بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.
.
هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من طريق عَبْدُ الرَّزَّاقِ قال : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ أَرْسَلْتَنِى إِلَى عَبْدٍ لاَ يُرِيدُ الْمَوْتَ - قَالَ - فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ ، وَقَالَ : ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ ، فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ . قَالَ : أَي رَبِّ ، ثُمَّ مَهْ ؟ قَالَ : ثُمَّ الْمَوْتُ . قَالَ : فَالآنَ ، فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ .
قَالَ الْمَازِرِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تَطْعَنُ بِهِ الْمُلْحِدَةُ ، وَتَتَلاعَبُ بِنَقْلِهِ الْآثَارُ لِسَبَبِهِ ، وَتَقُولُ : كَيْفَ يَجُوزُ عَلَى نَبِيٍّ مِثْلِ مُوسَى أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَ مَلَكٍ ؟ وَكَيْفَ تُفْقَأُ عَيْنُ الْمَلَكِ ؟
وقال القرطبي في " الْمُفْهِم " : ولَمَّا ظهر هذا مِن هذا الحديث شنَّعته الملحدة ، وقالوا : إن هذا كُله مُحَال ، ولا يصح .
ثم ذَكَر القرطبي أجوبة ضعيفة وردّها ، ثم قال :
وأشبه ما قيل فيه : ما قاله الشيخ الإمام أبو بكر ابن خزيمة ؛ وهو أن موسى صلى الله عليه وسلم لم يعرف ملك الموت ، وأنه رأى رجلاً دخل في منزله بغير إذنه يريد نفسه ، فَدَافَع عن نفسه ، فَلَطَم عَينه ، ففقاها . وتَجِب المُدَافَعة في مثل هذا بِكُلّ مُمْكِن ، وهذا وَجْه حَسَن ، غير أن هذا اعترض عليه بما في الحديث ، وهو أن ملك الموت لما رجع إلى الله تعالى قال : " يا رب ! أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت " ، فلو لم يعرفه موسى - وإنما دفعه عن نفسه - لما صَدق هذا القول مِن ملك الموت .
قلت : وقد أظهر لي ذو الطول والإفضال وجهًا حَسنًا يَحْسِم مادة الإشكال ؛ وهو أن موسى عَرَف ملك الموت ، وأنه جاء ليقبض روحه ، لكنه جاء مجيء الجازم بأنه قد أُمِر بِقَبْض رُوحه مِن غير تخيير ، وعند موسى ما قد نص عليه نبينا صلى الله عليه وسلم من : أن الله تعالى لا يقبض روح نبي حتى يخيره ؛ فلمَّا جاءه على غير الوجه الذي عَلِم به ، بادَر بِشَهَامته ، وقُوة نَفسه إلى أدب ملك الموت ، فلطمه فانفقأت عينه امتحانًا لِمَلَك الموت ؛ إذ لم يُصَرِّح له بالتخيير ، ومما يدل على صحة هذا : أنه لما رَجع إليه ملك الموت ، فخيَّره بين الحياة والموت ؛ اختار الموت واستسلم ، وهذا الوجه - إن شاء الله - أحسن ما قيل فيه وأسلم ، وقد تقدَّم القول في تمثل الملائكة في الصور المختلفة عقلاً ، وثبوت وقوع ذلك نقلاً .
والله تعالى أعلم .
الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.
.
هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من طريق عَبْدُ الرَّزَّاقِ قال : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ أَرْسَلْتَنِى إِلَى عَبْدٍ لاَ يُرِيدُ الْمَوْتَ - قَالَ - فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ ، وَقَالَ : ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ ، فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ . قَالَ : أَي رَبِّ ، ثُمَّ مَهْ ؟ قَالَ : ثُمَّ الْمَوْتُ . قَالَ : فَالآنَ ، فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ .
قَالَ الْمَازِرِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تَطْعَنُ بِهِ الْمُلْحِدَةُ ، وَتَتَلاعَبُ بِنَقْلِهِ الْآثَارُ لِسَبَبِهِ ، وَتَقُولُ : كَيْفَ يَجُوزُ عَلَى نَبِيٍّ مِثْلِ مُوسَى أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَ مَلَكٍ ؟ وَكَيْفَ تُفْقَأُ عَيْنُ الْمَلَكِ ؟
وقال القرطبي في " الْمُفْهِم " : ولَمَّا ظهر هذا مِن هذا الحديث شنَّعته الملحدة ، وقالوا : إن هذا كُله مُحَال ، ولا يصح .
ثم ذَكَر القرطبي أجوبة ضعيفة وردّها ، ثم قال :
وأشبه ما قيل فيه : ما قاله الشيخ الإمام أبو بكر ابن خزيمة ؛ وهو أن موسى صلى الله عليه وسلم لم يعرف ملك الموت ، وأنه رأى رجلاً دخل في منزله بغير إذنه يريد نفسه ، فَدَافَع عن نفسه ، فَلَطَم عَينه ، ففقاها . وتَجِب المُدَافَعة في مثل هذا بِكُلّ مُمْكِن ، وهذا وَجْه حَسَن ، غير أن هذا اعترض عليه بما في الحديث ، وهو أن ملك الموت لما رجع إلى الله تعالى قال : " يا رب ! أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت " ، فلو لم يعرفه موسى - وإنما دفعه عن نفسه - لما صَدق هذا القول مِن ملك الموت .
قلت : وقد أظهر لي ذو الطول والإفضال وجهًا حَسنًا يَحْسِم مادة الإشكال ؛ وهو أن موسى عَرَف ملك الموت ، وأنه جاء ليقبض روحه ، لكنه جاء مجيء الجازم بأنه قد أُمِر بِقَبْض رُوحه مِن غير تخيير ، وعند موسى ما قد نص عليه نبينا صلى الله عليه وسلم من : أن الله تعالى لا يقبض روح نبي حتى يخيره ؛ فلمَّا جاءه على غير الوجه الذي عَلِم به ، بادَر بِشَهَامته ، وقُوة نَفسه إلى أدب ملك الموت ، فلطمه فانفقأت عينه امتحانًا لِمَلَك الموت ؛ إذ لم يُصَرِّح له بالتخيير ، ومما يدل على صحة هذا : أنه لما رَجع إليه ملك الموت ، فخيَّره بين الحياة والموت ؛ اختار الموت واستسلم ، وهذا الوجه - إن شاء الله - أحسن ما قيل فيه وأسلم ، وقد تقدَّم القول في تمثل الملائكة في الصور المختلفة عقلاً ، وثبوت وقوع ذلك نقلاً .
والله تعالى أعلم .
الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد