السلام عليكم
كنت قرا احد الروايات وقرات هذي االروايه واعجبتني
الفصل الأول : أتسمي نفسك حاكما
دخلت سارة غرفة والدتها , فوجدتها تخيط الثياب بكل جهد , فاقتربت منها و قالت بقلق
- أمي تبدين متعبة جدا فلترتاح سأقوم أنا بهذا العمل .
- آه يا ابنتي لقد بدأ التعب يدركني فعلا .
- أمي لقد أخبرك الطبيب بأن لا تجهدي نفسك كثيرا فأنت مريضة
- وماذا سأفعل يا ابنتي .. هذه هي حال الدنيا .
سارة تلك الفتاة النقية لا تزال في الثانية و العشري من عمرها , تعاني من مرارة هذه الحياة , و تبذل جهدها للبقاء , لم يتبقى من عائلتها سوا والدتها العجوز , لذلك هي تحاول جاهدة الحفاظ على هذه العائلة الصغيرة . .
و في ليلة من الليالي استيقظت سارة على صوت والدتها وهي تسعل بشدة , عندها أدركت بأن هذا السعال ليس طبيعيا , إنها ليست على مايرام! فأسرعت تنادي جارها الطبيب كي يراها , و عند وصوله قال بخيبة أمل كبيرة :
- إن لم نعالجها قد تفارق الحياة
تفاجأت سارة من كلام الطبيب و بلا شعور قالت : ماذا تقول ؟! لا يمكن ذلك
الطبيب : سارة اهدئي لا فائدة في انفعالك هذا .
أخذت سارة تتوسله : أيها الطبيب أرجوك عالجها سأبذل جهدي لاحقا كي أجلب لك باقي المال.
الطبيب : سارة لا فائدة من ذلك , أرجوك لا تترجيني أكثر .
سارة : أرجوك , لا تتركها تذهب هكذا , حاول مرة أخرى
الطبيب : فعلا أود مساعدتك , ولكن أنا أيضا لا أستطيع علاجها , حالة الطب لدينا متدنية جدا ووالدتك تحتاج إلى أن تعالج في الخارج أنا آسف يا سارة , عليك جمع المال بطريقة ما و معالجتها .
أخذت الدموع تسيل من عينيها و الحزن قد ملأها و هي تقول له : ألست طبيبا !
كان الطبيب حزينا جدا لحالة والدتها وكم تمنى مساعدتها ولكنه كان صادقا في كلامه , فهم دولة متخلفة قليلا وليست متحضرة أبدا .
بعد أن هدأت قليلا , تركها الطبيب و عاد لمنزله , و بقيت سارة وحدها تفكر في حل لهذه المشكلة و هي تقول لنفسها :
لا أستطيع ترك والدتي تموت أمام عيني هكذا , علي أن أجد حلا بأسرع ما يمكن , لكن كيييف ؟! الديون تغطيني تماما و لا أحد غني في هذه المدينة يا الله ماذا سأفعل ؟
بعد يومين وقفت سارة أمام البوابة الكبيرة التي يحرسها الرجلان الواقفان
قالت لنفسها : سأضطر لأن أترك الكبرياء بعيدا مرة أخرى , كل هذا لأجلك يا عزيزتي يا أمي , لقد فكرت و لا يوجد حل آخر سوا سؤال الحاكم بعضا من ماله , ولكن من سيخلصني من هؤلاء الحرس !
سارة : مرحبا أيها الرجل , هل لي بالدخول أود محادثة الحاكم لأمر عاجل .
الحارس : آسف يا سيدتي , ولكن من أنت ؟ و هل لديك إذن بالدخول
- أنا سارة ... و لا يوجد لدي إذن و لكني مضطرة لأن أتحدث معه .. أرجوك
- آسف اذهبي من هنا , نحن لا ندخل أمثالك لهنا
- ما الذي تقوله ؟
عندما بدأ يشتد الحديث تدخل الحارس الثاني وهدأ الوضع
سارة : سأذهب الآن و لكنني سأعود .
وبعد ذهابها قال محمد ( الحارس الذي تحدث مع سارة ) : ما الذي تريده هذه المرأة يا ترى ؟
الحارس الثاني ( جاسم ) : لا أعلم حقا ولكن لا أظن بأنها ستأتي لاحقا .
وفي اليوم التالي لم تتردد سارة و أتت مجددا و لكن دون فائدة لم تستطع الدخول
فعلت الأمر ذاته في اليوم الثالث , ولكن لا فائدة .
مضى أسبوع كامل وهي تأتي ولكنها تقابل بالرفض , وبعد ذلك اختفت ولم تعد مرة أخرى .
فتعجب محمد للأمر : هذا أمر غريب لم تأتي سارة إلى هنا مرة أخرى !
جاسم : ربما ملت من الأمر فلم تأتي .
- ولكن لماذا كانت تريد مقابلة الحاكم ؟ هذا هو السؤال الحقيقي .
جاسم بقلق : ربما كانت تخطط لأمر سيء , علينا إخبار الحاكم حالا .
- : كلا إياك أن تتهور .
- هذا ليس تهورا بل هو حذر . سأخبر الحاكم بنفسي , وبمكر قال : ربما يكافئني على هذا الأمر .
هذه هي الحقيقة ,, هناك أناس يحملون الهموم الكثيرة , وهم مضطرون لأن يبيعوا أغلى ما يملكه الإنسان ( الكرامة ) وذلك من أجل حماية شيء آخر
بينما هناك آخرون لا يهمهم سوا المال , و لاشيء غير ذلك , هم أناس جشعون جدا لا يستطيعون إلا أن يفكروا بأنفسهم .
صحيح أن جاسم كان يؤدي واجبه ولكن نيته لم تكن حسنة , لم يكن يفكر في حماية الحاكم ولكن كل ما فكر فيه هو استغلال امرأة ضعيفة من أجل المال .
لذلك وبدون تردد , و بدون أن يفكر في العواقب , ذهب و بكل جرأة أخبر الحاكم بالأمر .
لم يسكت الحاكم عن الأمر , و لم يكن ليدع الأمر يمر هكذا , عليه أن يعرف سر هذه المرأة , لذلك أرسل جنوده لإحضارها .
وفي وضح النهار كانت سارة جالسة في المنزل وحدها تجمع الأشياء القديمة كي تبيعها و تحصل على بعض النقود , دخل عليها جند مسلحون , فتقدمهم رئيسهم ذلك الرجل الضخم الجثة و قوية البنية , عريض المنكبين و يبدوا بأن مصيبة جديدة ستقع عليها , تحدث بصوت أجش قائلا :
- هل أنت سارة ...
- أجل ما الأمر ؟
- أنت مقبوض عليك .
- ولماذا ؟ لم أفعل شيئا !
- لقد أزعجت الملك بوقوفك عند باب قصره , ونحن نشك في كونك إرهابية
- ما هذا الكلام ؟ الملك لم يدري أنني أقف عند الباب , وهل الوقوف يسبب إزعاجا لهذه الدرجة
تقدم الرجل وأمسك يدها بكل وقاحة وقيدها وهو يقول : لا تقولي شيئا و تعالي معنا .
لم تتحمل سارة الأمر فصرخت به : فك وثاقي بسرعة أيها الوغد الحقير ...
هو أيضا لم يكن ليتحمل اهانتها له امام الجميع , وبكل قوة و جرأة , مد يده ليضرب وجهها , تلك الضربة جعلتها تصمت و تنظر إليه بكل حقد وكره , كم تمنت في تلك اللحظة بأن تكسر يده هذه .
فعلا هناك أناس يظنون أن القوة هي أهم شيء , وأنهم بضربهم لمن هم أضعف منهم سيكون دليلا على قوتهم ورجولتهم , ولم يعلموا أن هذه ليست قوة أبدا وليست رجولة أبدا , فالقوة هي أن تمسك بأعصابك حال غضبك , و القوة هي أن تكون حليما مع الآخرين - ومع الأسف قليل من يدرك هذا الأمر .
حبست سارة في السجن الصغير القذر , و لم يكن هناك أحد يسأل عنها , أو يتفقد غيابها حتى , إلى أن أرسل الملك بإحضارها , فأًخذت إليه .
كان جالسا ينظر إليها , و الحراس حوله , و مستشاره بجابنه , و عندما رأها منكسرة هكذا أمر بخلع الأصفاد من يديها :
إلياس : أيها الحارس اخلع الأصفاد من يديها ؛ فهي لا تملك شيئا بحوزتها الآن .
الحارس : ولكن سيدي ..
إلياس : افعل كما أمرتك .
الحارس : حاضر سيدي .
فك الأصفاد من يديها فحركتها بحرية , و بعد ذلك سألها إلياس قائلا :
إلياس : و الآن أخبريني يا سارة ما الذي تريديه مني الآن؟
سارة : الآن لا أريد شيئا , كنت في السابق أحتاجك ولكنني لم أجدك .
- انسي الماضي و أخبريني سألبي لك ما تريديه فأنا من واجبي علي كملك أن ألبي رغباتك .
ابتسمت سارة ابتسامة ساخرة وقالت : لم أعد أريد منك شيئا .
- إذا أخبريني بما كنت تريدين في السابق .
وبتردد و انكسار ردت عليه : كنت . . أريد بعضا من المال .
تدخل المستشار وصرخ في وجهها : ومن أنت حتى تطلبي طلبا مستحيلا كهذا ؟ هل جننت ؟
إلياس : اهدأ يا حسام لنستمتع إليها .
سارة : ولماذا لا يحق لي ذلك ؟ أولا يدعو نفسه حاكما أما ماذا ؟
إلياس : سارة اهدئي سأعطيك ما تريدينه .
سارة بسخرية : شكرا لك سيدي الحاكم , ثم نظرت إليه بحدة وقالت : لا أريد , لقد فات الأوان
إلياس : لم أفهمك ألم تأتي لمدة أسبوع لقصري حتى تأخذ مبلغ المال ؟ لماذا تتخلين عنه الآن ؟ ولماذا كنت تريدينه ؟
سارة : كنت بحاجة إليه لأن والدتي كانت مريضة ولكنها الآن . . قد .. قد .. ماتت
عم الصمت المكان و الجميع في دهشة أما سارة فقد دمعت عيناها
إلياس : أنا آسف جدا يا سارة .
سارة : لا يا سيدي الحاكم , لا يجب عليك الاعتذار أبدا , فوالدتي ليست أول امرأة تموت هكذا .
حسام : لقد زاد الأمر عن حده , أنت لا تدركين مع من تتحدثين إنه الحاكم .
ضحكت بسخرية و بجفاء قالت : لقد أضحكتني يا هذا .. إنه حاكم بالاسم فقط لا بالفعل , لو كان حاكما حقيقيا كما تقول لما عانى الناس هكذا , ولما مات الناس من الجوع و المرض مثل ما ماتت والدتي , أنتم ظالمون حقا .. ليت والدك كان موجودا , لكم كانت البلاد هانئة غنية في ذلك الوقت .
وقفت سارة و أعطت الحاكم ظهرها متجهة نحو الباب , عندها اعترض الحراس طريقها محاولين منعها عن الخروج , ولكن الحاكم أشار لهم بأن يدعوها, تلك كانت بالنسبة تصرفات خالية من أي احترام لمكانته و منزلته و لكن بالنسبة لها فلم يهمها الأمر , سواء أمسكوا بها و سجونها أو قتلوها فلم يعد يهمها , فقد تساءلت مئات المرات ماذا أريد من الحياة بعد وفاة أمي ؟ الموت أرحم لي من أن أعيش دون كرامة ودون أن آخذ حقا من حقوقي , الموت أرحم من أن أرى الأطفال المشردين في كل مكان , في أي عالم أعيش يا ترى !
كلماتها القوية , التي كانت نتيجة حقد مدفون , أثرت في إلياس , فأخذ يفكر و هو حائر , هل هي مخادعة يا ترى ! أم أنها تقول الحق ! و أخيرا توصل إلى قرار جازم , فنادى مستشاره القى اوامره
إلياس : حسام
حسام : أمرك سيدي .
- هل ما تقوله الفتاة صحيحا ؟
- كلا سيدي , الناس سعداء إنها تقول هذا الكلام لأنها تريد أن تسبب لك القلق فقط يا سيدي .
- لا أدري لماذا ولكنني أشعر بأنها صادقة .
- أبدا يا سيدي , إنها ليست كذلك .
- اسمعني يا حسام .. سأرى ذلك بنفسي , بعد عودتي من رحلتي
ارتبك حسام وقال : هذا يعني أنك تريد الخروج بنفسك ؟
إلياس : بالطبع , أولا يحق لي ذلك ؟
حسام : بلى , سيسعد الجميع بذلك , و ستكون سعيدا وراضيا .
