بنت دوائر الماء

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
إلى أي حد يجب أن أكون صريحة ودقيقة؟!.....إلى الحد الأقصى الذي أتحمله من ألم الذكرى.
قالت لي جفنا يوماً أن أنثى البشر أكثر احتمالاً للألم، ورغم أني لا أعلم إن كان الأمر ينطبق علي أيضاً، إلا أني سأحاول أن أهزم ألمي وأنا أحكي لكم حكايتي.......حكايتي أنا بنت دوائر الماء.

أيامي الأولى كانت في الكهف المطلّ على بحيرة النجوم!!!، كم كنت جميلة وبريئة وقتها !!! كهفي الدافئ......أعرفه كما أعرف يدي، أحفظ ملمس الأحجار ورائحتها وانكسار زواياها، الصخرة المستوية على باب الكهف، كأنها جذع شجرة مقطوع، حيث تعودت أن أجلس صباحاً ومساءً، الصخرة المتدلية من سقف الكهف كأنها مخرز كبير.....لطالما قفزت لألمس رأسها المدبب وأنا أركض للداخل، الجانب الأيمن.....هناك مرقدي....هناك ذرت الريح بشيء من الرمل الأحمر أفترشته فوق الصخور الصلدة. الجانب الأيسر حيث تلقي شمس الأصيل بأشعتها الحمراء كان المكان المفضل لعصافيري الجميلة، فيها نسجت لي رداء الشمس......أكثر من ثلاثين عاماً قضتها في نسج الرداء، أذكر أني غضبت من مناكفتها لبعضها البعض، حينها لم أكن أعلم أن ذلك كان غزلاً.

الطريق المنحدر من الكهف للبحيرة، هو أول شيء وطئته قدمي من هذه الأرض الواسعة، كانت خطوات قليلة لكنها كانت بداية لرحلة طويلة جداً.

الآن عندما أتذكر شعوري ذلك اليوم وأنا أخطو أولى خطواتي خارج البحيرة أشعر بالحزن لضياع البراءة التي كنت أحملها، خرجت بقلب طفلة وعقل طفلة في جسم امرأة. كانت ليلة صافية مقمرة، سحرني جمال السماء......تخيلت ليلتها أني سألمس البدر بيدي لو صعدت على كثيب الرمل، وأني سأقطف نجمتين أو ثلاث وأنظر لتلألئهما بين يدي.

مشيت في اتجاه شاطئ البحيرة، كان الماء ينحسر عن جسمي شيئاً فشيئاً، أحسست بالتصاق شعري المبتل بظهري، لمسته بيدي وتعجبت من التصاقه ببعضه بعد أن كان سائحاً، عدت خطوات للوراء لينغمس جسمي أكثر في الماء فعاد شعري كما كان.

أعجبت بنفحات الهواء الباردة، لكنها سرعان ما أجبرتني على العودة لغمس كل جسمي في المياه الدافئة ، سكنت في الماء أستمتع بشعور الدفء، وسكنت المياه من حولي. انعكس لي بدر آخر تحت الماء......حركت يدي نحوه فاضطرب سطح الماء وتموج، واختفى البدر.....وأعدت الكرة مرة أخرى.....تلك كانت أول لعبة ألعبها.

رفعت وجهي للقمر، أعجبني نوره......أطلت النظر له، أحسست أن خيوطه تداعب عيني وأنفي ووجنتيّ، كنت أغمض عيني وأفتحهما بليونة هانئة.

كان كل شيء يغريني بالهدوء، أغمضت عيني في بحر السكينة، تحت الماء كنت أحرك يدي في حركة متموجة، شعوري بالتفاف الماء الدافئ حولها كان لا يقاوم، لم يكن لدي أي احساس بالوقت، ولو استمر الأمر لقضيت دهراً مغمضة العينين وعلى شفاهي بسمة هانئة.

لكن حدث شيء ما......شيء صغير جداً، لكنه كان إيذاناً لي بطبيعة الحياة على هذه الأرض بأنها وطن للتغير وليس للثبات. سمعت صوتاً رقيقاً سرى مع هبات النسيم التي تحرك أهداب القمر على وجهي....فتحت عيني لأنظر.....لم أجد شيئاً.....نظرت عن يميني وشمالي، استدرت للوراء، أيضاً لم أجد شيئاً، لكن الصوت عاد وبشكل أوضح، ثم أصبح يتردد على فترات متساوية.....صرت أتوقع متى سيصدر....ذلك كان أول احساس لي بالوقت.

ثم حدث تغير آخر كان مذهلاً لي، بدأ النور بالانتشار، وصارت الأشياء أوضح بكثير، سحرني منظر الرمل المتموج حول البحيرة، ثم برزت لي حوافها المعشِبة، كأنها طوق أخضر مطرز بالزهور الصفراء والحمراء ، ثم انتبهت لشيء آخر .....جسمي، كنت أقلب يدي معجبة بمنظر جلدي، أطلت العبث بشعري المنساب......كنت أجمعه وأفرقه بين أصابعي في الماء....أحببت نعومته وانسيابه.

أفزعني ذلك الصوت الذي كان يبدو بعيداً أول سماعي له، بدا فجأة وكأنه في أذني، من وقع المفاجأة ارتددت للوراء، رفعت بصري فإذا به أمام وجهي مباشرة.....ضئيل يرفرف بجناحين سريعين، رأسه ثابت وله منقار طويل، رأسه أحمر متوهج، بطنه به مسحة من اللون الأصفر، وفجأة أخذ يحرك رأسه في حركة سريعة مبتهجة.....ثم أخذ يدور حول رأسي بسرعة عجزت معها عيناي عن ملاحقته...... ارتفع عالياً وأخذ يصيح في كل الإتجاهات

-تعالوا انظروا.....لقد ولدت بنت دوائر الماء...تعالوا... تعالوا.....تعالوا.....


للقصة بقية
 

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
حينها قرع قلبي بشدة، كانت أول مرّة أحس فيها بدقات قلبي. امتلأ الفضاء فجأة بصوت حفيف قوي، ثم توالت أمواج من العصافير الجميلة، كانت كل مجموعة تمر بي تدور حولي بسرعة خاطفة، لا يكاد بصري يتبعها حتى تخطفه موجة أخرى في اتجاه آخر......لم أشعر بأي خوف منها، بل أحسست بالمتعة ، أدركت أنها تحتفي بي على طريقتها، كنت أود لو أبطأت ونظرت لعيونها.

وفجأة ساد الصمت، واختفت الطيور من الأجواء.......أحسست بحزن، ثم سمعت أصواتها من كل مكان حولي، تلفتّ فوجدتها تملأ ضفاف البحيرة ........أعداد لا تعد ولا تحصى، كلها تنظر لي، وأنا في منتصف البحيرة، ملأتني فرحة متفجرة، لا أدري مالذي كنت أريد أن أفعله، أخذت بالركض نحو الضفة وأنا أطلق ضحكات حبور طفولية، لكنها طارت وانتشرت بعيداً عني واختفت خلف كثبان الرمل المحيطة.......أصبت بخيبة أمل وشعرت بانقباض في صدري، وتراجعت للماء.

لحظات وعاد ذلك الذي كان أول من رآني وحيداً، هذه المرّة كان رأسه لأسفل.......اقترب مني حتى صار أمام وجهي، وأنا أنظر له انطلقت من فمي أولى الكلمات

-لماذا ذهبتم عنّي؟.

قلتها بصوت متقطع منقبض، نظر لي ثم قال

- خرجت من الماء وأنت لا ترتدين شيئاً فخجلوا منك..............لا داعي للبكاء يا بنت دوائر الماء.

كانت أولى الدمعات تتقاطر من عيني، والنشيج يتردد في صدري........بقي الطائر يكلمني حتى توقفت عن البكاء، بعدها أشرقت شمس أول نهار لي في هذه الدنيا. صار الطائر يكلمني عن كل شيء ويخبرني عن كل ما سألت......حتى قال

-سألتني عن أشياء كثيرة....الشمس والقمر والنجوم والرمل والماء والعشب......ولم تسأليني عن اسمي!!!

-ماذا تعني؟......وما هو اسمك؟

-كل منّا له اسم...........أنا اسمي راجي، عندما تريدينني ليس عليك إلا أن تنطقي باسمي هكذا "راجي".

-وأنا ما هو اسمي؟

-أنت بنت دوائر الماء.

-هل هذا اسمي؟......بنت دوائر الماء!!......اسمك أحلى، كلمة واحدة "راجي".

-هو ليس اسمك.....هو من أنتِ......ليس لديك اسم بعد، يمكنك اختيار أي اسم تشائين.

-احب اسمك، هل يمكن أن تعطيني إياه؟.

-راجي اسم مذكر وأنتِ أنثى.

-أنا لا أعرف بعد ماذا يعني أنني أنثى، لكني أحب الأسم ولا يهمني شيء آخر.......أرجوك أعطني إياه.

- لكِ ما تريدين يا بنت دوائر الماء، لكن المهم الآن أن ننسج لكِ ثوباً رائعاً يليق بجميلة مثلك .

-كيف ستصنعون ذلك؟

-سننسجه من خيوط شمس الأصيل، سيستغرق وقتاً طويلاً جداً لكنك تستحقين ........ خلال ذلك لا يمكنك البقاء في الماء.

-ماذا سأفعل إذاً؟

-استتري بشعرك الطويل، اسدليه ليغطي جسمك، سآخذك لكهف أعلى البحيرة، وهناك ستنامين حتى ننتهي من نسج الثوب وعندما تستيقظين لن أكون موجوداً ويمكنك أخذ اسمي.

لقصتي بقية
 
أ

أ“أ‡أ،أ£ أ‡أ،أˆأ‡أڈأ­

زائر
قصه فيها تشبيييه كبير جدا..عن فتاه لا تدري بالدنيا وهمها اللعب بذلك المكان الرائع
ورغم ان القصه بها احداث وتشبيه كبير..ولكن للأسف لم اصل للمعنى او المقصود يمكن لأن استيعابي بسيط...فرفقا بنا ايها الكاتب الرائع


ودمت ودام قلمك مميزا راقيا
 

`¤*«مُحمدْ البادِيْ»*-¤

¬°•| غَيثُ مِن الَعطاء ُ|•°¬
إنضم
22 أكتوبر 2011
المشاركات
5,968
الإقامة
إنْ وابلاً، فَطَلْ
معنى الحكاية يتضح في التكملة! متلهف لأقرأ بقيتها فلحميد قلم يأخذك إلى عوالم خيالية ليست من صنع البشر! ولكن ماذا فعلت القتاة! في الجزء الأول كانوا ينسجون لها ثوبا من شمس الأصيل في ثلاثين عاما! ماذا حل بها يا ترى!
 

اسْتثنَآأإآئيَـہ

¬°•| مشرفة سآبقة |•°¬
إنضم
22 ديسمبر 2011
المشاركات
1,685
العمر
32
حسن ابداعكِ وصياغتكِ متقنه
قصة ممتعة جداً ومشوقة
تجذب القارئ إليها بغموضها
مهما اقول من عبارات وجمل
لن اوفيكِ حق قلمكِ

بإنتظار التتمه
 

بيـاض السحـب

¬°•| مُشْرِفَة سابقة |•°¬
إنضم
2 يناير 2009
المشاركات
2,367
بيت حميد

نسيج متكامل وسرد مشوق لمعرفة جوهرها قبل عقدتها

أعجبتني طريقتك بالوصف وتلاحمك للمعاني في صياغتها

استخدمت التشابيه لتزيد قوة التشويق فأبدعت

تناغم كلماتك وطريقة عرضك للحوار فأجدت

بانتظار البقية بشوق كبير

لنختم نظرتنا بابداع قلمك

سلمت يمناك
 

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
-أين ستذهب؟

-إنت ستنامين فترة طويلة أطول كثيراً من عمري الصغير، وعندما تستيقظين بعد ثلاثين عاماً سأكون قد متّ.

-متّ؟!؟!.....ماذا تعني؟......ما هو الموت؟

-الموت هو............يمكنك القول أنه خروج من الدنيا، ليس عليك أن تقلقي الآن بهذا الخصوص، أنتِ أيضاً لابد ستخرجين في أحد الأيام.

-لا.....لا أريدك أن تذهب......انتظرني حتى يجهز ثوبي وسنخرج معاً.

-ليس الأمر كذلك .....ولو كنّا نحن من اختار موعد الدخول لربما سنكون نحن من يختار موعد الخروج......قلت لك لا تقلقي......هيّا معي الآن قبل أن تشتد حرارة الشمس وأنت لا يسترك شيء.

-سأسير معك، لكن عدني أني حين أصحو وأخرج سأجدك تنتظرني.

لم يجبني راجي على جملتي الأخيرة، بل أخذ يحثني على السير وراءه بعد أن تأكد أن شعري يغطي جسمي، كان يطير أمامي لمسافة قليلة ثم يلتفت لي وهو يرفرف في الهواء وينظر لحركة قدمي......حين خرجت ووطئت الرمال الناعمة أحببت ملمسها، وقفت أنظر لانسياب قطرات الماء من شعري وعلى ساقيّ لتنتهي بين أصابع قدمي........

راجي كان يستعجلني

-ماذا تفعلين واقفة.......هيّا أسرعي.....سيكون لديك الكثير من الوقت بعد ذلك للعب.

شعرت بالسعادة وأنا أمشي على الرمل، أخذتني ضحكة سعيدة وأسرعت لألحق براجي. كان طريقاً رملياً صاعداً، صخور منبسطة مائلة تنكشف تحت الرمل كل بضع خطوات، لم يطل بنا السير حتى كدنا نصل لأعلى الكثيب، بدأت ترتفع فوق الكثيب قمّة صخرية، وحين تقدمنا أكثر انكشف لي الكهف ......أمام الكهف مساحة منبسطة من الصخور الصلدة، تتخللها كثبان صغيرة من الرمل الأحمر.

عند باب الكهف كانت تنتصب تلك الصخرة التي تشبه جذع الشجرة المقطوع، حطّ عليها راجي وهو ينظر لداخل الكهف، عندما وصلت بقربه طار وحطّ بقرب باب الكهف الواسع، تبعته أيضاً.....وقفت بقربه أنظر للداخل، كان الكهف واسعاً وسقفه مرتفع، تتدلى منه صخرة عجيبة كأنها مخرز، كانت أشعة الشمس ترتمي على كثيب رملي مسترخي عند الباب من الداخل......دخل راجي وصار يقفز من مكان لآخر وكأنه يبحث عن شيء.......بعد أن بحث في كل الأرجاء طار في اتجاهي وحط على كتفي، أخذ يمسح رأسه بشعري المنسدل ويتحسسه بمقاره ثم طار وحط في الأسفل على تجمع الرمل...قال

-كنت أتأكد أن شعرك قد جف ولن يلتقط الرمل حين تجلسين هنا، تعالي واجلسي ...... سأجمع لك بعض الأعشاب المنومة من شاطئ البحيرة، لا داعي لأن تنتظري سنين طويلة حتى يجهز الثوب.

جلست على الرمل وأنا ألف شعري حول جسمي، غاب عني راجي لبعض الوقت ثم عاد وفي فمه عود أخضر، ثم تبعته طيور أخرى كثيرة وكل منها يحمل عوداً، تجمعت أمامي كومة من ذلك العشب، طلب مني راجي أن آكلها على مهل

-كليها كلها ولكن على مهل، ستمضين النهار معنا بشكل طبيعي، وحين يأتي المساء ستشعرين بالنعاس، ثم ستنامين طويلاً حتى ننتهي من غزل ثوبك......لا تقلقي .....سنكون دوماً هنا بقربك.

جلست والنسيم المتدفق من باب الكهف يداعب بعضاً من شعري المنفلت على وجهي، خرج راجي وبقيت معي بعض الطيور، كانت تراقبني في خجل ولم تتكلم معي، ثم لمّا رأتني انشغلت بأكل العشبة المنومة بدأت بإصدار أصوات جميلة رقيقة، لاحظت أن بعضها ريش بطنه أصفر مثل راجي، وبعضها الآخر أرجواني.......كانت ذوات اللون الأصفر تناكف ذوات اللون الأرجواني بمناقيرها،وأحياناً تعلو الأصوات....ولربما تضايقت بعض ذوات اللون الأرجواني وخرجت من الكهف لبرهة ، وتلاحقها الأخرى، ثم تعود جميعاً للداخل.......سألت أحدها عن سبب مضايقته للآخر فلم يجبني وتراجع للوراء خلف الطيورالأخرى.


