قراءة انطباعية في مجموعة "الطيور الزجاجية.."

دبلوماسي المحافظه

¬°•| فخر المنتدى |•°¬
إنضم
11 ديسمبر 2010
المشاركات
6,988
الإقامة
جنة عمان (البريمي)
كتبت ـ بدرية الوهيبية

قرأ القاص يحيى بن سلام المنذري مساء أمس عددا من نصوص مجموعته التي احتفى بها النادي الثقافي " الطيور الزجاجية " الصادرة عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع بدمشق – سوريا، وتقع في مائة وأربع صفحات.
فيما قدم سليمان المعمري قراءة انطباعية عنوانها ( عبور الجدران ) لمجموعة الطيور الزجاجية مشيرا الى تأمل جدران كتابة المنذري الشكلية والمضمونية معرجا على المجموعات الثلاث السابقة ( نافذتان لذلك البحر، رماد اللوحة، بيت وحيد في الصحراء)، طارحا عددا من الأسئلة من قبيل: ما العوالم التي تلح على كتابة المنذري؟ وما المضامين التي تتكرر لديه من مجموعة لأخرى؟ وإلى أي مدى أثر عشقه للفن التشكيلي في كتابته القصصية؟ وأسئلة أخرى يولدها التوغل في ثيمة الجدار.

* جدران تمنع الانسان من الحلم
لخص سليمان المعمري ورقته مستعرضا تجليات ثيمة الجدار في مجموعة "الطيور الزجاجية" ملفتا النظر إلى عدة تجليات لهذه الجدران هي الجدران الخشبية كما في قصتي "طائرة تبدد لون السماء" و"إنقاذ" ، والجدران الأسمنتية كما في قصة "ليلة الخنجر" ، و"من جدار أبيض إلى جدار أسود" ، والجدران الزجاجية كما في قصة "سر الورقة" ، مشيرا الى إلى أن الجدران تمنع الإنسان من مجرد الحلم في قصة "الباب الزجاجي" ، وتمنعه من مجرد الكلام في قصة "الساق" ، مجريةً مقارنة بين بطل رواية الجحيم لهنري باربوس ، وبطلة قصة "إنقاذ" في ثيمة النظر من خلال ثقب جدار ، مشيرة أن الجدار في هذه القصة الأخيرة يغدو معادلاً للحرية والانعتاق ، من خلال تلك الفتحة السرية التي كانت نافذة المرأة إلى العالم الخارجي تبث منها شكواها وحزنها لأم الفتى ، ولولا ذلك الثقب في الجدار ما علم أحد شيئا عن معاناة تلك المرأة ، وما تم إنقاذها .. وتشير الورقة كذلك الى تجلٍّ آخر للجدران في مجموعة "الطيور الزجاجية" هو الجدران التي ترينا أنفسنا ، تلك التي تقوم مقام المرايا في تقديمنا كما نحن بلا أية رتوش أو محاولات تجميل .. وتتساءل : ألهذا إذن يضع الحلاقون مرايا زجاجية على الجدران أمام زبائنهم ؟!.. ثم تجيب على هذا التساؤل بالإحالة إلى قصة "جدران ومرايا" .
* كتابة الأسئلة
يقول سليمان في قراءته الانطباعية (لا تبالغ هذه الورقة إن قالت إن كتابة يحيى سلام المنذري هي كتابة الأسئلة بامتياز.. لقد دأب على طرح الأسئلة التي تبدو في ظاهرها بريئة ، ولكنها ليست كذلك في العمق .. إنها أسئلة تحرض على التأمل والتفكر وإعادة النظر في حياتنا برمتها ، أسئلة تعبرنا مخترقة جُدُرَنا الصلدة مثلما فعل بطل قصة "عابر الجدران" لمارسيل ايميه بفعل حبة سحرية عجيبة تتيح له أن يمر من أي جدار بسهولة تنقله من مكان لآخر.. أسئلة تتطاير – حسب أحد أبطال المنذري – "مثل ريش نُتِفَ من حمامة ضُرِبتْ على رأسها" : ما الموكب ؟! .. لماذا كراسي المستشفى صنعت من الاسمنت ؟ ، هل يعلم الجدي الصغير أن روحه سوف تفارقه بعد لحظات ؟ .. هل مازلت تتمنى امتلاك طاقية الإخفاء ؟ ، هل فعلا أصبحتُ لا شيء ؟ وغيرها الكثير من الأسئلة التي تتناثر في ثنايا قصص "الطيور الزجاجية" الخمس عشرة ..
* الكلمات والتشكيل
ويشير المعمري الى ثيمة أخرى ( لطالما برزت بوضوح في تجربة يحيى المنذري ألا وهي توظيف التشكيل واللوحة في الكتابة القصصية ، مؤكدة أن العديد من نصوصه القصصية ما هي إلا تجسيد لعبارة ميشيل فوكو في "الكلمات والأشياء" من أن الطبيعة والكلمة يستطيعان أن يتقاطعا إلى ما لا نهاية مشكِّلَيْن لمن يعرف القراءة نصّا واحداً .. وتصل الورقة إلى ملاحظة جوهرية مفادها أنه كلما تقدمت تجربة يحيى المنذري القصصية للأمام تراجع الحضور التشكيلي للخلف ، أو لنقل خفت وبات في خلفية المشهد .. مجموعتاه الأوليان كان يصدّرهما بقصة لا تتعالق مع الفن التشكيلي فحسب ، بل ويدخل في نسيج أحداثها بحيث لا تغدو القصةُ قصةً إن حذفنا ثيمة التشكيل .. وهي تشير بذلك إلى قصتي "اللوحة" في "نافذتان لذلك البحر" ، و"رماد اللوحة" في المجموعة التي تحمل نفس الاسم .. وتصل الورقة إلى نتيجة مؤداها أن خفوت المشهد التشكيلي في مجموعات المنذري الأخيرة يمكن أن يعزى إلى تحققه كقاص تعويضا عن الفنان الفاشل ، كما صرح للصحافة ذات يوم ، لم يعد يشعر بتلك المرارة التي تدفعه لمحاولة التحقق تشكيليا على الورق .. لكن موهبة التشكيلي باقية لدى القاص ، وتطل برأسها في لوحة هنا أو في وصف هناك ).
الجدير بالذكر أنّ يحيى بن سلام المنذري.. واحد من القاصين العمانيين الذين برزوا في حقبة التسعينيات، أو ما اصطلح عليه بجيل التسعينيات، الذين جاءوا فوضعوا شكلا جديدا في الكتابة القصصية بالسلطنة. تخرج من كلية العلوم تخصص الحاسب الآلي بجامعة السلطان قابوس، وكان في عام 1993م قد أصدر مجموعته الأولى: نافذتان لذلك البحر أتبعها بعد ذلك بمجموعة قصصية حملت عنوان رماد اللوحة، ثم بمجموعته الصادرة عام 2003 ضمن سلسلة كتاب نزوى والتي حملت عنوان بيت وحيد في الصحراء.
 
أعلى