عاد إلياس من رحلته من إحدى البلدان بعد أسبوع تقريبا , و لم يتنازل عن قراره , فتخفى و خرج من حسام و أربعة من الحراس , و جعل الأمر يبدو عاديا كي يرى الحقيقة بنفسه .
كان يمشي وينظر للناس حوله , كانت حياتهم عادية جدا , كل شيء يسير على مايرام , و لم يعرف أحد بأنه الحاكم .
حسام : هل رأيت يا سيدي , الناس جميعهم سعداء , إنها امرأة كاذبة .
إلياس : يبدو ذلك و الآن لنعد .
وفي أثناء عودته لقصره وجد طفلا جالسا وحده و حالته يرثى لها فتوجه نحوه
أوقفه حسام : سيدي ماذا تفعل ؟
إلياس : انتظر يا حسام و دعني أتحدث مع هذا الطفل , أيها الطفل
أجابه بكل براءة : ماذا تريد ؟
إلياس : لا أريد شيئا , و لكن أخبرني لماذا تجلس هنا وحدك , ألن تعود للمنزل ؟ لا تدع عائلتك تقلق عليك .
الطفل : لن يقلق علي أحد , فأنا لا عائلة لي
- ألا يوجد أحد يعتني بك ! ألا تملك منزلا ؟!
- كلا , أنظر هناك يا عم , هناك أنام كل يوم
نظر إلياس إلى المكان فوجد بعض القش
- وكيف تأكل ؟
- لم آكل اليوم أي شيء , ولكن غدا ربما يطعمني أحدهم .
اجتاحته العديد من المشاعر , حزن كثيرا لذلك الطفل , و غضب أيضا لعيشة طفل كهذه العيشة .
فأمسك بيده و قال : ما رأيك بأن تأتي معي
- إلى أين ؟
- سأجد لك مكانا أجمل من هذا لتنام فيه , و أكل لذيذا كل يوم ما رأيك ؟
- حقا ؟ شكرا لك أيها العم
وقف إلياس و الطفل معا
إلياس : لم تخبرني بسمك بعد !
قال بابتسامة بريئة وصادقة :
- أدعى سامي .
- سامي اسمك جميل .
أخذ الطفل و لم يعد للقصر , فقلق حسام و أشار بيده
حسام : سيدي القصر من هذا الطريق !
إلياس : لن أذهب إلى قصري الآن , تعال معي .
عاد الحاكم إلياس إلى السوق حيث كان قبل قليل و توجه نحو امرأة تبيع الخضروات و تحدث إليها :
إلياس : أنت أيتها البائعة
البائعة : أجل سيدي !
إلياس : أنا هو الحاكم إلياس . .
ارتبكت البائعة كثيرة ولم تدري ما تقول
إلياس : لا تقلق أريدك أن تخبرينني إن كنت تعرفين هذا الرجل .
وأشار إلى حسام
نظرت البائعة إلى الأرض وقالت بصوت منخفض : لا يا سيدي .
إلياس : أيتها البائعة أتجرئين على الكذب على الحاكم ؟ إنه من الواضح عليك أنك كاذبة وأنك فقيرة جدا .
انسابت دموع البائعة وقالت : أرجوك اغفر لي أيها الحاكم .. لقد رشانا هذا الرجل و أنا لم أره سوا بالأمس فقط ., اغفر لي أيها الحاكم و لا تقتلني .
مسح الحاكم دموع المرأة وقال : هذا يكفي لن أفعل لك شيئا . _ ثم نظر لحسام وقال :
- قد تستطيع أن ترشو جميع و تخدعهم الناس , ولكن لن ترشو طفلا صغير لقد ظهر كل شيء يا حسام , لقد كنت تخدعني دائما بكلامك وقد وثقت بك.
- سيدي إنها تكذب .
صرخ إلياس وقال : اصمت أيها الغبي , أنا الحاكم ولن أسامحك على فعلتك , سأحكم عليك هنا أمام كل الناس .. أنت منفي من هذه البلاد
- ماذا سيدي !
- اسمع يا حسام سأنفيك من بلادي و لا أريد أن أراك هنا مرة أخرى , وأقسم بالله أني لو رأيتك هنا مرة أخرى فلن أتراجع عن قتلك , هل تفهم ؟
نظرات الحقد تملأ عينيه : ولكن
نظر إلياس إلى الناس و قد تجمعوا لمعرفة ما يجري , فقال لهم :
إلياس : أسمعوني جميعا أيها الناس , أنا متأسف جدا لجميع السنين التي عانيتم فيها , وأعدكم بأنني سوف أغير الأحوال بقدرة الله و عونه , و في المرة القادمة عندما آتي لزيارتكم
لا أريد أن أرى أطفالا متشردين , أو أناس جائعين . لذلك إن تعاونا جميعا فسنعيش بسعادة , وهذا ما سوف أصل إليه .
تعالت أصوات الناس وهم فرحون بما قاله الحاكم و صفق الجميع له وهم سعداء
نظر الحاكم إلى البائعة وقال : أيتها الآنسة أود أن أتحدث معك قليلا
قالت بابتسامة : بالطبع أيها الحاكم ما الذي تريده سأخبرك بكل ما تريده .
- هل تعرفين امرأة تدعى سارة ...
- سارة ! أجل بالطبع أعرفها , إنها إنسانة رائعة و عظيمة , لا تكاد الابتسامة تغادر وجهها ,إنها لطيفة و طيبة رغم كل المشاكل و الهموم التي أصابتها إلا أنها تختلف عنا , فهي تبعث فينا التفاؤل و الأمل , ولكن مع الأسف تغيرت في الآونة الأخيرة , بعد وفاة والدتها ؛ فقد كانت متعلقة بها كثيرا
ثم انتبهت لكلماتها الكثيرة وقالت معتذرة: أوه آسفة لقد أطلت الكلام , ما الذي تريده منها يا سيدي ؟
- هذا هو ما أردت أن أسمعه , هل تعرفين مكان منزلها .
- بالطبع أعرف , ولكن أرجوك لا تؤذها هي لم تفعل شيئا .
- أعرف هذا كله أرجوك دليني على الطريق الصحيح وأعدك بأنني لن أؤذيها أبدا.
