ذيب حيل الركز

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
الجزء الأول

دعوني أولاً أقدم لكم بطاقته الشخصية.
الاسم: الذيب
العمر : 35
مكان الميلاد: حيل الركز/الوقبة (الحيل هو قرية زراعية صغيرة في الجبال)
المهنة: مساعد سائق رافعة/صحار

والآن سأخبركم عنه أشياء مهمة ، خلال الشهور الثلاثة الماضية أعجب بشدة بالشخصية الكرتونية “المحقق كونان”، لم تكن تفوته أي حلقة من المسلسل دون أن يشاهدها ، منذ أول حلقة شاهدها لم يغب كونان عن تفكيره لحظة واحدة وكثيراً ما كان يخاطب نفسه باسم "كونان"، كان يتبع طريقته في الملاحظة وجمع الأدلة واكتشاف الحقائق، عندما كان يمشي في الشارع في جولته المسائية كان كثيراً ما يقف عندما يلاحظ شيئاً ويبدو له غريباً، كان يرسل نظرة ثاقبة تقرأ كل ما يدور واضعاً يديه خلف ظهره، وبالرغم من أن نظره لا بأس به إلا أنه قرر استخدام نظارة طبية مشابهة كتلك التي يرتديها كونان .
في أول مرة تحققت له فيها نشوة الاكتشاف وتأكد من قدرته على التحري ، كان كعادته اليومية قد خرج من بيته للجولة المسائية، وفي الطريق قرر أداء صلاة العشاء في الجامع الكبير بقرب بساتين النخيل، خرج بعد الصلاة فإذا بجلبة وأصوات مرتفعة في الخارج، كان المصلون غاضبين من اختفاء الأحذية بشكل متكرر خلال الأيام الأخيرة .

وقف كونان يتأمل الحاضرين وهم يتناقشون بغضب ويعجبون ممن يسرق أحذية المصلين من بيوت الله، بسرعة اتخذ وضعية العمل، شابك يديه خلف ظهره ووقف بقامته النحيلة يتأمل المكان….المخارج والمداخل….حاول التفرس في وجو الواقفين، لربما كان أحدهم هو المجرم ويتظاهر معهم أنه ضحية…..جال حول المكان وأرجاءه….تفقد أماكن الوضوء حيث تنكشف قناة مياه الفلج في حرم المسجد…..لكنه لم يجد دليلاً يقوده لشيء .
قرر الذهاب والعودة غداً لاستكمال التحقيق ، بحث عن نعليه فلم يجدهما….لابد أنهما ذهبتا مع غنائم اللص المجهول .

عاد للبيت حافياً ، لم يهتم لذلك، بل عاد ليبحث في أشرطة الفيديو التي سجلها لحلقات كونان عن حلقة معينة، تخيل أن كونان حل في تلك الحلقة قضية مشابهة للقضية التي يواجهها الآن……ظل يبحث حتى وقت متأخر من الليل دون فائدة……غلبه النوم، وعندما استيقظ في الصباح لم يستطع الذهاب لعمله في البلدية لأنه لا يملك نعالاً غير التي سرقت البارحة، اضطر للإنتظار حتى تفتح المحلات أبوابها في الساعة التاسعة ليشتري نعالاً أخرى .

كانت المرة الأولى التي يتأخر فيها عن موعد الدوام منذ أن توظف، ومع هذا تلقى تعنيفاً شديداً من المدير ثم من رئيس القسم ……لكنه لم يكترث لكل هذا ، كان ينتظر وقت المغرب بفارغ الصبر لينصب كميناً للص الأحذية ويكشفه باستخدام الأساليب الكونانية .

بعد صلاة المغرب سلك طريقاً مختصراً للجامع مضحياً بجزء من جولته المسائية التي تعود أن يطوف فيها على محلات بيع السجاد في الشارع العام واكتفى بتفقد مجموعة محلات خياطي النساء، وصل للجامع قبل أذان العشاء بنصف ساعة، وقت كاف لتفقد المكان واختيار الموضع الذي سيراقب منه، بعد تفكير طويل وحسابات دقيقة لزوايا الرؤية، قرر أن أفضل مكان هو منارة المسجد، منها يستطيع أن يكشف كل الأماكن دون أن يشعر به أحد .

صعد في المنارة حتى منتصفها حيث وجد فتحات يمكن له من خلالها النظر، ظل يراقب ويراقب…..أذّن الأذان، وأقيمت الصلاة، وعينا كونان تمسحان المكان مثل الرادر، خصوصاً المكان الذي يضع المصلون به أحذيتهم……كادت الصلاة تنقضي دون أن يحدث شيء…..وفجأة يظهر شاب مسرع في اتجاه الأحذية، يحمل مجموعة منها وبسرعة خاطفة يلقيها في قناة الفلج الجارية فتأخذها معها وتختفي تحت الأرض ويهرب اللص خارج المسجد ويعبر الشارع .

كل هذا وكونان يراقب…..عندما ابتعد اللص شكّل يديه على شكل منظار ووضعهما على عينيه ليراقبه وهو يختفي بعيداً نحو بساتين النخيل…. لم يستغرق طويلاً حتى استطاع اكتشاف حيلة لص الأحذية الذكية، لقد كان يلقي بالأحذية في مجرى الماء هنا ثم يلتقطها من الجانب الآخر بعد أن تكون المياه قد حملتها إلى هناك، وبذلك لا يراه أحد وهو يخرج من المسجد حاملاً الأحذية.
لم يشأ كونان التدخل في شيء آخر….اكتفى بهذا الفتح العظيم الذي حققه، لقد أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه كوناني من الدرجة الأولى، بل وكاد للحظة في وسط شعوره بالزهو والفخر يقتنع أنه لو كان كونان هو من حاول حل هذه القضية لاستغرق زمناً أطول منه، لكنه ما لبث أن عرف أن هذا مجرد غرور وأن التواضع خيراً له لأنه شأن العظماء.

تلك الليلة أغمض عينيه للنوم وهو يبتسم ابتسامة حالمة……..تذكر ابنة عمه صبحا ، كم هو في شوق ليخبرها بما حصل اليوم…..وهو مغمض العينين تخيل نفسه متجهاً لخيمتها الواقعة على أطراف قرية حيل الركز، سيجدها كالعادة ترعى أغنامها عند سفح الجبل المجاور، سينادي عليها من بعيد وستركض نحوه بمجرد أن تراه، سيلتقيان عند الخيمة، شعر بالضيق قليلاً عندما تذكر عادتها سؤاله عن كل أخباره منذ مغادرته في الاسبوع الماضي حتى عودته لها……فهو يريد إخبارها عن لغز سرقة الأحذية، ثم تخيلها وهي تسرع لتضع إبريق القهوة على النار، ثم تعجن العجين لتخبز له ….وخلال ذلك سيبدأ إخبارها بما حصل، تخيل نظرتها المندهشة الفخورة به حتى أنها لم تنتبه للقهوة وهي تطفر خارج الإبريق.

بعدها سيجلس وسيخبرها أنه أحضر لها مواد تحنيط الموتى التي طلبتها، وسيسألها عمَّن مات من نساء القرية ومن القرى المجاورة خلال أسبوع غيابه.لم يبقَ له أقارب سواها وبضع نخلات نحيلاتعلى جارح الوادي، وصبحا ليس لها أقارب إلا هو وغنماتها، وتعرف الأموات من أهل الوادي أكثر ممن مازالوا على قيد الحياة.

هي تصغره بخمس سنين، وكانت قد ولدت صبيحة يوم ربيعي جميل فسمتها أمها صبحا، وكانت كما سمتها، إسم على مسمى، كأن الصبح سكن في وجهها واستعار لون الغروب لخديها. أكثر ما يسحر في وجهها هو أنفها، في أرنبته خنس لطيف، كان جميلاً لا يملَّ الناظر من تمعنه، ومع أنها في الثلاثين إلا أنها مازالت تبدو كأنها في العشرين، كل هذا الحسن والجمال ضائع بين رعي الغنم وتغسيل الموتى……لم تمل من انتظار الذيب لسنين عديدة أن يقرر الزواج بها، وكانت كلما فاتحته في الأمر يتهرب أو يعتذر بأعذار واهية، وعادة ما يحتدم نقاشهما حول هذه المسألة في الليل، وترتفع أصواتهما حتى يسمعهما أهل القرية في أعلى الوادي، حدث في إحدى الليالي قبل عدة شهور، حينما كان هو على مرقده خارج الخيمة وهي في الداخل تسرح شعرها، ومع احتدام المناقشة، غضبت صبحا بشدة ، فما كان منها إلا أن قذفته بزجاجة زيت جوز الهند التي كانت بيدها، كانت تريد التعبير عن غضبها فقط لكن بسبب الظلام أصابته في رأسه إصابة بليغة، ولما لم يرد على شتائمها التي أعقبت زجاجة الزيت ارتابت في الأمر، خرجت فإذا به مغمى عليه والدم ينزف من رأسه بشدة…….أسرعت لإسعافه ببعض القهوة المطحونة والكركم على جرحه ولفت رأسه بقطعة قماش شقتها من غطاء رأسها، ثم فركت أنفة بفلقة بصل…..بعد قليل أفاق من إغمائته، وتوقف النزيف لكنها ظلت تبكي عند رأسه وتعتذر له حتى الصبح.

في واقع الأمر لم تكن الإغمائة سوى حيلة خطرت بباله حين أصيب برأسه، هو يعرف مقدار حبها له وشفقتها عليه، ويستطيع بعدها أن يتدلل عليها لعدة أسابيع قادمة دون أن تعود لموضوع الزواج.

ليتها تعرف السبب الحقيقي لتهربه من الزواج، هذا الزواج الذي أقره أبوه وأبوها يوم مولدها، فعمر الوعد من عمرها ومازالت تنتظره منذ ذلك الحين، لم تعد تحتمل تعليقات نساء القرية فعزلت نفسها في خيمة في الوادي مع غنماتها، كان من الممكن أن تحتمل كل شيء إلا أن تتهامس النساء أمامها بما يقدح في رجولته.

وهو ليته يستطيع إخبارها بالسبب، ليته يستطيح أن يبوح لها بمكنون صدره، مع أن الرضى منها أغلى عنده من عينيه، ومع أنها هي حبيبته وأمه وأخته وكل الناس، إلا أنه لم يستطع إخبارها، تصبو روحه لها كالطير تصبو لأوكارها، ولو لا عيناها الحانيتين التين تنسيانه الدنيا بما فيها لما استطاع تحمل قسوة الحياة وظلم الناس، كان ينتظر الإجازة الأسبوعية بحنين لا ينطفئ ولهفة يخفق بها قلبه كجناحي طائر.

كان أحياناً لفرط ما يسحره جمال وجهها يكاد يعترف لها بكل شيء، لكنها إذا تكلمت خجل من صوتها فيعدل عن رأيه، كان أكثر شيء يحبه ويشعره بالرضا هو حين تطلب منه أن يحضر لها شيئاً معه في نهاية الأسبوع، وأكثر ما كان يحب أن يشتريه لها هو أشيائها الشخصية….كان يعشق الدهشة والرضى في عينيها، وفي سبيل ذلك كان يحاول إحضار أشياء جديدة يراها في السوق.

في إحدى المرات اشترى لها حمالة صدر ودسها لها بين قطع الثياب الأخرى، عندما أعطاها الثياب وأخرجت حمالة الصدر لم تعرف لأي شيء يمكن أن تستخدم، سألته فاستحى أن يخبرها ، وليتخلص من الموقف قال لها أنها تصلح لتدفئة الأذنين أيام الشتاء….

يتبع....
 

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
لكن لسوء حظه أن إحدى معلمات المدرسة جاءت في غد ذلك اليوم لتشتري بعض الجبن الذي تصنعه صبحا من حليب الماعز، ومع أن ذلك الصباح لم يكن شديد البرودة إلا أن صبحالبست حمالة الصدر وغطت بها أذنيها …… أثار ذلك استغراب المعلمة ومع ذلك تطوعت لتخبرها بالكيفية الصحيحة للبس الحمالة……كادت تقتله ذلك اليوم، كيف له أن يرضى لها أن ترتدي شيئاً كهذا…….. لو لا قدر أبوه وأمه الذان تترحم عليهما بعد كل صلاة لكانت خنقته بحمالة الصدر أو ربطته بها في جذع السمرة عبرة لمن يعتبر…هكذا كانت تهدده وهي تركض خلفه، هرب عنها إلى الجبل ولم يجرؤ على النزول حتى حل الظلام، عندها خافت عليه وذهبت تبحث عنه، عاد معها بعد أن وعدته بأنها لن تنفذ تهديدها.

الشخص الآخر الذي تذكره الذيب في إغماضة العين تلك وقبل أن ينام كان مسعود الذي كان يعرف باسم “مقطوع الرجل”، مسعود هو الزائر اليومي لصبحا، فهو يمر عليها في طريق عودته من الجبل باحثاً عن خلايا العسل ويمكن سماع صوت رجله الخشبية على حصى الوادي من مسافة بعيدة، عندها تكون صبحا قد أعدت له القهوة، وحتى في حال ذهابها خلف أغنامها في وقت عودته، فإنها تحرص دوماً على إعدادها ووضعها في المكان المعتاد تحت السمرة، وعندما يكون الذيب موجوداً خلال الإجازة الأسبوعية فإن مسعود يأتي في الليل أيضاً ليتسامر مع صديقه الوحيد.

سر الذيب الذي يمنعه من الزواج بصبحا لم يتشاركه سوى مع مسعود، ولهذا سبب وجيه لا يتعلق فقط بمسعود والذيب، بل بشخص آخر يكن له الإثنان بغضاً شديداً، إنه خميس بن جمعة شيخ القرية……كم يكرهان سماع هذا الإسم.

مسعود أيضاً عنده مشكلته الخاصة، وهو كصديقه الذيب يعتقد أن خميس هو السبب فيها وما تبعها بعد ذلك من بتر ساقه، بدأ الأمر منذ أكثر من خمس وعشرين سنة، يومها كان الشيخ خميس قد ذهب ليشترى سيارة جديدة ، كانت ستكون أول سيارة من نوعها تدخل حيل الركز، حينها كان مسعود صبياً، وكان كغيره من أهل القرية ينتظرون الشيخ خميس عند المسجد ليروا تلك السيارة التي يصفها لهم الشيخ خميس منذ شهر أو أكثر ، تأخر الشيخ خميس ….صلوا المغرب وظلوا عند المسجد ينتظرون ……من آخر الوادي لاح نور متأرجح….بدأت الأصوات تعلو بقدوم السيارة، أسرع الفتى النشيط مسعود حينها ليصعد نخلة عالية عند المسجد، كان يراقب السيارة ويصف للبقية في الأسفل سيرها في الوادي…..صعدت السيارة من الوادي في اتجاه القرية وبدأت مصابيحها تنير المكان…….عندها صرخ مسعود بقوة ” ما أقوى عينيها”….لم يكد مسعود يلقي كلمته تلك حتى انطفأت مصابيح السيارة، كاد الشيخ خميس أن يجن وهو لا يدري إلى أين تسير به السيارة في الظلام، ولقلة خبرته وارتباكه الشديد لم يفكر في أي شيء يفعله، ولم يدرِ إلا والسيارة تصطدم بجدار المسجد ثم للتدخل إلى عند المنبر ويسقط السقف عليه وعلى سيارته……

أسرع الرجال لإزالة الركام عن الشيخ وسيارته فيما كانوا يتهامسون في عن ما قاله مسعود وهو فوق النخلة…………بعد هذه الحادثة صار الشيخ خميس يدعي أن عين مسعود الحارّة هي السبب في الحادثة ، ويقول أيضاً أن عين مسعود متخصصة في إصابة السيارات أكثر من أي شيء آخر، ثم لما تطورت ثقافة الشيخ وأدرك أن للسيارة كهرباء طور مقولته عن مسعود تبعاً لذلك، فصار يقول أن عين مسعود تعطل كهرباء أي سيارة، وكان لا يكف عن ترديد هذا القول في كل مكان وينسج عنه الحكايات التي لا يجرؤ أحد على تكذيبه فيها.

ترسخت مقولات الشيخ خميس عن مسعود في أذهان أهل القرية، وصار كل من يشتري سيارة من أهالي القرية يبقيها في الجهة الأخرى من الوادي خوفاً عليها من عين مسعود، في إحدى السنين وفي أثناء بحثه عن خلايا العسل لدغت مسعود حية في رجله، وجاؤا به إلى البيت وقد انتفخت رجله من السم، بحثت أمه عن أحد ليوصله إلى المستشفى، لكن كل من ذهبت إليهم أبوا أن يحملوه خوفاً على سياراتهم من عينه ، لكن أحدهم تطوع ليذهب لأقرب مركز صحي ويطلب منهم إرسال سيارة إسعاف.

وصلت سيارة الإسعاف بعد حوالي ساعة، كانت حال رجل مسعود حينها قد ساءت، وضع في السيارة على عجل ، وانطلق السائق مسرعاً ليعبر الوادي، حتى إذا ما كان أعلى المنحدر أحس بشيء غريب، كانت السيارة تتصرف بجنون، الأضواء تنير وتنطفئ…..….ثم توقف المحرك….ثم فقد السيطرة على السيارة…..وانحدرت السيارة بسرعة جنونية نحو قعر الوادي…..تقلبت عدة مرات قبل أن تستقر عند السفح، السائق والممرض يرحمهما الله وأما مسعود فتم نقله على ظهر حمارة أحد القرويين بعد أن يأسوا من إمكانية استخدام السيارة، استغرق وصوله للمركز الطبي ثلاث ساعات ثم نقل بواسطة طوافة تم استدعائها من المستشفى المركزي وهناك قرر الأطباء أنه لابد من بتر رجله بسبب تسممها بشدة.

منذ ذلك اليوم ومسعود لا يطيق سماع اسم الشيخ خميس، وفي السنوات الأخيرة أصبحت متاعب مسعود لا تطاق، لأن أهل القرية اصبحو لا يطيقون رؤيته بعدما اشترى أغلبهم سيارات، صاروا إذا رأوه من بعيد يوقفون سياراتهم وينزلون منها حتى يذهب بعيداً خوفاً أن تصيب عينه السيارة وهم فيها، وآخر ما توصل له الشيخ خميس في الحماية من عين مسعود أنه نصح أهل القرية بفك أصابع بطارية السيارة في الليل كي لا تتأثر عندما يأتي مسعود خلسة ليعطي أمه العجوز ما جمعه خلال النهار من العسل لتبيعه له.

كان مسعود في ما مضى قد صنع حضيرة صغيرة له على طرف الوادي يربي فيها بعض خلايا النحل، واليوم أصبحت تلك الحضيرة مأواه الدائم، ولا يجلس إلى أحد سوى صبحا والذيب.


يتبع....
 

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
الذيب له قصة أخرى مع الشيخ خميس لا تقل ألماً في نفسه عن قصة مسعود مقطوع الرجل، عندما كان الذيب شاباً يافعاً طلب الشيخ خميس من والد الذيب أن يرسله إليه للمساعدة في جني ثمار النخيل، وأثناء ذلك كانت زوجة الشيخ تطلب منه كل بضع دقائق أن يذهب للحظيرة ويعود ليخبرها عن البقرة التي كانت تضع مولودها، أول مرة ذهب كان العجل الصغير قد أخرج رأسه ويديه ولم يتبق إلا رجليه……في المرة الثانية عاد ليخبرها أن العجل عاد وأدخل يديه إلى بطن أمه، بالطبع لم تصدقه، فلا يمكن للجنين أن يعود.
في المرة الثالثة عاد ليخبرها أن العجل قد عاد بكله للداخل، ومن فرط عجبها قامت بنفسها لتتفقد البقرة، وقد كانت المفاجأة، لقد كان كلام الذيب صحيحاً، كل العمال أكدوا أن الجنين كان قد خرج ولم يتبق غير رجليه…..مالذي أعاده إلى بطن أمه !!!!!
أرسلت زوجة الشيخ على عجل في طلب زوجها لعله يفسر الأمر، جاء الشيخ خميس ، وحتى قبل أن يتفحص البقرة قال كلمة مازالت تقض مضجع الذيب حتى اليوم، قال الشيخ خميس “كيف تريدون أن يخرج الجنين ومعكم هذا الذي اسمه الذيب؟!؟!”
حينها لم يفهم بالضبط مغزى كلام الشيخ، لكنه ارتاع بشدة لما توجهت كل الأنظار له، ثم نهره الشيخ بشدة وأمره أن يبتعد لأن الجنين لن يخرج وهو موجود……لكن يبدو أن الأوان كان قد فات حينها، فقد سقطت البقرة ميتة ومات جنينها في بطنها وألقي كل اللوم على الذيب.
بعد تلك الحادثة بأسابيع صحب الذيب والده الذي أخذ ناقته الوحيدة لتلقيحها من فحل مشهور اسمه "عنتر" عند أحد معارفه في حيل وال، كان الذيب يشعر بالإثارة لرؤية عملية التلقيح، أناخ والده الناقة أمام الفحل الذي كان مهتاجاً لوجود الناقة……لكن ما حدث بعد ذلك كان غريباً….ما إن اقترب الفحل ليعتلي الناقة حتى انكمش عضوه التناسلي وكاد أن يختفي كلياً.
بعد هذه الحادثة صار الناس يتناقلون الكثير من الحكايات عن الذيب، حتى النخلة التي لا تعقد بالثمر بعد تلقيحها يقال عنها أن الذيب مر عليها أو نظر إليها، وهذا ما دعا الذيب هو الآخر لهجر القرية مثل صديقه مسعود.
وإن كان مسعود قد هجرها للوادي فإن الذيب قد هجرها للمدينة التي تبعد نحو مئة وخمسين كيلومتراً، أول عمل له كان في مزرعة لتربية العجول، لكنه لم يستمر في ذلك العمل طويلاً بسبب موت أكثر الأبقار بحالة غريبة أثناء الولادة، ثم انتقل بعدها ليعمل في مزرعة للدجاج لكنها أيضاً أغلقت بعد سنة…….وهكذا انتقل الذيب من وظيفة لأخرى حتى استقر به الحال كمساعد سائق لرافعة تصليح إنارة الشوارع في البلدية.
في العمل كان معروفاً عنه تصرفاته الغريبة العجيبة وتقلبات شخصيته التي لم يستطع أي أحد فهمها، وسبب ذلك أن الذيب في محاولاته المستمرة للهروب من نفسه ومن صورة “الذيب” التي التصقت بمخيلته ومخيلة أهل القرية كان يحاول تقمص شخصيات أخرى، وآخر شخصية تقمصها هي كما عرفنا شخصية كونان.
بنت عمه الجميلة صبحا كانت تعرف عنه الكثير من القصص، لكنها لم تكن تصدقها أو تلقي لها بالاً، لكنها لم تكن تعرف ما يعانيه الذيب في هذا الجانب، وكان هو يرتعب من إخبارها خوفاً من أن تتركه، كان إذا هاجمه هذا الهاجس في الليل يتلوى كالملدوغ وتحرقه دموعه التي تتقاطر من عينيه كالجمرات …….كان يخشى إخبارها عن ما يحدث له حين يراها ويسحره جمالها ويتخيل أنها حليلته، كان يحدث له بالضبط كما حدث للبعير عنتر ….. وكان إذا أحس بذلك نكس رأسه …. ثم يلقي باللعنات على الشيخ خميس

يتبعه الجزء الثاني......
 

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
الجزء الثاني

جاء آخر يوم عمل في الأسبوع، اليوم يشعر الذيب بشعور النشوة الذي يخالجه عادة في مثل هذا اليوم من كل أسبوع، هذا الشعور سيتصاعد في صدره كلما اقترب موعد لقائه بصاحبة تلك الخيمة على طرف الوادي، هناك شيء آخر معتاد يحدث في مثل هذا اليوم، هو شيء غريب حقاً لكنه يحدث على أية حال وفي نفس الموعد بالضبط.

في الليلة السابقة إنطفأت أضواء الشارع التي تنير التقاطع المؤدي لقرية حيل الركز في الوقبة، هذا التقاطع خطير للغاية ولا يحتمل بأي حال تأجيل إصلاح الإنارة فيه، ولذلك إتصل أحد المواطنين الصالحين بفرع البلدية ليبلغ عن تعطل الأضواء في ذلك التقاطع، وعليه اتصل مدير الفرع بمركز البلدية بالمدينة لإرسال رافعة تصليح الإنارة على عجل….هذا ما يحدث كل أسبوع.

مهمة فريق إصلاح الإنارة اليوم، كما يتصادف دائماً في نهاية كل أسبوع، هي قريب من قرية الذيب، ويتصادف أيضاً أنها قريب من “حيل وال” وهي قرية سائق الرافعة حميد، ويتصادف أيضاً أن العطل قريب من بيت مدير الفرع الذي طلب منهما في الأسبوع الماضي بعض السمك الطازج من الساحل……ولأن المسافة بعيدة ولأنها نهاية الأسبوع فلن يعود الإثنان إلا في بداية الأسبوع القادم.

أكثر ما يكرهه الذيب في هذه الرحلة الأسبوعية هو عادة السائق حميد، وحميد هذا له مزاج غريب عندما يسوق لمسافة بعيدة، فهو يحب الإستماع للأغاني القديمة وبصوت مرتفع، وعندما تأخذه نشوة الغناء فإنه يترك المقود ويغمض عينيه ويصفق ويهتز كأنه ملتبس بجان……..لا يهم أين تأتيه تلك النشوة، حتى في المنعطفات الخطيرة لايبالي، هذا يترك الذيب في رعب شديد ، وعادة ما يضطر للإمساك بالمقود لكي لا تنحرف الرافعة عن الشارع إلى بطن أحد الأودية.

في حوالي الساعة العاشرة صباحاً وقبل الوصول لتقاطع الشارع المؤدي لحيل الركز بقليل توقف حميد عند أحد الجسور، ونزل الذيب وهو يحمد الله على السلامة، وما إن عاد حميد بشاحنته للشارع حتى نزل الذيب تحت الجسر حاملاً معه حقيبتة الصغيرة ، وكما هي العادة فقد كان مسعود في الإنتظار…..واللقاء يكون حميماً في كل مرة.

الوجهة التالية هي خيمة صبحا، يحب الذيب دوماً أن يتخيلها واقفة عند الخيمة وهي تنظر في اتجاه فرجة الجبل منتظرة فارسها وحبيبها، وبالرغم من أنه يحث الخطى قدر استطاعته خلف مسعود ذو الرجل الخشبية، إلا أنه لا يستطيع مجاراته في المشي على حصى الوادي، وفي كثير من الأحيان كان مسعود يتقدم الذيب بمسافة كبيرة تكفيه أن يقف ويعمر مدواخه ويدخن حتى يصل الذيب……كان كثيراً ما يمازحه على ذلك بقوله “مالك تبطئ السير؟……أم أن ليونة الساحل دخلت عظامك؟”، لم يعلق الذيب على مزحة مسعود فقد كان مشغولاً باللهاث، تابعا السير حتى مخرج الوادي من الجبل حيث توقف مسعود وطلب من الذيب الإنتظار، بخفة القط كان مسعود يصعد الجبل ، يقفز من حجر إلى حجر ، وكأن رجله الخشبية زادته خفة ورشاقة، وقف على صخرة كبيرة نافرة من الجبل، كان يبدو من الأسفل وكأنه نسر حط لتوه على تلك الصخرة، تناول شيئاً كان يخبأه خلفها ونزل، كانت سلة جلدية يستخدمها مسعود لوضع خلايا العسل، وكان قد قطف خلية ممتازة يوم أمس فأحب أن يهديها للذيب عند عودته.

بعد أن عبرا فج الجبل انفرج أمامهما الوادي، وشيئاً فشياً ازدادت فسحة المكان وتزينت الأرض بعقد من أشجار السدر والغاف شديدة الخضرة، سارا بمحاذاة الجبل حيث مازال بعض الظل يسترخي على حصباء الوادي الناعمة، وأحياناً ينتقلان للمشي في وسط الوادي تحاشياً للبرك والغدران.
كانت لدى مسعود أخبار جديدة لم يصبر عليها حتى يصلان للخيمة، وعوضاً عن كلامه المعتاد عن عدوهما المشترك الشيخ خميس ومساوءه وتمنياته المبطنة بأن يقعده المرض أو الكبر عن الظلم، كان لدى مسعود كلام عن سالم إبن الشيخ خميس.
-لقد عاد ذلك الشيطان ابن الشيطان.
-من تقصد…..سالم؟!؟!….لا حول ولا قوة إلا بالله.
وقف الذيب في مكانه، انتبه مسعود الذي كان يمشي في المقدمة لتوقف خطوات الذيب فالتفت إليه ليلاقي نظراته المندهشة القلقة.

-نعم هو….وهذه المرة لم يكتفِ بهدم حظيرتي وإلقاء أشيائي، بل أحرق الحظيرة وكسر زجاجات العسل……هذه المرة لديه سيارة ويدخل للوادي بسيارته…..بالأمس رأيته توقف بالقرب من خيمة صبحا….

كأن حيّة لدغت الذيب عندما سمع آخر مقالة مسعود، انطلق مسرعاً يعدو، لم يسلك الطريق المعتاد بل كان يتخطى الحجارة الوعرة وهو لا يبالي، مسعود انطلق خلفه لكنه لم يستطع إدراكه لمسافة طويلة…….كان يحاول استمهاله لكنه لم يكن يلوي على شيء……كم يخاف عليها!!!…… كان يقطع عيدان السمر الممتدة في طريق مشيها مخافة أن تؤذيها بأشواكها….كان لا يرى حجراً ناشزاً من الأرض بالقرب من خيمتها إلا اقتلعه وألقاه بعيدة خوفاً من أن يؤذي قدميها إذا مشت ليلاً…..فكيف يفعل إذن عندما يقترب منها سالم……

سالم إبن الشيخ خميس نشأ وهو يرى سيطرة أبيه الكاملة على أهالي حيل الركز، فصار يقلد أباه ويعاملهم باستعلاء منذ صغره، كان يسخر بشدة من مسعود بسبب رجله الخشبية، وفي مرات عدة هدم حظيرته وألقى بأشياءه بعيداً، كل ذلك ولم يكن مسعود أو غيره يجرؤ للشكوى منه عند أبيه لأنه سيشجعه على المزيد من الظلم.

خلال السنين الأربع الماضية ابتعد سالم عن حيل الركز ، وصار لا يرى إلا مرة كل شهرين أو ثلاثة، والعام الماضي طلق زوجته وأم طفليه بعد أن هجرها لفترة طويلة، أقاويل كثيرة تتردد عنه، منها أنه طرد من عمله بالشرطة بسبب سكره ومغامراته ، وهذا القول الأخير بالتحديد كان الذيب قد سمعه من حميد الذي نقله عن أخيه الذي يعمل في الشرطة.
لشدما حاول مسعود أن يوقف الذيب، إلا أن الذيب كان كأنه يطير من سرعته، في إحدى القفزات الواسعة التي قفزها ليتحاشى بركة اعترضت طريقه فقد توازنه وسقط في البركة، كاد مسعود أن يسقط فوقه لولا أن مهارته أنقذته، استطاع بأعجوبة أن يرتكز على رجله الخشبية ويستدير برجله الأخرى كعقرب الساعة ثقم ليقف متزناً.
قام الذيب من البركة وأخرج حقيبته من الماء، لم يلتفت لسلة العسل التي أعطاه إياها مسعود وتركها طافية فوق الماء وتابع طريقة، حمل مسعود العسل وقرر أن يمشي على مهله إلى الخيمة التي أضحت قريبة.
وصل الذيب لخيمة صبحا، وقف في الفضاء الذي أمامها ليتنفس وكأنه لم يتنفس منذ أن بدأ الركض، أطلق الحقيبة التي كانت تقطر من الماء لتستقر على الأرض، اتخذ وضعية الركوع ليتمكن من التنفس بشكل أفضل، بدأ يجول ببصره …… كومة الحطب انتقلت إلى داخل الخيمة، لابد أنها أمطرت البارحة، رفع بصره للسمرة حيث تعودت أن تعلق وعاء تجفيف الجبن فلم يجده، دليل آخر على أنها أمطرت البارحة…..في لحظة تفكره وتحليله للأدلة تلك وصل مسعود، أراد الذيب أن يبهره فبادره باستنتاجه عن سقوط المطر ليلة البارحة، لكن مسعود، وبعد لحظة من الوجوم، أطلق ضحكة ساخرة وقال للذيب “فماذا تقول إذن عن البرك التي مررنا بها على طول الوادي، وخصوصاً الأخيرة التي مازالت ثيابك تقطر من مياهها”
سكت الذيب واعتدل في وقفته وهو يحدث نفسه بجهل مسعود للمنهج الصحيح في الملاحظة والتحليل، ثم أطلق صيحة قوية ينادي صبحا ووجّهها نحو الجبل ، أخذت أصداء صيحته تتردد بين الجبال وهو مسعود يصيخان السمع في انتظار استجابة من صبحا، لكن ظهور طلائع قطيع الأغنام العادية نحو الخيمة أغنتهم عن الإنتظار، فلابد أن صبحا خلف القطيع وستنزل من فرجة الشعبة بعد قليل….وماهي إلا دقيقة حتى نزلت نجمة الصبح….واتسعت عيناه لتأخذ من نورها ماستطاعت….أحس أن جسمه أصبح خفيفاً …. وأن ريحاً خفيفة تحمله فوق الأرض بمسافة قليلة….ثم تدفعه ليلاقيها قبل أن تصل….كان قطيع الغنم ينقسم عنه ذات اليمين وذات الشمال حتى التقاها.
يعتريها شعور غريب عندما تلتقيه بعد غياب، تشعر أنها تراه للمرة الأولى في حياتها، لا تستطيع إلا أن تستر فمها بطرف غطاء رأسها حياءً، تكلمه وهي تنظر للأرض، وإن كان الغياب طويلاً فإنها تستر صفحة وجهها كاملة وتكلمه وهي معرضة عنه.
وهو أيضاً يعتريه نفس الشعور، لكن بعد ذلك تعود الأمور لطبيعتها، وستبدأ بسؤاله عن كل شيء، منذ مغادرته وحتى عودته، وهو يجيبها بإجابات يحفظها كلاهما…..

مسعود يعرف خصوصية هذه الدقائق الأولى بين الذيب وصبحا، ولذلك يتظاهر دوماً بأنه يجمع الحطب من السمرات القريبة لإعداد القهوة، وعندما يعود للخيمة ستسخر منه صبحا لأنه لم يلاحظ كومة الحطب الموجودة…..طقوس تعود عليها الثلاثة ويمارسونها بكل احترام.

يتبع.....
 

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
كان الجو شتوياً غائماً، ورائحة أمطار الليل مازالت في الأجواء، أخرجت صبحا للذيب ولمسعود بضع عيدان من الحطب الجاف ليشعلا النار، شرع الإثنان في إعداد القهوة وتحلقا حول النار طلباً للدفء وأما هي فكانت سعادتها لا توصف وهي تخبز لحبيب القلب....مع وجود مسعود معهما فهي لا تكاد تتوقف عن الكلام مع الذيب، وأما حين يكونان لوحدهما فإنها تستحي منه ...... إلا في أمر واحد....إنه موضوع الزواج الذي تثيره غالباً في الليل عندما يذوب حياؤها في الظلام.

خافت عليه من البرد فطلبت منه تبديل ثوبه الذي أصابه البلل، لكنه وجد أن ثيابه التي في الحقيبة مبتلة أيضاً، وكذلك حنوط الموتى الذي جاءها به، أخذت منه ثيابه والحنوط لتجففه في الخيمة، وهي تنشر الثياب شرعت تخبرهم أن سالم ولد الشيخ مر بها بالأمس.......وكأن إحساس اللدغة عاد للذيب بعد أن أنساه حضورها الأمر....قام عن الطعام ووقف بباب الخيمة يستمع لها، أخبرتهم أنه اشترى منها نعجة وأنه أعطاها فوق القيمة المعقولة........ثم مدحته وقالت أن أخلاقه بعيدة عن أخلاق أبيه، وأنه متواضع.......وأنه ليس كما يقال عنه......وربما زوجته التي طلقها هي المخطئة.

كل ذلك والذيب ومسعود يتبادلان نظرات التساؤل والتعجب......وبدأت النار تستعر في جوف الذيب، لقد أنكر نبرة صوتها المتحمسة وهي تتكلم عن سالم......... كيف سحرها ...... كيف محا كل ذاكرتها السيئة عنه في زيارة واحدة. مسعود لم يتكلم، كان يحس بما يدور في عقل الذيب، أخذ عود حطب وأشغل نفسه بتقليب الجمر في الموقد، ثم بعد نظرة قصيرة لوجه الذيب قرر المغادرة، تحجج برغبته في تفقد بعض خلايا النحل وانصرف.

