كيف نستقبل رمضان

أبومحمد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
8 مايو 2012
المشاركات
505
بسم الله الرحمن الرحيم

كيف نستقبل رمضان
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من محمد الصالح العثيمين (رحمه الله) إلى من يبلغه من عباد الله المؤمنين، سلك الله بنا وبهم طريق الهداية والصواب.. آمين.
فإنه بمناسبة استقبال شهر رمضان أقدم لإخواني هذه الكلمة؛ راجيًا من الله تعالى أن يجعل عملنا جميعًا خالصًا لوجهه، وتابعًا لما جاء به النبي ، فنقول مستعينين بالله:
1- لا شك أن من نعمة الله على عباده أن منَّ عليهم بهذا الشهر الكريم، الذي جعله موسمًا للخيرات، ومغتنمًا لاكتساب الأعمال الصالحات، وأنعم عليهم فيه بنعمٍ سابقة، ونعم مستمرة دائمة؛ ففي هذا الشهر أنزل الله القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
وفي هذا الشهر حصلت غزوة بدر الكبرى التي أعزَّ الله فيها الإسلام وأهله، وخذل فيها الشرك وأهله، وسمِّي يومها يوم الفرقان.
وفي هذا الشهر حصل الفتح الأعظم الذي طهّر الله فيه البيت الحرام من الأوثان، ودخل الناس بعده في دين الله أفواجًا.
وفي هذا الشهر أعطيت أمة محمد خمس خصال لم تعطهن أمة من الأمم قبلهم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويُزيِّن الله كل يوم جنته، ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة والأذى ويصيروا إليكِ. وتُصفَّد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة. قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر؟ قال: "لا، ولكن العامل إنما يُوفَّى أجره إذا قضى عمله"[1].
ومن صام هذا الشهر إيمانًا بالله واحتسابًا لما عند الله غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه.
2- هذه التراويح التي نصليها من قيام رمضان وفي قيام رمضان إيمانًا واحتسابًا ما سبق من الأجر، وقد ورد عن النبي أنه قال: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة". وهذه نعمة كبرى لا ينبغي للمؤمن أن يتركها، بل ينبغي له أن يثابر عليها، ويحافظ على التراويح مع الإمام من أوَّلها إلى آخرها. وكثير من الناس يضيعون قيامهم مع الإمام بالتجول في المساجد، فيصلون في هذا المسجد تسليمة أو تسليمتين، وفي المسجد الثاني كذلك، فيفوتهم القيام مع الإمام حتى ينصرف، ويحرمون أنفسهم هذا الخير الكثير وهو قيام الليلة. والأولى للإنسان إذا كان يحب أن يتخير من المساجد أن يذهب إلى المسجد الذي يريد من أول الأمر، ويبقى فيه حتى ينصرف الإمام.
3- كثير من إخواننا أئمة المساجد يسرعون في التراويح في الركوع والسجود إسراعًا عظيمًا، يُخِلّ بالصلاة ويشق على الضعفاء من المأمومين، وربما أسرع بعضهم إسراعًا يخل بالطمأنينة التي هي ركن من أركان الصلاة، ولا صلاة بلا طمأنينة. وإذا لم يخل بالطمأنينة فإنه يخل بمتابعة المأمومين، إذ لا يمكنهم المتابعة التامة مع هذه السرعة، وقد قال أهل العلم رحمهم الله: "إنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يسن"، فكيف وهي قد تمنعه فعل ما يجب؟!
فنصيحتي لهؤلاء الأئمة أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم وفيمن خلفهم من المسلمين، وأن يؤدوا تراويحهم بطمأنينة، وأن يعلموا أنهم في صلاتهم بين يدي مولاهم يتقربون إليه بتلاوة كلامه، وتكبيره وتعظيمه والثناء عليه ودعائه بما يحبون من خيري الدنيا والاۤخرة، وهم على خير إذا زاد الوقت عليهم ربع ساعة أو نحوها، والأمر يسير ولله الحمد.
4- أوجب الله الصيام أداء على كل مسلم مكلف قادر مقيم، فأما الصغير الذي لم يبلغ فإن الصيام لا يجب عليه، لقول النبي : "رفع القلم عن ثلاثة"، وذكر: "الصبي حتى يبلغ". ولكن يجب على وليه أن يأمره بالصيام إذا بلغ حدًّا يطيق الصيام فيه؛ لأن ذلك من تأديبه وتمرينه على فعل أركان الإسلام. ونرى بعض الناس ربما يترك أولاده فلا يأمرهم بصلاة ولا صوم وهذا غلط، فإنه مسئول عن ذلك بين يدي الله تبارك وتعالى، وهم يزعمون أنهم لا يُصَوِّمون أولادهم شفقةً عليهم ورحمة بهم، والحقيقة أن الشفيق على أولاده والراحم لهم هو من يمرِّنهم على خصال الخير وفعل البر، لا من يترك تأديبهم وتربيتهم تربية نافعة.
وأما المجنون ومن زال عقله بهرم أو نحوه، فإنهم لا صيام عليهم ولا إطعام لعدم العقل عندهم.
وأما العاجز عن الصيام فإن كان يرجو زوال عجزه كالمريض الذي يرجو الشفاء، فإنه ينتظر حتى يعافيه الله، ثم يقضي ما فاته، لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]. وأما العاجز الذي لا يرجو زوال عجزه: كالكبير والمريض الاۤيس من البرء، فهذا ليس عليه صيام، وإنما الواجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكينًا، وهو بالخيار: إن شاء صنع طعامًا ودعا إليه فقراء بعدد أيام الشهر، وإن شاء أعطى كل فقير خمس صاع من البر.
والمرأة الحائض والنفساء لا تصوم، وتقضي بعد الطهر بعدد الأيام التي أفطرت.
وإذا حصل الحيض أو النفاس في أثناء يوم الصيام بطل الصوم، ووجب عليها قضاء ذلك اليوم الذي حدث فيه الحيض أو النفاس، كما أنه إذا انقطع الدم في أثناء نهار رمضان وجب عليها أن تمسك بقية يومها، ولا تحتسب به، بل تقضي بدله.
والمسافر مخيَّر إن شاء صام وإن شاء أفطر، إلا أن يشقَّ عليه الصيام، فإنه يفطر، ويكره له الصيام؛ لأن في ذلك رغبة عن رخصة الرحيم الكريم وزهدًا فيها، وإنْ كان الصيام لا يشق عليه ولا يفوت حاجته، فالصوم أفضل؛ لما في الصحيحين من حديث أبي الدرداء t قال: "خرجنا مع رسول الله في شهر رمضان في حرٍّ شديد، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله وعبد الله بن رواحة".
5- المفطرات هي:
أ- الأكل والشرب: من أي نوع كان المأكول أو المشروب، وبمعنى الأكل والشرب الحقن، أي الإبر التي يكون فيها تغذية للجسم أو تكسبه ما يكسبه الطعام من القوة، فهذه تفطر، ولا يجوز استعمالها للمريض، إلا حيث يجوز له الفطر، مثل أن يضطر إلى استعمالها نهارًا، فهذا يجوز له استعمالها ويفطر، ويقضي بدل الأيام التي استعملها فيها.
وأما الإبر التي ليست كذلك مثل إبر البنسلين فهذه لا تفطر؛ لأنها ليست طعامًا ولا شرابًا، لا لفظًا ولا معنى، لكن على كل حال الأحوط للإنسان تركها في الصيام، لقول النبي : "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
ب- الجماع: وهو من كبائر الذنوب للصائم في نهار رمضان، وفيه الكفارة المغلظة: عتق رقبة، فإن لم يجد رقبة بأن كان ليس له مال، أو له مال ولكن لا يوجد رقيق بوجه شرعي، فإنه يصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع وجب عليه إطعام ستين مسكينًا (وتقدَّم كيفية الإطعام).
ج- الإنزال: أي إنزال المني بفعل الصائم، مثل أن يقبِّل زوجته فيمني فإنه يفسد صومه، وأما إذا كان الإنزال بغير فعله مثل أن يحتلم فينزل: فإن صيامه لا يبطل؛ لأن ذلك بغير اختياره. ويحرم على الصائم أن يباشر مباشرة يخشى من فساد صومه بها، فلا يجوز أن يقبِّل زوجته أو يلمسها مثلاً، إذا كان يظن أن ينزل منيه بسبب ذلك؛ لأن فيه تعريضًا لصيامه للفساد.
د- الحجامة: فيفطر الحاجم والمحجوم لحديث رافع بن خديج أن النبي قال: "أفطر الحاجم والمحجوم"[2]. فأما خروج الدم بالجرح، أو قلع الضرس، أو الرعاف أو نحوه، فإنه لا يفطر الصائم.
هـ- القيء: إذا استقاء فقاء، فأما إن غلبه القيء بغير اختياره فإنه لا يفطر.
ولا يفطر الصائم إن فعل شيئًا من هذه المفطرات جاهلاً أو ناسيًا؛ لقول الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5]. وقال: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286].
وقال : "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه". وقال: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه". وثبت في صحيح البخاري من حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: "أفطرنا يومًا من رمضان في غيم على عهد رسول الله ثم طلعت الشمس"، ولم ينقل أن النبي أمرهم بالقضاء. ومثل ذلك إذا أكل يظن أن الفجر لم يطلع فتبين أنه طالع، فصومه صحيح، ولا قضاء عليه.
ويجوز للصائم أن يتطيب بما شاء من الطيب من بخورٍ أو غيره، ولا يفطر بذلك. ويجوز للصائم أيضًا أن يداوي عينه بما شاء من قطور أو ذرور، ولا يفطر بذلك، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين[3].
[1] رواه أحمد (7904)، وضعفه شعيب الأرناءوط.
[2] رواه الترمذي وأحمد وقال: هو أصح شيء في هذا الباب، وصححه ابن حبان والحاكم. وروى أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث ثوبان، وحديث شداد بن أوس
 
أعلى