توجه الحاكم مع البائعة الثرثارة إلى منزل سارة , وعندما وصلوا أمر الحاكم أحد الحراس بأن يدخل أولا , فدخل الحارس الذي قبض عليها في وقت سابق ؛ لذلك عندما رأته ارتعبت وخافت منه وقالت
- ماذا الآن ؟ لم أذهب للقصر أبدا و لم أزعج الحاكم , لذلك لا حاجة لضربي أبدا
- لست هنا للقبض عليك أو ضربك , الحاكم في الخارج ويود أن يراك .
- ماذا تقول ؟؟
دخل الحاكم فجأة وقال : أيها الحارس هل قمت حقا بضربها في ما مضى ؟
ارتبك الحارس : سيدي إنها آآ
إلياس : ضربك لإمرأة مثلها لا يثبت شيئا , إن كنت تعتقد أنك قوي , فلا تنسى أن هناك من هو أقوى منك
الحارس : أرجوك اعذرني يا سيدي , لقد كانت
الحاكم : لا أود سماع الأعذار , سأتصرف معك فيما بعد و الآن أخرجوا جميعا .
خرج الحراس و بقي الحاكم وحده مع سارة التي فوجئت بهذا الأمر .
الحاكم : ربما تكونين متفاجئة من زيارتي هذه الغير متوقعة و لكن في الحقيقة أنا أود الاعتذار منك , فعلا لم أكن حاكما جيدا في هذه الفترة , لقد كان الخونة حولي في كل مكان وذلك جعلني لا أؤدي واجبي بشكل جيد , ولكن أعدك يا سارة بأنني منذ اليوم سوف أغير الأوضاع , ولن أجعل أي أحد يشعر بالتعاسة أو الألم , أعدك بذلك
سارة : ولكن سيدي الحاكم , لم يكن عليك أن تأتي إلي , فأنا لست سوا امرأة ضعيفة , لا أحتاج إلى كل هذا
إلياس : ماهذا الذي تقولينه , لا يتعلق الأمر بكونك امرأة أو كونك ضعيفة إنها مسألة تجعلني أشعر بالخجل من نفسي , لذلك أردت الاعتذار لك بنفسي
- شكرا لك سيدي الحاكم و أعتذر لوقاحتي معك , أرجوك سامحني
- عديني بشيء أخير
- لقد بايعت على تقديم الولاء لك , و كل ما تطلبني سأنفذه
ابتسم الحاكم و قال : كلا , إن هذه مسألة شخصية بعض الشيء , عديني إن قمت بواجبي , و أصلحت الخلل الذي حصل بأنك ستكونين زوجة لي
تفاجأت و لم تصدق ما تسمعه و بكل غباء سألت : من أنا ؟
- أجل جرأتك و شجاعتك كانت عظيمة , ولتعلمي أنك ستكونين السبب في عيش الناس بسعادة بعد اليوم , لذلك هل تقبلي بي ؟
لم تعرف سارة ما تقول , هي لا تصدق ما يقال حتى , الحاكم يريد الزواج من فتاة مثلها !
- أعلم بأنني قد فاجأتك ولكن هذا ما أريده , و لن يحدث هذا الآن , عندما ترين أني أوفيت بوعدي عندها سأسمع جوابك .
- لك ذلك .
مرت الأيام سريعا , حاولت سارة أن تعتطي سببا ودافعا لبقائها قوية كما كانت , و بذلت جهدها لتعيش وحدها , أما إلياس فلم يكن ماقاله مجرد كلمات , لقد أثبت للعالم بأنه لا يتراجع عما يقوله فقد أصلح الأمور كلها .
وفي ذلك اليوم و عندما خرجت سارة للتسوق ورأت عالما مختلفا عما كان سابقا , لا أطفال جوعا , ولا أناس متشردين , الناس يعيشون بسعادة , كل من لديه منزل خاص به , فرحت بذلك وعلمت أن الحاكم أوفى بوعده حقا .
فجأة جاءت أحصنة كثيرة , تفاجأ جميع الشعب بذلك و أوقفوا أعمالهم لرؤية ما يحدث , ثم وبشكل مفاجئ ترجل الحاكم ووقف وبجواره حارسين , و أخذ ينظر إلى سارة , و يقول أمام الجميع :
لقد أوفيت بوعدي يا سارة.. وأريد أن أسمع جوابك الآن , هل ستكونين زوجة لي و أما صالحة لأطفالي ؟
ابتسمت بخجل ولم تتحدث فعلم أنها قد وافقت
صفق الناس جميعا وهم فرحون بذلك , وما هي إلا أيام و حدث الزواج , عاشت سارة بسعادة مع الحاكم, عرفت حينها بأن هذا هو حال الدنيا , و أن الأمور لا تبقى كما هي , فبعد سنين من التعب و الشقاء ها هي أحوالها قد تحسنت أخيرا .
أنجبت سارة بنت واحدة , وتوأم من الأبناء , و قد أسمت الفتاة أميرة و عمرها الآن ثلاث سنوات , أما التوأم فقد أسمتهما : وائل و لؤي , عمرهما لم يتجاوز السنة بعد .
فرحت سارة لأن حياتهم لن تكون مماثلة لحياتها السابقة , لن يعانوا مثلها , ستكرس حياتها كلها من أجلهم
وفي ليلة ممطرة كان الحاكم جالسا يداعب التوأم وهو سعيد و فجأة دخل عليه أحد الضباط وقال
- سيدي , حدث أمر مهم يا سيدي !
- ما الذي حدث أخبرني ؟
- هناك هجوم من جيش كبير , لم نعرف هدفهم بعد , لقد دخلوا المناطق الشرقية والشمالية , قواتهم تزحف بسرعة كبيرة نحو العاصمة
- ماذا تقول ؟ أين هم جنودنا , أين هم حرس الحدود ؟
- إنهم يبذلون جهدهم بصدهم لكن لا فائدة إنهم أقوى بكثير
- سأقود هذه الحرب بنفسي الآن , ساارة خذي الطفلين و أدخلي الغرفة هناك أمر مهم يحدث .
أخذت سارة الطفلين ثم نظرت لإلياس وقالت بخوف : عزيزي كن حذرا .
إلياس : لا تقلق سيكون كل أمر على ما يراام . .
سارة : أرجو ذلك ..
ذهب إلياس و امتطى خيله و انطلق إلى أرض المعركة لكي يقود المعركة بنفسه ولم يدري أنها المرة الأخيرة التي سيتحدث فيها إلي سارة و يحمل فيها طفليه ..!
