سعود الظاهري
:: إداري سابق ومؤسس ::
لقد أرسل الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - ليحقق الرحمة التي أرادها الله- تعالى- ليس للإنسان فحسب؛ بل للكون أجمع، بما يحتويه من عظيم المخلوقات، يقول تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
فالرسالة التي جاء بها النبي - عليه الصلاة والسلام - هي رحمة لهذا الإنسان، وهو بحاجة إليها كحاجته إلى الماء والهواء، وبدونها يختل نظام حياته، ويضع نفسه في منزلة أدنى من الحيوان، يقول - تعالى : (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجنّ والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون).
وإذا اختل نظام الإنسان اختل نظام الكون؛ لأنّ الكون في حقيقته جوهرة واحدة، إذا تأثر جزء منه تأثرت الأجزاء الأخرى، يقول سيد قطب في معرض تفسيره لقوله - تعالى -: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)، يقول: يكشف الله عن ارتباط أحوال الحياة وأوضاعها بأعمال الناس وكسبهم، وأنّ فساد قلوب الناس وعقائدهم وأعمالهم يوقع في الأرض الفساد، ويملؤها برا وبحرا بهذا الفساد، ويجعله مسيطرا على أقدارها، غالبا عليها، ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، فظهور الفساد هكذا واستعلاؤه لا يتمّ عبثا، ولا يقع مصادفة؛ إنّما هو تدبير الله وسنته، ليذيقهم بعض الذي عملوا من الشر والفساد، حينما يكتوون بناره، ويتألمون لما يصيبهم منه، لعلّهم يرجعون، فيعزمون على مقاومة الفساد، ويرجعون إلى الله وإلى العمل الصالح، وإلى المنهج القويم.
ولهذا كان الأمر الإلهي لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بتبليغ الدعوة، ونشر الشريعة، فكان الخطاب بداية موجها إليه - عليه الصلاة والسلام -: (يا أيها المدّثر، قم فأنذر، وربك فكبّر)؛ ليكون - عليه الصلاة والسلام - قدوة للدعاة، وأسوة لأمته؛ ليحمل زمام الدعوة، ويقود الإنسانية إلى بر السلامة، وشاطئ النجاة، فجاء الخطاب عامّا لكلّ مسلم على وجه الأرض، وإلى أن تقوم الساعة، يقول - تعالى -: (ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون)، فالدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فريضة قائمة إلى يوم الساعة، وأمر إلهي لكلّ مسلم يؤمن بكلام الله - جلّ وعلا -.
ومن هذا المنطلق كان - عليه الصلاة والسلام - رجل الدعوة لدى البشرية، وهو الذي جسّد هذا الدين إلى سلوك واقعي، فأحدث انقلابا عظيما في تاريخ الإنسانية، وهذه الدعوة غيّرت معالم الحياة من عبودية الإنسان إلى عبودية خالق الإنسان، ومن الجهل إلى العلم، ومن الظلم إلى العدل، ومن الشقاء إلى السعادة والنور.
فكان - صلى الله عليه وسلم - نعم الداعية في أقواله وأفعاله، في حركاته وسكناته، في بيته ومسجده، في سوقه وشارعه.
فكان قدوة لهذه الأمة في الدعوة، وأسوة تسير على منهاجه، وتواصل مسيرة الدعوة كما أرادها الله تعالى لها.
جريدة عمان