لم يستطع الذيب بعدها النظر لوجه صبحا وتشاغل عن الحديث معها، ثم أحس برغبة في البكاء فابتعد عن الخيمة ناحية الجبل، هاقد واجه الحقيقة.......كان يجلد نفسه بأقوى ما عنده......من أنت؟........تذهب وترجع إليها كما أنت تأرجح حقيبة ثيابك الرثة.......من أنت بالنسبة لسالم ولد الشيخ خميس؟......بل من أنت بالنسبة لأي رجل؟......تستعطفك للزواج منذ وفاة والديها وأنت غارق في عجزك وأوهامك المضحكة.......هي تريد حياتها.....تريد زوجاً كالأزواج......كونان....وقبله بشار....وقبله عدنان.....وقبله توم سوير.....الحمد لله أن الأمر لم يصل لسبونج بوب....... هل أنت طفل صغير !!!......ما أسخفك وما أغباك !!!! الا تستحي من نفسك!؟!؟

يتبع.....
 

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
مع تسارع تلك الأفكار في رأسه وهو ينظر للأرض كانت خطاه تتسارع حتى صار يعدو، ثم أظلم كل شيء فجأة، وعندما عاد النور وجد نفسه راقداً في الخيمة تحت طبقتين أو ثلاث من الأغطية، سمع صوت بكاء صبحا لكنه لم يستطع إدارة رأسه لينظر إليها، مسعود كان بالقرب منه لاكنه منكب على موقد يسعّره ، غرق بصره في اللهب المنبعث بين الجمر المتهوج، لم يستطع أن يخرج بصره من ذلك اللهب ، توقف مسعود عن تسعير النار والتفت للذيب، قلبه على بطنه ورفع ثوبه، كان يشعر أن لا حول له ولا قوة، أحس برجل مسعود الخشبية تضغط على رقبته من الخلف، ثم إذا به يتلفظ بالبسملة......وإذا بلسعة النار تكوي ظهره ....فاحت بعدها رائحة جلده المحترق ومسعود يردد "طار الشرّ بإذن الله".

اقتربت منه صبحا وهي مازالت تبكي وتمسح رأسه ووجهه بالماء، بعد قليل أحس بجوع وعطش شديدين، رفع بصره لصبحا ، ولما لم يستطع الكلام لجفاف حلقه أشار بيده لفمه، توقفت عن البكاء وكأنها استبشرت بشفاءه، كانت تلين له الخبز بالحليب وتضعه في فمه حتى شبع، كان هذا في الليل، ولم يكد يطلع الصبح إلا والذيب في خير حال، لقد غاب عن الوعي ليومين، كان مسعود عائداً من الجبل حين وجده غائباً عن الوعي وجسده يلتهب من الحمى .

لم تذهب لرعي الغنم ذلك الصباح، بقيت معه في الخيمة وقد وضعت أمامه كل ما يمكن أن يؤكل، لا تمر دقيقة إلا ووضعت شيئاً في فمه، كان يتظاهر بالإعياء لتبقى بقربه ، وهي تعلم ذلك و يروق لها تدليله، قطع عليهم هذه اللحظات الرائعة صوت اصطدام رجل مسعود بالحصى وهو يمشي في اتجاه الخيمة، أفسحت صبحا المكان ليجلس مسعود بقرب الذيب، ثم أصر عليها مسعود أن تذهب لترعى غنماتها وهو سيرعى الذيب خلال ذلك.

كان مسعود ينتظر بلهفة خروج صبحا، كان عنده شيء يريد قوله للذيب، بمجرد خروجها أسر مسعود للذيب أنه يريد أن يريه شيئاً عن سالم ولد الشيخ خميس، قفز الذيب من فراشه كالغزال، انطلق مسعود مسرعاً ويتبعه الذيب إلى منطقة يستدير فيها الوادي حول قرن صخري تحيط به أشجار السدر، لم يقف مسعود حتى وصل تحت إحدى الأشجار وهو يشير لشيء ما بالأسفل، نظر الذيب لما يشير إليه مسعود......كانت هناك آثار سيارة....زجاجة خمر فارغة....أكواب بلاستيكية.....أثر لموقد نار وبقايا لحم مشوي....

تبادل الإثنان نظرات
-مسعود.....هل أنت متأكد أنه سالم؟
-وهل سبق أن رأيت شيئاً كهذا في الحيل قبل أن يأتي هذا الشيطان!؟!؟
- هل سمعت ما قالته صبحا عنه أول أمس؟
-سمعت.....إنه شيطان يتلون في صورة إنسان.....يستحسن أن تبقى بجانبها ولو لهذا الأسبوع، قد يفعل السكران أي شيء......أتمنى أن يعود لحيث كان ويأخذ شروره معه.
-كلامك أخافني وأشعل ناراً في صدري يا مسعود.
-الحذر خير من الندم يا أخي.

وهكذا قرر الذيب البقاء مع صبحا والتعلل لزميله حميد بالمرض ، وهما عائدان للخيمة كان الذيب يسرع في المقدمة، قفز لمخيلته شكله وهو يتحول للرجل الأخضر في مواجهة سالم، تخيل سالم وهو يأتي بسيارته ليلاً وصبيحة نائمة في الخيمة، سيتظاهر بالنوم وسيدعه حتى ينزل ويدخل الخيمة، وبمجرد أن يقترب منها سيقوم له وهو غاضب، ستنتفخ عضلاته حتى يتمزق عنها ثوبه، في هذه اللحظة ستصحو صبحا، وستشاهده وهو يرفع سالم بيد واحدة ويلقيه خارج الخيمة، ثم سيحطم سيارته وهو ينظر، ثم سيصرخ في وجهه صرخة قوية تجعله يفر هارباً......بعدها سيهدأ وسيجثوا على ركبتيه....وسيسقط مغماً عليه، وعندما يصحوا سيجدها قد وضعت رأسه في حجرها وهي تمسح وجهه بالماء........لشدة انغماسه في ذلك الخيال الذي جعل شعر جسمه يقف لم ينتبه لتحذيرات مسعود من ورائه ولا للبركة من أمامه.....سقط في ذات البركة التي كان قد سقط فيها من قبل.

يتبع....
 

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
لم يعلم الذيب صبحا بهواجسه، مما جعلها تستغرب إصراره على مرافقتها لرعي الغنم رغم تعلله بالمرض عن الذهاب لعمله في صحار، مضت ثلاثة أيام دون شيء يذكر، ولم يرَ أحد منهم سالم في الوادي، في ليلة اليوم الرابع، وبعد انصراف مسعود من سمره مع الذيب، طلبت صبحا من الذيب مرافقتها لمصب الوادي عند الجبل لتستحم تحت جنح الليل، تعود مرافقتها والبقاء بعيداً عنها للمراقبة حتى تستحم وتلبس ثيابها، لكنه الآن يتوجس من وجود سالم.

-الليلة باردة جداً......لماذا لا تستحمين غداً؟
-لابد أن أستحم ........أريد أن أتطهر للصلاة .

لم يستطع بعد جوابها ذاك أن يناقشها في الأمر وبدأ في السير، مشت هي بجانبه ومتأخرة عنه قليلاً، كان القمر بدراً، وكانت تنظر له وتتبسم دون أن يشعر، سحرتها أشعة البدر الفضية المنعكسة على قامته، وهما يمشيان طلبت منه بكل رقة أن يحكي لها قصة العقيلي حتى يصلا للمصب، و تلك القصة الخيالية تحكي عن فارس يحب ابنة عمه، ويقول فيها أشعار الغزل، وكانت دوماً تطلب منه أن يحكيها لها، وتذوب خجلاً حين يصل لأبيات الشعر الغزلية على لسان بطل القصة، تتخيل أن تلك الأبيات لها وأنه هو قائلها.