د ل و ع ه و ب ك ف ي ف
دلوعه وبكفيي
كنت قرا احد الروايات وقرات هذي االروايه واعجبتني
الفصل الأول : أتسمي نفسك حاكما
دخلت سارة غرفة والدتها , فوجدتها تخيط الثياب بكل جهد , فاقتربت منها و قالت بقلق
- أمي تبدين متعبة جدا فلترتاح سأقوم أنا بهذا العمل .
- آه يا ابنتي لقد بدأ التعب يدركني فعلا .
- أمي لقد أخبرك الطبيب بأن لا تجهدي نفسك كثيرا فأنت مريضة
- وماذا سأفعل يا ابنتي .. هذه هي حال الدنيا .
سارة تلك الفتاة النقية لا تزال في الثانية و العشري من عمرها , تعاني من مرارة هذه الحياة , و تبذل جهدها للبقاء , لم يتبقى من عائلتها سوا والدتها العجوز , لذلك هي تحاول جاهدة الحفاظ على هذه العائلة الصغيرة . .
و في ليلة من الليالي استيقظت سارة على صوت والدتها وهي تسعل بشدة , عندها أدركت بأن هذا السعال ليس طبيعيا , إنها ليست على مايرام! فأسرعت تنادي جارها الطبيب كي يراها , و عند وصوله قال بخيبة أمل كبيرة :
- إن لم نعالجها قد تفارق الحياة
تفاجأت سارة من كلام الطبيب و بلا شعور قالت : ماذا تقول ؟! لا يمكن ذلك
الطبيب : سارة اهدئي لا فائدة في انفعالك هذا .
أخذت سارة تتوسله : أيها الطبيب أرجوك عالجها سأبذل جهدي لاحقا كي أجلب لك باقي المال.
الطبيب : سارة لا فائدة من ذلك , أرجوك لا تترجيني أكثر .
سارة : أرجوك , لا تتركها تذهب هكذا , حاول مرة أخرى
الطبيب : فعلا أود مساعدتك , ولكن أنا أيضا لا أستطيع علاجها , حالة الطب لدينا متدنية جدا ووالدتك تحتاج إلى أن تعالج في الخارج أنا آسف يا سارة , عليك جمع المال بطريقة ما و معالجتها .
أخذت الدموع تسيل من عينيها و الحزن قد ملأها و هي تقول له : ألست طبيبا !
كان الطبيب حزينا جدا لحالة والدتها وكم تمنى مساعدتها ولكنه كان صادقا في كلامه , فهم دولة متخلفة قليلا وليست متحضرة أبدا .
بعد أن هدأت قليلا , تركها الطبيب و عاد لمنزله , و بقيت سارة وحدها تفكر في حل لهذه المشكلة و هي تقول لنفسها :
لا أستطيع ترك والدتي تموت أمام عيني هكذا , علي أن أجد حلا بأسرع ما يمكن , لكن كيييف ؟! الديون تغطيني تماما و لا أحد غني في هذه المدينة يا الله ماذا سأفعل ؟
بعد يومين وقفت سارة أمام البوابة الكبيرة التي يحرسها الرجلان الواقفان
قالت لنفسها : سأضطر لأن أترك الكبرياء بعيدا مرة أخرى , كل هذا لأجلك يا عزيزتي يا أمي , لقد فكرت و لا يوجد حل آخر سوا سؤال الحاكم بعضا من ماله , ولكن من سيخلصني من هؤلاء الحرس !
سارة : مرحبا أيها الرجل , هل لي بالدخول أود محادثة الحاكم لأمر عاجل .
الحارس : آسف يا سيدتي , ولكن من أنت ؟ و هل لديك إذن بالدخول
- أنا سارة ... و لا يوجد لدي إذن و لكني مضطرة لأن أتحدث معه .. أرجوك
- آسف اذهبي من هنا , نحن لا ندخل أمثالك لهنا
- ما الذي تقوله ؟
عندما بدأ يشتد الحديث تدخل الحارس الثاني وهدأ الوضع
سارة : سأذهب الآن و لكنني سأعود .
وبعد ذهابها قال محمد ( الحارس الذي تحدث مع سارة ) : ما الذي تريده هذه المرأة يا ترى ؟
الحارس الثاني ( جاسم ) : لا أعلم حقا ولكن لا أظن بأنها ستأتي لاحقا .
وفي اليوم التالي لم تتردد سارة و أتت مجددا و لكن دون فائدة لم تستطع الدخول
فعلت الأمر ذاته في اليوم الثالث , ولكن لا فائدة .
مضى أسبوع كامل وهي تأتي ولكنها تقابل بالرفض , وبعد ذلك اختفت ولم تعد مرة أخرى .
فتعجب محمد للأمر : هذا أمر غريب لم تأتي سارة إلى هنا مرة أخرى !
جاسم : ربما ملت من الأمر فلم تأتي .
- ولكن لماذا كانت تريد مقابلة الحاكم ؟ هذا هو السؤال الحقيقي .
جاسم بقلق : ربما كانت تخطط لأمر سيء , علينا إخبار الحاكم حالا .
- : كلا إياك أن تتهور .
- هذا ليس تهورا بل هو حذر . سأخبر الحاكم بنفسي , وبمكر قال : ربما يكافئني على هذا الأمر .
هذه هي الحقيقة ,, هناك أناس يحملون الهموم الكثيرة , وهم مضطرون لأن يبيعوا أغلى ما يملكه الإنسان ( الكرامة ) وذلك من أجل حماية شيء آخر
بينما هناك آخرون لا يهمهم سوا المال , و لاشيء غير ذلك , هم أناس جشعون جدا لا يستطيعون إلا أن يفكروا بأنفسهم .
صحيح أن جاسم كان يؤدي واجبه ولكن نيته لم تكن حسنة , لم يكن يفكر في حماية الحاكم ولكن كل ما فكر فيه هو استغلال امرأة ضعيفة من أجل المال .
لذلك وبدون تردد , و بدون أن يفكر في العواقب , ذهب و بكل جرأة أخبر الحاكم بالأمر .
لم يسكت الحاكم عن الأمر , و لم يكن ليدع الأمر يمر هكذا , عليه أن يعرف سر هذه المرأة , لذلك أرسل جنوده لإحضارها .
وفي وضح النهار كانت سارة جالسة في المنزل وحدها تجمع الأشياء القديمة كي تبيعها و تحصل على بعض النقود , دخل عليها جند مسلحون , فتقدمهم رئيسهم ذلك الرجل الضخم الجثة و قوية البنية , عريض المنكبين و يبدوا بأن مصيبة جديدة ستقع عليها , تحدث بصوت أجش قائلا :
- هل أنت سارة ...
