مثل سباق البحرين للفورمولا ون، وكأس العالم في قطر بالفائدة على الاسماء التجارية، وحتى وإن أدى ذلك إلى استنزاف الموارد. فلم تعد الجزيرة بعد الآن بالجزيرة العربية المشرقة Heart-beguiling Araby وبعيدا عن ناطحات السحاب المتلألأة، والمحلات التجارية المتغولة، أضحت العواقب الإجتماعية فادحة. فأصبحت الإقتصاديات الريعية توفر لأغلب السكان الشباب قليلي العدد وظائف حكومية سهلة تبعث على الملل، في الوقت الذي يقوم الخبراء من شبه القارة الهندية، والفلبين بالعمل الشاق
لا تجد في الخليج مكانا لدولة قمعية على شاكلة سوريا أو ليبيا في عهد القذافي، غير أن ارتفاع التوقعات، والانتشار لوسائل الإعلام خلق احتمالات جديدة لنشوء الإحتجاج. فلدى الكويت أعلى معدل في العالم لاستعمال الهواتف الذكية. ونشطاء الديموقراطية في البحرين يستخدمون جوجل إيرث للكشف عن القصورة الضخمة المخفية عن أنظار الشعب. والحسابات السعودية المجهولة تخبر عن أساطير من الفساد الملكي. ومع ذلك، تظل التقنية هي الأداة الوحيدة: فالحكومات تستطيع أن نخنرع هاشتقات جذابة ، وصفحات ملكية على الفيس بوك، إضافة إلى الإنفاق على مستشاريين أجانب، وجماعات ضغط. وهناك فصل مثير للقلق كتبه دافيدسون عن رعاية خليجية لمؤسسات أكاديمية في بريطانيا، والولايات المتحدة.
ومثل مبارك والقذافي، تلعب الأنظمة الحاكمة في الخليج (باستثناء قطر، الدولة الصغيرة فاحشة الثراء) بالورقة القديمة المفضلة: ورقة الإسلاميين، حيث إنها تحذر من أنها مستهدفة من مؤامرة تحيكها جماعة الإخوان المسلمين. وللإسف فإن الأحداث في مصر ساعدت الدول على توظيف تلك الورقة توظيفا فعالا
يعدد دافيدسون الضغوط الداخلية، والخارجية التي تدفع باتجاه أزمة تلوح في الأفق حول برنامج إيران النووي. ولكنه من غير الواضح متى ستحدث التغيير عاجلا، أو أي شكل سيتخذه التغيير. ومن دون انخفاض يطرأ على أسعار النفط، والغاز، أو تحقق الإستقلال الأمريكي في الطاقة سريعا الذي طال انتظاره، فمن المحتمل أن يطول الإطار الزمني للإنهيار عن سنتين أو خمس.
واضعا السعودية العربية تحت المجهر في كتابه الدولة الإسلامية الفاضلة The Islamic Utopia، فند أندرو هاموند تفنيدا دقيقا المقولة بأن المملكة التي تنتهج نهجا محافظا متشددا (والتي لا تزال تحمل اسم مؤسس العائلة الحاكمة) تخضع لعملية إصلاح ذات مصداقية. فمنذ هجمات 11 سبتمبر والتي عكرت صفو العلاقة الحميمية مع الولايات المتحدة، لم يفتأ السعوديون يزعمون أنهم يقودون القتال ضد الجهادية، ويستجيبون بحذر لمطالب الإصلاح للتغيير في الداخل. وانصب جل الإهتمام على قضايا لافتة للنظر مثل السماح للنساء بالسياقة، وحتى وإن تحقق هذا فلن يكون له كبير الأثر في بلد من دون أحزاب سياسية، أو برلمان، أو على القضية الأوسع في حق المواطنين للمشاركة في حكم أنفسهم
وخارج بعض من جيوب ليبرالية دخيلة التي لا تطالها يد شرطة الآداب، يشجع السعوديون العاديون على التسوق، والعبادة، ولكن ليس التفكير. فإعلام مخدر لا يفعل شيئا لتحدي الحالة السائدة حيث مبالغ لا حصر لها توضع للدفاع، أو توسيع المساجد، أو للتصرف الأميري
يجمع هاموند بين التحليل المعمق واسع الإطلاع بالخبرة النادرة من العمل صحفيا في واحدة من أكثر بلدان العالم غرابة، وغموضا في أكثر الأوقات إثارة للإهتمام- ولم تكن سهلة حتى وهو كونه يتحدث العربية بطلاقة. ولكن حال تقييمه تقييما نقديا حول كيف يدير السعوديون حركة الحج السنوي، وتموينه، يصف أيضا تجربته الشخصية المتواضعة حول جمال الحلم المكي لإنسانية مشتركة وبساطته
ولكنه يرى بوضوح في خاتمته أن آل سعود: سعيدون بجر كل أولئك الذين سوف يوسعون طاقتهم الذهنية إلى عالمهم من المناقشات المعقدة: الإسلاميون ضد الليبراليون، والأمراء التقدميون ضد رجال الدين الرجعيين، والصقور، أي شبيه بعلم الدراسات السياسية السوفيتية: من هم مع، ومن هم ضد، من هم أعلى، ومن هم أسفل. ولكنها تعد حيلة كبيرة لتشتيت الإنتباه عن القضية الأساسية للقوى التعسفية الهائلة لسلالة شديدة المراس مسكونة بالخوف من فقدان كل شيء
ترجمة: أبو رسيل
المصدر: هنا