كانت تمشي بجانبه، وكلما وصل لبيت شعر غزلي اقتربت منه أكثر، حتى أحست أن طرف ثوبه مس طرف ثوبها، وصلا لحدود مصب الوادي وتوقف الذيب حيث تعود أن ينتظرها، ولو بودها ما فارقته حينها لفرط ما أشعلتها أبيات الشعر ...... طلب منها أن تعجل بالاستحمام لأن الطقس شديد البرود، ظل يراقب خيالها وهي تقترب من تجمع المياه عند المصب، أشاح ببصره بعيداً لدقيقة كي لا يراها وهي تخلع ثيابها في ضوء القمر ثم عاد ليراقب، كانت منغمسة في الماء إلا وجهها الذي كان يشع في ضوء القمر، وكانت تموجات الماء حولها تعكس النور بشكل دائري......نسي كل شيء وركز بصره في مركز تلك التموجات....كان يتخيل التفاف الماء حولها....وتقاطر الماء من رأسها على أنفها وشفتيها.......وفجأة أحس بذلك الإنكماش البغيض الذي يعكر عليه حياته وحياتها.....

يتبع......
 

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
صب لعناته على الشيخ خميس، ثم أتبعها بلعنات أخرى على ولده سالم، وفي غمرة غضبه من نفسه عاد له خيال الرجل الأخضر، وتخيل سالم يأتي ويحاول الذهاب في اتجاه صبحا وهي تستحم، سيأمره بالرجوع لكن سالم لن يهتم له كما هي العادة وسيهزأ منه وسيواصل سيره ..... عندها سيغضب وستنشق ثيابه عن عضلاته المفتولة، بالكاد سيلحق سالم قبل أن يدخل للماء عند صبحا.....ستكون المسكينة خائفة وتحاول الإبتعاد عنه، سيمسكه من رقبته من الخلف وسيهزه في الهواء ثلاث مرات ثم سيلقيه بعيداً ليرتطم بالحجارة ويصاب بكسور كثيرة.....وبعد ذلك سيهدأ ، سيجلس وسيعود لطبيعته السابقة، وستأتي الجميلة صبحا لتحضنه و.......وفجأة سمع نداءها المتلاحق

-الذيب......الذيب......

وهو في نشوة خيالاته ركض في اتجاهها بسرعة جنونية وهو يصرخ صرخة التحول للرجل الأخضر، قبل تجمع المياه حيث تستحم تعثر بحجر فسقط في المياه بجانب صبحا، صرخت من المفاجأة والخوف .......حاولت ستر نفسها بيديها وابتعدت عنه حتى نهاية البركة.

-مالك ....... هل جننت؟!؟!؟!؟
-ماذا....كنت أحسبك تستغيثين!!!!!
-هيا اخرج بسرعة........أنا بغير ثياب.....كنت أناديك لتحضر لي ثيابي النظيفة من الخيمة، لقد نسيتها هناك.

خرج من البركة وقصد الخيمة ليحضر لها ثيابها، في تلك اللحظات وغير بعيد عن ذلك المكان كان سالم قد تخفى في إحدى عقد السدر بالوادي، وكان يراقب بالمنظار صبحا على ضوء القمر وهو مستمتع، هيجه سكره، ولما رأى انصراف الذيب عنها أيقن أنها اللحظة المناسبة للإنقضاض عليها.

يتبع.....
 

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
تحرك سالم بسيارته متجهاً لمصب الوادي دون أن يستعمل مصابيح السيارة مخافة أن ينتبه الذيب، قاد سيارته بهدوء حتى مدخل المصب حيث كان الذيب يقف، كان لعابه يسيل بشدة للوليمة....من سيدري بها في هذا الليل وفي هذه البقعة، حتى هي لن تدري من هذا الذي يهم بها....وربما ترضى بسهولة....ربما تتوقع أن يأتيها أحد فتكون سعيدة.....هكذا كانت نفسه تحدثه.

نزل من سيارته بكل هدوء، خلع ثوبه وأبقى إزاره، اتجه صوب البركة....ماكاد يخطو خطوتين حتى نزل رجل من السماء أمامه مباشرة، كأنه ملك مرسل، أحدث نزوله على الصخر صوتاً عجيباً......خاف سالم بشدة من الرجل وارتد للوراء......تقدم الرجل نحو سالم بثبات شديد......بعد بضع خطوات عرف سالم من الرجل، عرف أنه مسعود من صوت رجله الخشبية على الأرض الصخرية، كان قد قفز من على أحد الصخور المرتفعة، عندها حاول الإنقضاض عليه.....لكن هيهات أن يتفوق عليه وهما فوق الصخور، لم يدر سالم إلا ومسعود يقفز ويستدير خلفه ثم يعاجله بضربة من ساقه الخشبية على ظهره، وعندما التفت عاجله بأخرى في منتصف بطنه ليسقط على قفاه......التقط سالم حجراً وقذف به مسعود فاصابه في وجهه.....هنا صرخ مسعود على صبحا لتهرب بعد أن خاف عليها إن تغلب عليه سالم، أحس سالم أن مسعود أصيب بشدة من الحجر فقام ينوي الفتك به......اقترب منه .....كان مسعود يبدو منهاراً وهو يستند بجانبه على الصخور ممسكاً رأسه....في اللحظة المناسبة استل مسعود رجله الخشبية وهوى بها على سالم.....ضربه عدة مرات....لايدري أين كانت ضرباته تقع لكنه كان يهوي بها بكل قوة.......رأى صبحا وهي تخرج من المكان مسرعة باتجاه الخيمة فتوقف عن ضرب سالم، بسرعة أعاد رجله الخشبية لمكانها وركض هو الآخر باتجاه الخيمة، أسرع سالم ورائهما لكنه أدرك أنه لن يلحق بهما، قرر اللحاق بهما بالسيارة، لكنه فوجئ بأن البطارية ضعيفة للغاية لتشغيل السيارة.....إنه تأثير مسعود على كهرباء السيارات...عندها لم تكن له حيله سوى كيل الشتائم لمسعود وللسيارة.

يتبع
 

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
كانت صبحا تركض كالمجنونة نحو الخيمة، لم تكن تأبه بطعنات الصخور الحادة في قدميها الحافيتين، كلما نظرت للخلف رأت من بعيد شبحاً يركض ورائها.....كانت من شدة الخوف غير قادرة حتى على الصراخ، لم تفهم كل ما كان يجري عن المصب لكنها أدركت الخطر المحدق بها، خرجت من الماء وارتدت ثيابها القديمة وبقيت مختفية خلف إحدى الصخور حتى سمعت صرخة مسعود، عندما وصلت لخيمتها كان الذيب يهم بالخروج حاملاً ثيابها، ألقت نفسها بين يديه وهي ترتجف من الخوف، حسب أن شوقها له قد غلبها وقررت الزواج به رغماً عنه، من شدة خوفها كانت تدفع نفسها نحوه بقوة وهستيرية، سقط على قفاه وهي ملتصقة به......حاول دفعها عنه لكنه لم يستطع.....كان يتمنى أن يحدث أي شيء ينقذه من هذا الموقف، فكانت صرخات مسعود وتأوهاته المستغيثة من خارج الخيمة.....حاول تنبيه صبحا وتحذيرها بأن هناك أحد بالخارج، ما كادت تسمع ذلك حتى أطبقت عليه أكثر وعصرته بين يديها حتى أحس أن أضلاعه ستتكسر من ضمتها، عندها لم يجد غير الإستغاثة بمسعود.....بصعوبة كبيرة أخرج صيحة استغاثة.....مسعود....مسعود......مسعوووود.....تحامل مسعود على نفسه ودخل الخيمة وهو يخشى أن أحداً آخر يهاجم الذيب في الداخل، ما إن دخل ورأى منظر صبحا المرتجفة فهم الأمر، رفع صوته وهو يطلب من صبحا أن تنهض ويطمئنها بزوال الخطر.