- أجل ما الأمر ؟
- أنت مقبوض عليك .
- ولماذا ؟ لم أفعل شيئا !
- لقد أزعجت الملك بوقوفك عند باب قصره , ونحن نشك في كونك إرهابية
- ما هذا الكلام ؟ الملك لم يدري أنني أقف عند الباب , وهل الوقوف يسبب إزعاجا لهذه الدرجة
تقدم الرجل وأمسك يدها بكل وقاحة وقيدها وهو يقول : لا تقولي شيئا و تعالي معنا .
لم تتحمل سارة الأمر فصرخت به : فك وثاقي بسرعة أيها الوغد الحقير ...
هو أيضا لم يكن ليتحمل اهانتها له امام الجميع , وبكل قوة و جرأة , مد يده ليضرب وجهها , تلك الضربة جعلتها تصمت و تنظر إليه بكل حقد وكره , كم تمنت في تلك اللحظة بأن تكسر يده هذه .
فعلا هناك أناس يظنون أن القوة هي أهم شيء , وأنهم بضربهم لمن هم أضعف منهم سيكون دليلا على قوتهم ورجولتهم , ولم يعلموا أن هذه ليست قوة أبدا وليست رجولة أبدا , فالقوة هي أن تمسك بأعصابك حال غضبك , و القوة هي أن تكون حليما مع الآخرين - ومع الأسف قليل من يدرك هذا الأمر .
حبست سارة في السجن الصغير القذر , و لم يكن هناك أحد يسأل عنها , أو يتفقد غيابها حتى , إلى أن أرسل الملك بإحضارها , فأًخذت إليه .
كان جالسا ينظر إليها , و الحراس حوله , و مستشاره بجابنه , و عندما رأها منكسرة هكذا أمر بخلع الأصفاد من يديها :
إلياس : أيها الحارس اخلع الأصفاد من يديها ؛ فهي لا تملك شيئا بحوزتها الآن .
الحارس : ولكن سيدي ..
إلياس : افعل كما أمرتك .
الحارس : حاضر سيدي .
فك الأصفاد من يديها فحركتها بحرية , و بعد ذلك سألها إلياس قائلا :
إلياس : و الآن أخبريني يا سارة ما الذي تريديه مني الآن؟
سارة : الآن لا أريد شيئا , كنت في السابق أحتاجك ولكنني لم أجدك .
- انسي الماضي و أخبريني سألبي لك ما تريديه فأنا من واجبي علي كملك أن ألبي رغباتك .
ابتسمت سارة ابتسامة ساخرة وقالت : لم أعد أريد منك شيئا .
- إذا أخبريني بما كنت تريدين في السابق .
وبتردد و انكسار ردت عليه : كنت . . أريد بعضا من المال .
تدخل المستشار وصرخ في وجهها : ومن أنت حتى تطلبي طلبا مستحيلا كهذا ؟ هل جننت ؟
إلياس : اهدأ يا حسام لنستمتع إليها .
سارة : ولماذا لا يحق لي ذلك ؟ أولا يدعو نفسه حاكما أما ماذا ؟
إلياس : سارة اهدئي سأعطيك ما تريدينه .
سارة بسخرية : شكرا لك سيدي الحاكم , ثم نظرت إليه بحدة وقالت : لا أريد , لقد فات الأوان
إلياس : لم أفهمك ألم تأتي لمدة أسبوع لقصري حتى تأخذ مبلغ المال ؟ لماذا تتخلين عنه الآن ؟ ولماذا كنت تريدينه ؟
سارة : كنت بحاجة إليه لأن والدتي كانت مريضة ولكنها الآن . . قد .. قد .. ماتت
عم الصمت المكان و الجميع في دهشة أما سارة فقد دمعت عيناها
إلياس : أنا آسف جدا يا سارة .
سارة : لا يا سيدي الحاكم , لا يجب عليك الاعتذار أبدا , فوالدتي ليست أول امرأة تموت هكذا .
حسام : لقد زاد الأمر عن حده , أنت لا تدركين مع من تتحدثين إنه الحاكم .
ضحكت بسخرية و بجفاء قالت : لقد أضحكتني يا هذا .. إنه حاكم بالاسم فقط لا بالفعل , لو كان حاكما حقيقيا كما تقول لما عانى الناس هكذا , ولما مات الناس من الجوع و المرض مثل ما ماتت والدتي , أنتم ظالمون حقا .. ليت والدك كان موجودا , لكم كانت البلاد هانئة غنية في ذلك الوقت .
وقفت سارة و أعطت الحاكم ظهرها متجهة نحو الباب , عندها اعترض الحراس طريقها محاولين منعها عن الخروج , ولكن الحاكم أشار لهم بأن يدعوها, تلك كانت بالنسبة تصرفات خالية من أي احترام لمكانته و منزلته و لكن بالنسبة لها فلم يهمها الأمر , سواء أمسكوا بها و سجونها أو قتلوها فلم يعد يهمها , فقد تساءلت مئات المرات ماذا أريد من الحياة بعد وفاة أمي ؟ الموت أرحم لي من أن أعيش دون كرامة ودون أن آخذ حقا من حقوقي , الموت أرحم من أن أرى الأطفال المشردين في كل مكان , في أي عالم أعيش يا ترى !
كلماتها القوية , التي كانت نتيجة حقد مدفون , أثرت في إلياس , فأخذ يفكر و هو حائر , هل هي مخادعة يا ترى ! أم أنها تقول الحق ! و أخيرا توصل إلى قرار جازم , فنادى مستشاره القى اوامره
إلياس : حسام
حسام : أمرك سيدي .
- هل ما تقوله الفتاة صحيحا ؟
- كلا سيدي , الناس سعداء إنها تقول هذا الكلام لأنها تريد أن تسبب لك القلق فقط يا سيدي .
- لا أدري لماذا ولكنني أشعر بأنها صادقة .
- أبدا يا سيدي , إنها ليست كذلك .
- اسمعني يا حسام .. سأرى ذلك بنفسي , بعد عودتي من رحلتي
ارتبك حسام وقال : هذا يعني أنك تريد الخروج بنفسك ؟
إلياس : بالطبع , أولا يحق لي ذلك ؟
حسام : بلى , سيسعد الجميع بذلك , و ستكون سعيدا وراضيا .
