تركيا والحدود السورية.. تفضيل الأسوأ على السيىء

خالد الشامسي

:: فريق التغطيات التطويري ::
إنضم
21 يوليو 2012
المشاركات
3,729
خلال منتصف الشهر الماضي، رفع تنظيم دولة العراق والشام المرتبط بتنظيم القاعدة رايته على تلة حدودية مطلة على تركيا. ويمر مزارعون أتراك يومياً بجوار الراية السوداء، فيما يستطيع عناصر المخفر التركي مشاهدتها وهم على مكاتبهم.. وهو وضْعٌ وَضَعَ تحديات جيوسياسية على الحكومة التركية.
هذا الوضع الحدودي المعقد يربك السياسة التركية، فتنظيم دولة العراق والشام الذي يعرف اختصاراً بـ"داعش"، خرج للتو من معركة انتصر فيها على فصيل معارض مقرب من تركيا (لواء عاصفة الشمال في مدينة اعزاز شمال حلب).
لكن في الوقت ذاته، تنظر أنقرة بعين الخيبة لتقهقر "داعش" و"جبهة النصرة" في بلدة تل كوجر (اليعربية) الحدودية مع العراق أمام قوات كردية سورية تتبنى نهج حزب العمال الكردستاني.
نهج
للوهلة الأولى يبدو النهج التركي في التعامل مع الأحداث الميدانية على حدودها يعتمد على النظر إلى كل منطقة ونقطة حدودية ضمن خصوصياتها، فمثلاً، غضبت تركيا لسيطرة "داعش" على معبر باب السلامة في اعزاز، لكن الصحافة التركية بأقلام المقربين من الحكومة يتمنون لو أن داعش تسيطر على مدينة سري كانيه (راس العين) الواقعة تحت سيطرة الأكراد.
إلا أن هذه المقاربات الجزئية تطرح إشكالية كبيرة امام تركيا، فهي لا تملك سياسة واضحة تجاه القلاقل التي تحدث على حدودها، ولا تستمد غض النظر عن سيطرة "القاعدة" على جزء كبير من حدودها مع سوريا من تقليد سياسي تركي، فهي أمام خيارين، هما السيىء والأسوأ:
الخيار السيىء لتركيا، هو التسليم بالواقع الجديد على حدودها والاعتراف بأحقية أكراد سوريا على حماية مناطقهم من هجمات القاعدة، وبالتالي، تأمين الحدود التركية أيضاً. ذلك أن التفاهم مع الأكراد قائم أساساً في الكثير من القضايا الاشكالية داخل تركيا وخارجها، وقنوات التواصل السياسية والأمنية ما تزال مفتوحة مع حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى قادة إقليم كردستان العراق.
صحيح أن العمال الكردستاني يخوض صراعاً مع تركيا وتعثرت عملية السلام هناك، إلا أن هناك حداً من القيم العامة التي تجعلها أقرب إلى تركيا مقارنة بمبادئ "القاعدة" التي لا يمكن التعامل معها إلا بطرق غير رسمية واستخباراتية.
وبعد سيطرة قوات الحماية الكردية على معبر اليعربية، بدا واضحاً أن خطة أو رغبة تركيا في محاصرة حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) فشلت، والأخطر أن الاستمرار في هذا النهج التركي سيفرض عاجلاً أو آجلاً تعويم "القاعدة"، الأمر الذي يناقض كل مبادئ السياسية الخارجية التركية منذ تأسيسها قبل 90 عاماً.
الأسوأ
الخيار الأسوأ، هو فتح الأبواب أمام سيطرة القاعدة على الحدود التركية، وتحديداً في مناطق الانتشار الكردي. هذا الخيار سيكلف أنقرة إشكالات قانونية قبل أن تكون سياسية، فهي لا تستطيع فتح المعابر عندما يكون تنظيم القاعدة يديرها على الجانب الآخر.
وسيكون مكلفاً من الناحية السياسية للسوريين أيضاً، حيث ترفض "القاعدة" بفرعيها، النصرة وداعش، أي حل في سوريا، سياسياً وعسكرياً، إلا إذا تم تبني كامل خطابهما في نوع الحكم (الخلافة).
إضافة إلى ذلك، ليس هناك مؤشرات على تقوية كتائب الجيش الحر لتكون بديلاً للقاعدة في المناطق الحدودية، كما أن هذه الكتائب لم تعد تلقى ذلك القبول الشعبي كما في السابق، واظهرت معركة اعزاز بين داعش وعاصفة الشمال أن الحاضنة الشعبية الصغيرة للأولى إنما كانت رداً على ما اعتبروه مظالم وتجاوزات على الأرزاق ارتكبتها الثانية.
لا يوجد أي مؤشر حتى الآن على أن أنقرة ستقلب المعادلة الحالية، أي اختيار "السيىء" بدلاً من الارتياح لـ"الأسوأ".
4

باتت دولة العراق والشام تسيطر على أربع نقاط حدودية رئيسية مع تركيا، بعضها غير معابر أنشئت في الفترة الأخيرة كطريق للنازحين، مثل بلدة أطمة في ريف ادلب. كما تسيطر على معبر تل أبيض وباب السلامة وجرابلس، بما يزيد على 200 كيلومتر من أصل نحو 800 كيلومتر هي طول الحدود بين تركيا وسوريا.
 
أعلى