بعد دقائق دب الإطمئنان لنفوس الثلاثة، قامت صبحا لتداوي جراح مسعود، أخبرهم مسعود بما حصل، كان قد خرج من حضيرته قاصداً تقاطع الشارع العام ليفك أسلاك أعمدة الإنارة كما هي عادته ليلة الثلاثاء، صحيح أن الذيب هنا لكنه كان لابد أن يفعل ذلك من أجل حميد سائق الرافعة، في الطريق سمع صرخة الذيب التي سقط بعدها في المياه ، اتجه للمصب وهناك رأى سالم وعرف نيته الخبيثة فتصدى له.

يتبع.....
 

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
انزوت صبحا في ركن من الخيمة وهي تبكي، ثم صارت في ما يشبه الهلوسة تنادي أباها الميت، كان واضحاً أنها تفتقد إلى من يوفر لها الأمان، اليوم حماها مسعود، فمن سيحميها غداً، أثر ذلك كثيراً في نفس الذيب، لم يستطع حتى النظر في وجه مسعود الذي لابد أنه هو الآخر فهم رسالة صبحا.......بعد لحظات صمت خلت إلا من صوت صبحا وهي تندب حظها ، استأذن مسعود لأداء ما خرج لأجله، وعدهما بالعودة للمبيت معهما هذه الليلة ....... ترجته صبحا أن لا يذهب لكي لا يتعرض له سالم لكنه أصر وطمأنها.

بعد أقل من ربع ساعة، وهو الوقت الذي يأخذه الماشي عبر الوادي للوصول لتقاطع الشارع العام سمعا صوت فرامل سيارة وارتطام ........ كادت قلوبهم تخرج من صدورهم......أيقنا أن شيئاً حصل لمسعود، صرخت صبحا بالذيب ليذهب وينظر الأمر، وهو أصر أن تذهب معه خوفاً عليها.

أسرعا عبر الوادي في اتجاه التقاطع، كانت دقات القلوب تتسارع كلما اقتربا......خرجا من فج الجبل وكان عليهما أن يصعدا إلى ظاهر الأرض قبل الجسر ليتمكنا من معاينة مكان التقاطع، صعدا وهما يلهثان تعباً وخوفاً مما قد يريان.......كانت هناك سيارة مصطدمة بعمود الإنارة ورجل واقف بجوارها لا يلبس إلا إزاراً.....إلى تلك اللحظة كان لديهما أمل أن لا شيء آخر هناك، وأن ذلك هو سالم اصطدم بعمود الإنارة من شدة سكره، بقيت صبحا في مكانها وانطلق الذيب لعين المكان........وعندما وصل كانت الفاجعة......كان مسعود منطرحاً على الأرض ودمه يسيل مع ميل الشارع، رجله الخشبية انفصلت عنه وانكسر جزءها الأسفل، سالم كان ينظر له باستهزاء وينهزه برجله.....أسرع الذيب وانكب على مسعود الذي كانت روحه تحشرج في حلقه....دمعة كانت تقطر من عينه لمعت على أضواء الأعمدة، نظر للذيب وقال وهو وهو يشير باصبع مرتجف لسالم....."قتلني....قتلني"......ثم أسلم روحه.

بهدوء شديد وضع الذيب رأس صديقه على الأرض، قرر أن أن يفعل شيئاً في لحظته تلك، ولو لم يفعل أي شيء آخر في حياته......لقد غرق فقط في تلك اللحظة بالذات....تناول رجل مسعود الخشبية واتجه لسالم، كان سالم يردد أن السيارة تعطلت عندما رأى مسعود ولم يستطع السيطرة عليها وأن الأمر مجرد حادث...قال الذيب وهو يتلمس الطرف المكسور من الرجل الخشبية الذي صار حاداً مثل الرمح

-كان حادثاً.....تقول كان حادثاً....وعندما ضربته في الوادي كان حادثاً.......ونيتك الخبيثة بصبحا كان حادثاً.... سأريك كيف يكون الحادث....هيا معي.

كان الذيب يحاول دفع سالم للنزول معه تحت الجسر، كان يهوي عليه بالضرب ويطعنه بطرف الرجل الحادة، كان يطعنه بشدة......تصور سالم أن الذيب سيقتله تحت الجسر، فكان يسترحمه ويستعطفه ولكن الذيب كان مصمماً، حاول الهرب فعاجله بضربة على ساقه سقط على إثرها على وجهه، أمره الذيب بالقيام وهو يطعنه في ظهره العاري، نزلا تحت الجسر وسالم يبكي ويستعطف.......أمره الذيب بإسناد ظهره لأحد أعمدة الجسر الإسمنتية، أيقن سالم أنه الموت لا محالة......أصابته حالة من الإستسلام للمصير، عندها وبأقوى ما يمكن وجّه الذيب طعنة قوية لسالم مابين فخذيه ثم ضغط حتى تأكد أنها اخترقت اللحم......صرخ سالم صرخة ترددت أصداها بين الجبال المحيطة.....قال الذيب بعدها
-هذا حق أبيك عليّ، قل له الذيب فعل هذا وسيعرف من هو الذيب......وحق صبحا عليك أيها الخبيث إبن الخبيث.

عندما أطلق الذيب الرجل الخشبية كان طرفها الحاد ما زال متعلقاً بين فخذي سالم، تركه وهو يعوي من الألم واتجه نحو فج الجبل، كانت صبحا حينها قد خافت لمّا سمعت الصراخ فنزلت للوادي وتوارت خلف إحدى الصخور الكبيرة بالقرب من فج الجبل، وقف الذيب ينادي عليها ففاجأته بالخروج من وراء الصخرة، وهي خائفة أسرعت لتلقي نفسها بين ذراعيه، هنا أحس الذيب أنه أضخم وأقوى كثيراً عن ذي قبل، لف يديه القويتين حولها واحتضنها بقوة، هي أحست كم هو آمن أن تكون في صدره، وأن يكون وجهها عند رقبته.

كانت رائحتها رائعة، لأول مرة يشم شعرها.....أبعدها وهي لا تريد الإبتعاد، ابتسم لإحساسه الرائع وقال لها.

-ما رأيك لو تزوجنا يا صبحا؟؟؟
ما كاد يقول ذلك حتى ألقت نفسها في صدره مرة أخرى وهي تقول
- أمهلني لأفكر.....

وهكذا تزوج الذيب وصبحا وعاشا حياة سعيدة، وإن كانا ما يزالان على قيد الحياة فلابد أنهما ما زالا في ذلك الوادي، آخر مرة رأيتهما فيها كان قبل خمسة عشر عاماً، سالم ولد خميس هجر القرية خجلاً بعد أن فقد أعضائه، وأما الشيخ خميس فقد توفي منذ سبع سنين.

النهاية
 
أعلى