عاد إلياس من رحلته من إحدى البلدان بعد أسبوع تقريبا , و لم يتنازل عن قراره , فتخفى و خرج من حسام و أربعة من الحراس , و جعل الأمر يبدو عاديا كي يرى الحقيقة بنفسه .
كان يمشي وينظر للناس حوله , كانت حياتهم عادية جدا , كل شيء يسير على مايرام , و لم يعرف أحد بأنه الحاكم .
حسام : هل رأيت يا سيدي , الناس جميعهم سعداء , إنها امرأة كاذبة .
إلياس : يبدو ذلك و الآن لنعد .
وفي أثناء عودته لقصره وجد طفلا جالسا وحده و حالته يرثى لها فتوجه نحوه
أوقفه حسام : سيدي ماذا تفعل ؟
إلياس : انتظر يا حسام و دعني أتحدث مع هذا الطفل , أيها الطفل
أجابه بكل براءة : ماذا تريد ؟
إلياس : لا أريد شيئا , و لكن أخبرني لماذا تجلس هنا وحدك , ألن تعود للمنزل ؟ لا تدع عائلتك تقلق عليك .
الطفل : لن يقلق علي أحد , فأنا لا عائلة لي
- ألا يوجد أحد يعتني بك ! ألا تملك منزلا ؟!
- كلا , أنظر هناك يا عم , هناك أنام كل يوم
نظر إلياس إلى المكان فوجد بعض القش
- وكيف تأكل ؟
- لم آكل اليوم أي شيء , ولكن غدا ربما يطعمني أحدهم .
اجتاحته العديد من المشاعر , حزن كثيرا لذلك الطفل , و غضب أيضا لعيشة طفل كهذه العيشة .
فأمسك بيده و قال : ما رأيك بأن تأتي معي
- إلى أين ؟
- سأجد لك مكانا أجمل من هذا لتنام فيه , و أكل لذيذا كل يوم ما رأيك ؟
- حقا ؟ شكرا لك أيها العم
وقف إلياس و الطفل معا
إلياس : لم تخبرني بسمك بعد !
قال بابتسامة بريئة وصادقة :
- أدعى سامي .
- سامي اسمك جميل .
أخذ الطفل و لم يعد للقصر , فقلق حسام و أشار بيده
حسام : سيدي القصر من هذا الطريق !
إلياس : لن أذهب إلى قصري الآن , تعال معي .
عاد الحاكم إلياس إلى السوق حيث كان قبل قليل و توجه نحو امرأة تبيع الخضروات و تحدث إليها :
إلياس : أنت أيتها البائعة
البائعة : أجل سيدي !
إلياس : أنا هو الحاكم إلياس . .
ارتبكت البائعة كثيرة ولم تدري ما تقول
إلياس : لا تقلق أريدك أن تخبرينني إن كنت تعرفين هذا الرجل .
وأشار إلى حسام
نظرت البائعة إلى الأرض وقالت بصوت منخفض : لا يا سيدي .
إلياس : أيتها البائعة أتجرئين على الكذب على الحاكم ؟ إنه من الواضح عليك أنك كاذبة وأنك فقيرة جدا .
انسابت دموع البائعة وقالت : أرجوك اغفر لي أيها الحاكم .. لقد رشانا هذا الرجل و أنا لم أره سوا بالأمس فقط ., اغفر لي أيها الحاكم و لا تقتلني .
مسح الحاكم دموع المرأة وقال : هذا يكفي لن أفعل لك شيئا . _ ثم نظر لحسام وقال :
- قد تستطيع أن ترشو جميع و تخدعهم الناس , ولكن لن ترشو طفلا صغير لقد ظهر كل شيء يا حسام , لقد كنت تخدعني دائما بكلامك وقد وثقت بك.
- سيدي إنها تكذب .
صرخ إلياس وقال : اصمت أيها الغبي , أنا الحاكم ولن أسامحك على فعلتك , سأحكم عليك هنا أمام كل الناس .. أنت منفي من هذه البلاد
- ماذا سيدي !
- اسمع يا حسام سأنفيك من بلادي و لا أريد أن أراك هنا مرة أخرى , وأقسم بالله أني لو رأيتك هنا مرة أخرى فلن أتراجع عن قتلك , هل تفهم ؟
نظرات الحقد تملأ عينيه : ولكن
نظر إلياس إلى الناس و قد تجمعوا لمعرفة ما يجري , فقال لهم :
إلياس : أسمعوني جميعا أيها الناس , أنا متأسف جدا لجميع السنين التي عانيتم فيها , وأعدكم بأنني سوف أغير الأحوال بقدرة الله و عونه , و في المرة القادمة عندما آتي لزيارتكم
لا أريد أن أرى أطفالا متشردين , أو أناس جائعين . لذلك إن تعاونا جميعا فسنعيش بسعادة , وهذا ما سوف أصل إليه .
تعالت أصوات الناس وهم فرحون بما قاله الحاكم و صفق الجميع له وهم سعداء
نظر الحاكم إلى البائعة وقال : أيتها الآنسة أود أن أتحدث معك قليلا
قالت بابتسامة : بالطبع أيها الحاكم ما الذي تريده سأخبرك بكل ما تريده .
- هل تعرفين امرأة تدعى سارة ...
- سارة ! أجل بالطبع أعرفها , إنها إنسانة رائعة و عظيمة , لا تكاد الابتسامة تغادر وجهها ,إنها لطيفة و طيبة رغم كل المشاكل و الهموم التي أصابتها إلا أنها تختلف عنا , فهي تبعث فينا التفاؤل و الأمل , ولكن مع الأسف تغيرت في الآونة الأخيرة , بعد وفاة والدتها ؛ فقد كانت متعلقة بها كثيرا
ثم انتبهت لكلماتها الكثيرة وقالت معتذرة: أوه آسفة لقد أطلت الكلام , ما الذي تريده منها يا سيدي ؟
- هذا هو ما أردت أن أسمعه , هل تعرفين مكان منزلها .
- بالطبع أعرف , ولكن أرجوك لا تؤذها هي لم تفعل شيئا .
- أعرف هذا كله أرجوك دليني على الطريق الصحيح وأعدك بأنني لن أؤذيها أبدا.