عندما ارتفعت الشمس لوسط السماء بدأت أعداد أخرى من الطيور تعود، وكان بعضها يحمل طعاماً يعطيه للطيور التي كانت معي، فاجأني راجي بدخوله السريع ووقوفه قرب أصابع قدمي على الرمل.....قال

-الحرارة شديدة في الخارج.....أنتِ مرتاحةهنا.

-راجي.....أريد أن أخبرك شيئاً، هذه العصافير التي بطونها صفراء تضايق العصافير الأخرى.....إنها تناكفها حتى تضطر تلك المسكينة للخروج .

-لا تقلقي من ذلك، هذه التي بطونها صفراء هي الذكور، وتلك التي تتزين باللون الأرجواني هن إناث مثلكِ....ما رأيتيه ليست مناكفة، بل هو تودد وغزل......الذكور تحاول الفوز بقلوب الإناث، قد تبدو لكِ الأنثى أنها تضيق بها ذرعاً، لكنها تحب هذا في كل الأحوال .

-يوم كنّا في البحيرة أنت قلت لي أنني أنثى........أليس كذلك؟!

-نعم....أنت أنثى، دوائر الماء لا تلد إلا إناثاً جميلة، إنها لا تلد الذكور على الإطلاق.....بعد ذلك تلد الأنثى ذكوراً وإناثاً كما يحصل عندالبشر.

-ومن هم البشر؟!

-بنات البشر يشبهنكِ في كل شيء غير أنك أجمل بكثير.



ثم تابع راجي كلامه بعد برهة سرحت فيها أفكر في البشر، قال

-اليوم سنبدأ غزل ثوبك، كم نحن محظوظون لنفعل ذلك.

-محظوظون!!!....لماذا؟!؟!؟

-أنت لا تعرفين ماذا يعني مولدك.....إنه يعني أننا مقبلون على سنوات طويلة من الحياة الخصبة الطيبة، هذه الرمال والصخور الجرداء التي ترينها ستتحول إلى جنّة وارفة عمّا قليل، عندما تصحين من نومتك ستستغربين كثيراً.

-وماذا علي أن أفعل عندما أصحو؟

-ليس عليك أن تفعلي أي شيء سوى أن تعيشي كحورية في الجنّة، الثوب الذي سنعده لك سيقيك كل شيء، لن تحسي بحر ولا ببرد....سيكون لطيفاً كخيوط شمس الأصيل، حين تلبسينه لا يتقدم بك العمر أبداً ولايتغير جسمك، وليس من السهل رؤيتك.....ستبدين للناظر كالخيال .

-أخشى أن أشعر بالوحدة.

-لن يحدث ذلك، يمكنك التجول في كل الأنحاء......ستدهشك أمور كثيرة، هناك الكثير من الكائنات لكن....ابتعدي عن البشر.

-لماذا أبتعد عنهم؟!.....ألم تقل أني أشبه بناتهم؟

-نعم قلت.....لكني أخشى عليك.

هذا آخر ما أذكره من حديث راجي، في تلك اللحظة أخذني النعاس وأحسست أني أميل برأسي للأسفل، استطعت أن أفتح عيني لمرّة أو مرّتين، رأيت راجي قريباً جداً من وجهي، وكأني لمحت في عينيه نظرة وداع.

لقصتي بقية.....
 
التعديل الأخير:

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348

كنت أحلم أني ألعب في البحيرة مع دوائر الماء، كانت تحملني إحداها وتلقيني بعيداً ثم تختفي، أبحث عنها ولا أجدها....تظهر أمامي فجأة وترشني بالماء.......فتحت عيني وكنت أبتسم، وجدت أمام وجهي أحد الطيور، كان قد بلل جناحيه وجاء يرفرف بهما على وجهي، لطيفاً ومعطراً كان الرذاذ من جناحيه، وددت لو أنه لم يتوقف عن نثره......جلت ببصري فإذا بالضوء ينعكس على جزء من الصخرة المتدلية، رفعت رأسي وأطلقت بصري عبر باب الكهف للخارج، ......خُطِف بصري للجمال، البقعة الصخرية التي أمام الكهف قد غطّاها بساط أخضر من حشائش قصيرة متراصة، الصخور المتناثرة احتضنتها حشائش طويلة مختلطة بزهور ملونة، الصخرة الكبيرة الشبيهة بالجذع التي كانت أمام الكهف مغلفة بوريقات وعيدان متراصة على بعضها البعض، بقع ضوء صغيرة تتراقص فوق الحشائش وتلاحق بعضها البعض......أخذت نفساً عميقاً ......دفقات النسيم البارد تتسلل للكهف بروائح ملونة، أحسستها تتخلل شعري وتدور حول أذنيّ وتنساب عند رقبتي من الخلف......حتى حواف مدخل الكهف تزينت بأقراط خضراء متدلية.


كانت المشاهد قد سحرتني ولم أفطن لغياب الطائر الذي أيقظني، فاجأني بعد ذلك بدخوله علي وفي منقاره زهرة بيضاء صغيرة لها ثلاث وريقات.......كان يحملها وهو يرفرف، مددت له يدي ليضعها لكنه لم يفعل، بل غرسها في شعري، تعجبت من فعله....سألته


-لماذا وضعتها في شعري ؟


-هكذا تتزين إناث البشر، رأيتهن كثيراً يفعلن ذلك، تبدو الزهرة جميلة في شعرك.


-آهـ.....تذكرت، أين راجي؟......هل خرج من الدنيا؟

-نعم يا بنت دوائر الماء، كان ذلك منذ زمن طويل جداً، راجي كان قائد الطيور في وقته، والآن أنا القائد، وكم أنا سعيد بالحديث مع جميلة مثلك .

-راجي أيضاً كان يقول أني جميلة، ليتني أستطيع أن أرى وجهي.

-سترينه بالتأكيد.......لكن قبل ذلك عليك أن ترتدي ثوبك، لقد انتهينا منه بالأمس، لكني لم أشأ أن أوقظك حتى صباح اليوم.

كان الثوب معلقاً في صخرة ناتئة من جدار الكهف، وبالكاد استطعت رؤيته مع أن بصري كما علمت لاحقاً أحدّ كثيراً عن بصر البشر، كان ذهبياً يشفّ ما خلفه، فرحت به، وعندما قمت لأتناوله طارت أكثر الطيور للخارج، وبقيت بعض الإناث معي .

طلبت منّي الطيور أن أقف، كان الثوب من الخفة بحيث حملته إحداهن والباقيات يرفرفن حولي، رفعنه فوق رأسي ثم أسدلنه على جسمي، لم أكد أشعر به لخفته ونعومته، وعندما طلبن مني أن أدخل يدي في الأكمام لم أكد أحرك يديّ حتى انزلقت الأكمام من ذاتها لتلبس يدي......نظرت لنفسي من الأمام والخلف فلم أرَ جسمي، بل كنت أرى ما ورائي من الأمام، وكأني زجاج ذهبي شديد الشفافية.....كان للثوب أيضاً غطاء للرأس ينسدل على الوجه، وحين أسدلته اختفيت بالكامل.

كنت سعيدة جداً بالثوب، وسعيدة أني الآن أستطيع الخروج ورؤية كل شيء بالخارج، لم أستطع أن أتريث من فرحتي، تسابقت رجلاي أيهما تتقدم نحو الباب، لم ألتفت لتهامس الطيور خلفي......ربما كانت تضحك مني. عندما وقفت أمام الكهف كنت أمام شيء عجيب، لم أستطع سوى الاستسلام لجمال الألوان.....البحيرة التي خرجت منها وكانت محاطة بالرمال وتسطع عليها الشمس أصبحت محاطة بأشجار عالية متشابكة من الأعلى، الشمس كانت تتلألأ من بين الأغصان كلّما هب النسيم، الأشجار مزهرة بزهور بيضاء ناصعة تناثر كثير منها على مياه البحيرة وحوافها، الهواء بارد ومنعش، أحسّسته يتخللني مع أصوات العصافير التي تتردد من مسافات متفاوتة وجهات متقابلة.

لقصتي بقية...
 

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
تقدمت أريد النزول نحو البحيرة، أحببت أن ألتقط بعض الزهور الطافية، استوقفتني الطيور وهن يرفرفن أمامي، قالت إحداهن

-بنت دوائر الماء..... الصخور ملساء ورطبة، احذري أن تنزلق رجلك.

