المعصية تحت المجهر

أبو عبدالرحمن

¬°•| عضو جديد |•°¬
إنضم
14 مايو 2011
المشاركات
1
إذا رجعنا إلى قصة أبينا آدم -عليه السلام- مع إبليس لننظر كيف كان التعقيب على ما صدر من كليهما، نجد في جانب إبليس قوله تعالى:" قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين"، ولوجدنا في جانب آدم -عليه السلام- وزوجه قوله تعالى:" وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين"،ففي كلا الموضعين إنكار لصدور المخالفة؛ لوجود الأمر في الآية الأولى، والنهي في الآية الثانية، معنى ذلك أن وجود أي منهما يقتضي الامتثال دون التفات لحجم الأمر أو النهي..
لو افترضنا أن إبليس له أعمال سلفت كأعمال الملائكة الذين "لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون" فهل يقبل منه عدم السجود بعدما أمر؟، أو ملكا من الملائكة -عليهم السلام- فعل فعلة إبليس، هل يعني أن أعماله ستشفع له في عدم السجود بعد صدور الأمر؟، فالجواب: لا؛ لأن علة الإنكار وجود الأمر والنهي في الآيتين.
ولقد كان في إمكان آدم -عليه السلام- أن يحتج بأن مجرد (الذوق) من الشجرة أمر حقير وذنب صغير، فلم احتاج الأمر إلى كل هذا التنبيه!!، لكن ذلك لم يحصل بل سارع آدم وزوجه -عليهما السلام- إلى تدارك الأمر، والتوبة منه في شكل عجيب:" قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" فأولا: رأيا أن فعلهما ظلم للنفس، وثانيا: علّقا النجاة منه، والبعد عن الخسران ؛ بتدخل مغفرة الله ورحمته.
فالذي صدر من إبليس أو من آدم وزوجه -عليهما السلام- عقب تذكيرهما بالمخالفة؛ يجعلنا -تأكيداً- نعيد النظر في قانون المعصية، سواء من حيث (الأمن) من المؤاخذة عليها، بسبب ما قد يطرأ على الذهن مما يهون من شأنها، أو من حيث (الحجم) صغرا وكبرا، مع تأكدنا من وجود الأمر أو النهي، ولنستحضر دائما أن تكرر هذه القصة في القرآن الكريم ست مرات أمر له دلالته واعتباره، فضلاً عما يقتضيه التوجيه الذي قصد به بنو آدم عقبها، قال تعالى:" يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون".
ولقد عاب الله تعالى على الخلف من بني إسرائيل تصورهم المخالف للحق الذي جاء في الكتاب، فقال:" فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون".
ولنتأمل طويلاً؛ كيف يتحول ذلك الخلف عن التنبيه الرباني الواضح: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى)من هذه المغفرة الأكيدة والمشروطة في آن واحد، إلى القول(سيغفر لنا) عارية من أي شرط أو قيد، بل في جرأة غريبة؛ إذ تقال أو تستشعر مع ارتكاب المعصية!!
ثم لنسأل أنفسنا: هل نحن سالمون من هذا الأمر، فليس في تصورنا عن المعصية وعاقبتها مثل هذا الدخيل؟، دون الذهول عن أن المقصود من حكاية أمر بني إسرائيل: العظة والاعتبار والاهتداء، قال تعالى:" إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم".
(العلاج الرباني للمعصية)
 
أعلى