توجه الحاكم مع البائعة الثرثارة إلى منزل سارة , وعندما وصلوا أمر الحاكم أحد الحراس بأن يدخل أولا , فدخل الحارس الذي قبض عليها في وقت سابق ؛ لذلك عندما رأته ارتعبت وخافت منه وقالت
- ماذا الآن ؟ لم أذهب للقصر أبدا و لم أزعج الحاكم , لذلك لا حاجة لضربي أبدا
- لست هنا للقبض عليك أو ضربك , الحاكم في الخارج ويود أن يراك .
- ماذا تقول ؟؟
دخل الحاكم فجأة وقال : أيها الحارس هل قمت حقا بضربها في ما مضى ؟
ارتبك الحارس : سيدي إنها آآ
إلياس : ضربك لإمرأة مثلها لا يثبت شيئا , إن كنت تعتقد أنك قوي , فلا تنسى أن هناك من هو أقوى منك
الحارس : أرجوك اعذرني يا سيدي , لقد كانت
الحاكم : لا أود سماع الأعذار , سأتصرف معك فيما بعد و الآن أخرجوا جميعا .
خرج الحراس و بقي الحاكم وحده مع سارة التي فوجئت بهذا الأمر .
الحاكم : ربما تكونين متفاجئة من زيارتي هذه الغير متوقعة و لكن في الحقيقة أنا أود الاعتذار منك , فعلا لم أكن حاكما جيدا في هذه الفترة , لقد كان الخونة حولي في كل مكان وذلك جعلني لا أؤدي واجبي بشكل جيد , ولكن أعدك يا سارة بأنني منذ اليوم سوف أغير الأوضاع , ولن أجعل أي أحد يشعر بالتعاسة أو الألم , أعدك بذلك
سارة : ولكن سيدي الحاكم , لم يكن عليك أن تأتي إلي , فأنا لست سوا امرأة ضعيفة , لا أحتاج إلى كل هذا
إلياس : ماهذا الذي تقولينه , لا يتعلق الأمر بكونك امرأة أو كونك ضعيفة إنها مسألة تجعلني أشعر بالخجل من نفسي , لذلك أردت الاعتذار لك بنفسي
- شكرا لك سيدي الحاكم و أعتذر لوقاحتي معك , أرجوك سامحني
- عديني بشيء أخير
- لقد بايعت على تقديم الولاء لك , و كل ما تطلبني سأنفذه
ابتسم الحاكم و قال : كلا , إن هذه مسألة شخصية بعض الشيء , عديني إن قمت بواجبي , و أصلحت الخلل الذي حصل بأنك ستكونين زوجة لي
تفاجأت و لم تصدق ما تسمعه و بكل غباء سألت : من أنا ؟
- أجل جرأتك و شجاعتك كانت عظيمة , ولتعلمي أنك ستكونين السبب في عيش الناس بسعادة بعد اليوم , لذلك هل تقبلي بي ؟
لم تعرف سارة ما تقول , هي لا تصدق ما يقال حتى , الحاكم يريد الزواج من فتاة مثلها !
- أعلم بأنني قد فاجأتك ولكن هذا ما أريده , و لن يحدث هذا الآن , عندما ترين أني أوفيت بوعدي عندها سأسمع جوابك .
- لك ذلك .
مرت الأيام سريعا , حاولت سارة أن تعتطي سببا ودافعا لبقائها قوية كما كانت , و بذلت جهدها لتعيش وحدها , أما إلياس فلم يكن ماقاله مجرد كلمات , لقد أثبت للعالم بأنه لا يتراجع عما يقوله فقد أصلح الأمور كلها .
وفي ذلك اليوم و عندما خرجت سارة للتسوق ورأت عالما مختلفا عما كان سابقا , لا أطفال جوعا , ولا أناس متشردين , الناس يعيشون بسعادة , كل من لديه منزل خاص به , فرحت بذلك وعلمت أن الحاكم أوفى بوعده حقا .
فجأة جاءت أحصنة كثيرة , تفاجأ جميع الشعب بذلك و أوقفوا أعمالهم لرؤية ما يحدث , ثم وبشكل مفاجئ ترجل الحاكم ووقف وبجواره حارسين , و أخذ ينظر إلى سارة , و يقول أمام الجميع :
لقد أوفيت بوعدي يا سارة.. وأريد أن أسمع جوابك الآن , هل ستكونين زوجة لي و أما صالحة لأطفالي ؟
ابتسمت بخجل ولم تتحدث فعلم أنها قد وافقت
صفق الناس جميعا وهم فرحون بذلك , وما هي إلا أيام و حدث الزواج , عاشت سارة بسعادة مع الحاكم, عرفت حينها بأن هذا هو حال الدنيا , و أن الأمور لا تبقى كما هي , فبعد سنين من التعب و الشقاء ها هي أحوالها قد تحسنت أخيرا .
أنجبت سارة بنت واحدة , وتوأم من الأبناء , و قد أسمت الفتاة أميرة و عمرها الآن ثلاث سنوات , أما التوأم فقد أسمتهما : وائل و لؤي , عمرهما لم يتجاوز السنة بعد .
فرحت سارة لأن حياتهم لن تكون مماثلة لحياتها السابقة , لن يعانوا مثلها , ستكرس حياتها كلها من أجلهم
وفي ليلة ممطرة كان الحاكم جالسا يداعب التوأم وهو سعيد و فجأة دخل عليه أحد الضباط وقال
- سيدي , حدث أمر مهم يا سيدي !
- ما الذي حدث أخبرني ؟
- هناك هجوم من جيش كبير , لم نعرف هدفهم بعد , لقد دخلوا المناطق الشرقية والشمالية , قواتهم تزحف بسرعة كبيرة نحو العاصمة
- ماذا تقول ؟ أين هم جنودنا , أين هم حرس الحدود ؟
- إنهم يبذلون جهدهم بصدهم لكن لا فائدة إنهم أقوى بكثير
- سأقود هذه الحرب بنفسي الآن , ساارة خذي الطفلين و أدخلي الغرفة هناك أمر مهم يحدث .
أخذت سارة الطفلين ثم نظرت لإلياس وقالت بخوف : عزيزي كن حذرا .
إلياس : لا تقلق سيكون كل أمر على ما يراام . .
سارة : أرجو ذلك ..
ذهب إلياس و امتطى خيله و انطلق إلى أرض المعركة لكي يقود المعركة بنفسه ولم يدري أنها المرة الأخيرة التي سيتحدث فيها إلي سارة و يحمل فيها طفليه ..!
د ل و ع ه و ب ك ف ي ف
دلوعه وبكفيي