كانت الصخور تعلوها طبقة خضراء لزجة، ولولا تحذير الطيور لي لكنت استعجلت ومشيت عليها ولربما انزلقت، مشيت على الحشائش ونزلت حتى البحيرة، طفت حولها، حيناً أمشي وحيناً أعدو، جلست عند أيكة زهور، ما أجملها، بعضها أحمر وبعضها أصفر وبعضها أبيض، وبعضها مشكّل الألوان، كشفت غطاء رأسي وزيّنت شعري بزهرتين .......كانت إناث الطيور تطير حولي وتتهامس، اقتربت مني إحداها وقالت

-هل تريدين رؤية وجهك ؟

-نعم أريد.....أريد أن أعرف إن كنت فعلاً كما تقولون .....جميلة.

-يمكنك ذلك الآن، اقتربي من الماء وانظري فيه، سترين صورة وجهك.

استدرت نحو مياه البحيرة، نظرت في الماء......رأيت وجهي وابتسمت من فرحتي، ابتسم لي وجهي......أطلت النظر لملامحي، لانسدال شعري على جانبي جبهتي، أحببت النظر لعينيّ، عشقتهما وددت الدخول إليهما.....أزحت الرداء قليلاً عن رقبتي لأراها مع وجهي، تحسست أنفي وشفتي وأنا أنظر لهما......ذقني....أذني........أيقظتي إحدى إناث الطيور بقولها

-ما رأيك يا بنت دوائر الماء؟......هل أنت جميلة؟

لم أستطع أن أجيبها بغير الإبتسام، أحسست بشيء من الخجل......مع أني كنت مأخوذة وهائمة بجمالي. عدت للنظر في صفحة الماء، سقطت زهرة بيضاء من زهور الأشجار على صورة وجهي المنعكسة، تعجبت من دوائر الماء المتتالية ......أخذت تتوسع في رقة وانسياب، لمحت الطيور الدهشة في عيني ......قالت إحداها

-هل تتعجبين من دوائر الماء؟

-نعم.....منظرها جميل وغريب.

-لقد ولدت أنتِ منها......ألا تذكرين؟!.

-لا أذكر غير أني كنت في الماء.

انتبهت لصوت خافت من أعلى الشجرة، أخبرتني الطيور أنه سنجاب ، نظرت فإذا بحيوان صغير له وجه جميل وعينان فضوليتان، كان ينظر لي بخجل وتردد، ثم جاء آخر من شجرة أخرى ووقف بجانبه، ثم آخر....وآخر.....صارت مجموعة كبيرة، كلها متشابهة.......تشجع اثنان منها ونزلا لمنتصف جذع الشجرة، قالت لي الطيور أني لو بقيت هادئة لربما اقتربت مني السناجب أكثر. وشيئاً فشيئاً اجتمعت مجموعة منها أمامي، كانت تتشممني بفضول كبير، ملمس فروها ناعم للغاية، عندما أمسح بيدي على رقبتها كانت تسكن وتغمض عينيها، حملت أحدها وقربته من وجهي، تركته يتشمم شعري، كان يفعل ذلك بشغف كبير، قفزت السناجب الأخرى على رجليّ وصدري تريد أن تقترب من وجهي ورقبتي، أحسست بدغدغة جعلتني أضحك وأسقط على ظهري، لكن ذلك لم يردعها عني، بل تكاثرت علي، حتى التي كانت ماتزال على الشجرة نزلت وشاركت البقية. أغمضت عيني وتركتها تفعل ما تريد، حين اكتفت نزلت عني واصطفت بجانبي، كنت سعيدة للغاية بمداعبتها.

كان هناك الكثير لأراه حول البحيرة، لكن أكثر شيء رأيته ذلك اليوم وأثار فيّ شعوراً قوياً هو حين جاءتني إحدى إناث الطيور وطلبت مني مرافقتها لتريني شيئاً........أخذتني لغصن شجرة متدلي ، لم ألحظ شيئاً حتى دخلت هي بين الوريقات، انكشف لي حينها شيئ معلق وكأنه ثمرة......دخلت هي من ثقب في ذلك الشيء ونادت علي من الداخل لأنظر......كم دهشت!!!.....كانت تلك الأنثى تقف في عشّها وعند رجليها فرخان صغيران، كانا يتطلعان لإمهما بلهفة ويتزاحمان عند قدميها، كانا جميلين وهي سعيدة .......بدت هي أجمل مع فرخيها، وجهها كان يشعّ بالزهو والفخر.....

لقصتي بقية.....
 
أعلى